مسلمون حول العالم ـ خاص
أجرى الحوار: هاني صلاح ـ بريشتينا
قال الشيخ “بسيم محمدي”، مدير مكتب مفتي جمهورية كوسوفا ومسؤول العلاقات الخارجية مع دول الخليج، بأن المشيخة الإسلامية في دولة كوسوفا قامت خلال العقود الماضية بعدة أدوار تاريخية ومحورية في ملف العلاقات العربية-الكوسوفية، مؤكدًا بأنها لم تدخر جهدًا من خلال كوادرها ومؤسساتها في توثيق هذه العلاقات وتطويرها ودفعها لمراحل متقدمة.
ولفت إلى أنه خلال الحقبة اليوغوسلافية، وبينما احتكرت حكومة بلجراد ملف التواصل الرسمي مع العالم العربي، كانت المشيخة الإسلامية جسر التواصل الوحيد بين الشعب الكوسوفي والشعوب العربية، وإن انحصر هذا التواصل في الشؤون الدينية.
إلا أن هذا الجسر امتد للميدان الإعلامي، خلال تسعينيات القرن الماضي، حينما سعت حكومة كوسوفا إلى الاستقلال عن صربيا، وبدأ الطلاب الكوسوفيون المنتشرون في كافة الجامعات الإسلامية بالدول العربية في التعريف بقضية كوسوفا من خلال تنظيم أنشطة ثقافية متعددة شملت الندوات والمعارض والكتب ونشر المقالات في وسائل الإعلام.
ومع إعلان كوسوفا لاستقلالها من جانب واحد عن صربيا في 17 فبراير 2008، أخذ هذا الدور منحًى متقدمًا من خلال خوض المجال الدبلوماسي لمساعدة الحكومة الكوسوفية على التواصل مع الحكومات العربية، حيث كانت كوادر المشيخة الذين درسوا في الجامعات العربية قد بنوا جسور تواصل وأقاموا علاقات متينة سواء مع شرائح المجتمع أو المسؤولين في هذه الدول؛ مما ساهم وبشكل رسمي في توثيق وتطوير العلاقات العربية-الكوسوفية عبر كوادر المشيخة الإسلامية في دولة كوسوفا.
جاء ذلك في حوار خاص مع “مسلمون حول العالم” حول العلاقات العربية-الكوسوفية، ودور المشيخة الإسلامية في كوسوفا في تفعيلها وتطويرها على مدار العقود الماضية.
ـ الشيخ “بسيم محمدي” في سطور..
عاش الشيخ “بسيم محمدي” حياته الدراسية منذ المرحلة الابتدائية وحتى حصوله على الماجستير خارج كوسوفا في عدد من الدول الأوروبية والعربية، مما منحه منذ طفولته بُعدًا دوليًّا في تكوينه الشخصي وعلاقاته الدولية الواسعة، خاصة مع دول الخليج العربي، فقد أنهى دراسته الابتدائية بالعاصمة الصربية بلغراد في الفترة 1984-1991م، ثم سافر لاستكمال دراسته الثانوية في دمشق بسوريا، وذلك بالمعهد الشرعي “أبو النور” في الفترة 1992-1995م، ثم واصل دراسته الجامعية في سوريا وحصل على البكالوريوس في الدراسات الإسلامية واللغة العربية من كلية الدعوة الإسلامية بدمشق في الفترة 1995-1999م.
وفي ثالث دولة درس بها، حصل على الماجستير في الفقه المقارن من جامعة صنعاء باليمن، في الفترة 2000-2001م، ثم رابع دول أكمل دراسته بها وحصل على دبلوم تدريب المعلمين كانت المملكة العربية السعودية، من معهد اللغة العربية في جامعة الملك سعود في العام 2006م.
وكذلك هناك، في المملكة العربية السعودية، حصل على ثاني ماجستير له في موضوع (المناهج وطرق التدريس)، وذلك من كلية التربية جامعة الملك سعود بالرياض، في العام 2011م.
واليوم، ومنذ العام 2008، يتولى مسؤولية ملف العلاقات الخارجية مع دول الخليج، بجانب كونه معاون مدير مكتب مفتي الجمهورية في رئاسة المشيخة الإسلامية في جمهورية كوسوفا منذ عام 2008م.
شارك في عشرات المؤتمرات الدولية والإقليمية والمحلية حول موضوعات التعايش والسلام وحوارات الأديان. يجيد أربع لغات بجانب لغته الأم (الألبانية)، وهي: العربية، والإنجليزية، والصربية، والبوسنية. متزوج ومقيم في العاصمة الكوسوفية بريشتينا، ولديه 5 أولاد.
وإلى الحوار..
ـ في بداية حوارنا، نود التعرف على الجذور التاريخية للعلاقات الكوسوفية-العربية.
أود التوضيح بأن وصول الإسلام إلى كوسوفا قد ارتبط بالفتح العثماني لمنطقة البلقان، وذلك قبل معركة كوسوفا -أو قوصوه ـ عام 1389، والتي دارت قرب ضواحي العاصمة الحالية بريشتينا. فقبل هذا التاريخ كانت منطقة البلقان مسيحية بأكملها بسبب تأثير الإمبراطورية الرومانية الغربية والإمبراطورية البيزنطية. ولكن بعد معركة كوسوفا تغيرت الظروف، حيث حكمت الدولة العثمانية المسلمة كوسوفا رسميًّا من عام 1389 حتى عام 1912، وأسلم معظم الشعب الألباني خلال هذه الفترة.
تعد هذه الفترة هي بداية التواصل مع العالم العربي عبر الدولة العثمانية التي كانت تحكم العالم الإسلامي في تلك الفترة، وهنا نذكر بأن الشعب الألباني اندمج داخل جميع مؤسسات الدولة العثمانية في مختلف المناطق والفترات، ولعبوا دورًا هامًّا في الحياة السياسية والاجتماعية والعسكرية والدينية في الدولة العثمانية، وقدم الألبان 35 صدرًا أعظم في الحقبة العثمانية، والكثير من علماء الدين وشيوخ الإسلام إلخ، وعددًا كبيرًا من الولاة الذين تولوا ولايات الكثير من الدول العربية، مثل ولاية العراق، ولاية لبنان، ومن أشهرهم محمد علي باشا الذي حكم مصر.
بعد انسحاب الدولة العثمانية من منطقة البلقان وقع الشعب الألباني تحت ظروف قاسية، ويمكننا القول بأن هذه الفترة هي أصعب فترة مرت على الشعب الألباني الكوسوفي. ففي مؤتمر برلين عام 1878 تمت تجزئة الأراضي الألبانية إلى 5 أجزاء، ألبانيا (بحدودها السياسية الحالية)، وكوسوفا، و”إقليم ألوتشيني” في الجبل الأسود، و”وادي بريشيفا” داخل صربيا، و”المناطق الغربية” في جمهورية مقدونيا الشمالية، وكذلك “إقليم تشاميريا” في شمال اليونان.
ثم تعرضت المنطقة إلى الحرب العالمية الأولى عام 1914، ثم الثانية 1941، والتي تعتبر أكثر فترة تأثيرًا على الشعب الألباني، حيث أصيبت المنطقة بالحكم الشيوعي الذي نسف كل ما يتعلق بالدين والثقافة الإسلامية. ويمكننا القول إننا نعاني من هذا التأثير إلى يومنا الحاضر في الكثير من المجالات.
خلال الفترة الزمنية التي أعقبت الحرب العالمية الثانية حكمت جمهورية يوغوسلافيا الاشتراكية الاتحادية العلمانية، ما أدى إلى تزايد ابتعاد سكان كوسوفا عن الدين تحت الضغط المستمر والاضطهاد، حيث كان التعليم الديني ممنوعًا ومحاربًا، وكما تعلمون فهذا الأمر معروف لديكم.
ـ كانت علاقة يوغوسلافيا جيدة نوعًا ما بالدول العربية خاصةً مصر؛ فإلى أي حد انعكس ذلك على واقع شعب كوسوفا وصلتهم بالمنطقة العربية؟
كما ذكرت فإن الحقبة بعد الحرب العالمية الثانية هي من أصعب الفترات على الشعب الكوسوفي، حيث تعرض المسلمون في يوغوسلافيا عمومًا والألبان في كوسوفا خصوصًا إلى اضطهاد منظَّم من قبل النظام الحاكم. وقد اعتُبر الألبان المسلمون سكانًا من الدرجة الثانية، ولم يكونوا متساوين مع القوميات الأخرى التي كانت تعيش في يوغسلافيا الفيدرالية. هذا الأمر أدى إلى بذل الجهود من القيادات القومية والاجتماعية والسياسية والدينية سعيًا لنيل الاستقلال لجمهورية كوسوفا.
كما تعلمون فإن عهد الرئيس تيتو معروف لدى الدول العربية، خاصة لعلاقاته الوثيقة مع الكثير من القادة العرب وخاصة جمال عبد الناصر ودول عدم الانحياز. لكن في الواقع كان تيتو يحكم بقبضة من الحديد فيما يخص المسلمين في يوغسلافيا، حيث تعرض المسلمون إلى اضطهاد وظلم.
فمنذ احتلال صربيا لكوسوفا، لم تسمح لها بالخروج عن هيمنتها حتى في ظل الاتحاد اليوغوسلافي السابق الذي تشكل من 6 جمهوريات، لذلك أثناء الحقبة اليوغوسلافية كانت المشيخة الإسلامية بمثابة جسر التواصل الوحيد بين الشعب الكوسوفي والشعوب العربية، وانحصر هذا التواصل في الشؤون الدينية، حيث تعلّم ودرَس الكثيرُ من العلماء الألبان من كوسوفا في الدول العربية، وخاصة جامعة الأزهر الشريف، ثم في المملكة العربية السعودية والعراق وسوريا.
ـ خلال مسيرة كوسوفا إلى الاستقلال عن صربيا، كان للمشيخة الإسلامية وكوادرها الدعوية دور محوري في التعريف بقضية كوسوفا في العالم العربي، فهل من إطلالة على ما قمتم به؟
لعبت المشيخة الإسلامية دورًا هامًّا ومحوريًّا في نشر قضية كوسوفا لدى العالم العربي، وخاصة من خلال الطلاب الدارسين في الدول العربية في المشرق والمغرب العربي، حيث كان يقوم الطلاب في دول دراستهم، والذين كانوا يدرسون في أغلب الأحيان في مجال الشريعة الإسلامية واللغة العربية، كانوا يقومون بأنشطة ثقافية، حيث يُعرّفون الشعوب العربية على معاناة الشعب الكوسوفي والاضطهاد الذي يتعرض له من قبل النظام الصربي. هذا على المستوى الفردي والجماعي لأنشطة فردية قام بها الطلاب الكوسوفيون في تلك الدول.
أما فيما يخص دور المشيخة الإسلامية كجهة رسمية وحيدة ترعى الشؤون الدينية للمسلمين في كوسوفا، فإنها بذلت كل إمكانياتها المادية والمعنوية في نشر قضية كوسوفا أمام الرأي العام العربي. وهنا أذكر دورَ رئيسِ المشيخة الإسلامية السابق د. رجب بويا -رحمه الله- الذي رأس المشيخة الإسلامية في أصعب وأحرج الفترات من عام 1991-2003، حيث جال الدول العربية شرقًا وغربًا ساعيًا لإطلاع الرأي العام العربي والمسؤولين السياسيين على قضية كوسوفا، وأثمرت هذه الأنشطة في تقريب الموقف العام للعالم العربي مع قضية كوسوفا، وخاصة دول الخليج العربي التي دعمت في وقتها تدخل حلف الناتو لإيقاف المجازر الصربية.
وفي عام 2003 تولى رئاسة المشيخة الإسلامية فضيلة المفتي الشيخ نعيم ترنافا، الرئيس الحالي للمشيخة، حيث لعب دورًا رئيسيًّا في تقوية علاقات التعاون مع العالم العربي، وسخَّر جميع مؤسسات المشيخة الإسلامية وكوادرها في سبيل ذلك. أثمرت هذه الجهود نتائج عظيمة، ومن أهمها لقاءاته المستمرة مع ملوك وأمراء ورؤساء الدول العربية، حيث كان يؤكد في جميع لقاءاته على أهمية وضرورة دعم الشعب الكوسوفي، والإسراع في الاعتراف بجمهورية كوسوفا؛ الأمر الذي لا يزال يردده في كل المحافل الدولية.
ـ بعد أن أعلنت كوسوفا استقلالها من جانب واحد عن صربيا في 17 فبراير 2008، اتسم الموقف العربي بالتأخر أو التردد في الاعتراف بكوسوفا، كيف تنظرون لهذا الأمر؟
بعد إعلان البرلمان الكوسوفي بالإجماع الاستقلال عن صربيا في 17 فبراير، بادرت دول كثيرة بالاعتراف بجمهورية كوسوفا دولة مستقلة ذات سيادة. وفي هذا يمكننا القول بأن الشعب الكوسوفي على جميع مستوياته كان يتوقع الاعتراف المباشر من جميع الدول العربية بهذا الاستقلال، لكن كما يقول الشاعر: وتجري الرياح بما لا تشتهي السفن.
بداية الأمر تأخرت الدول العربية في إعلان الاعتراف باستقلال كوسوفا، وربما يرجع ذلك إلى حساباتها الجيوسياسية على المستوى الدولي، أو إلى بعض العلاقات التاريخية القديمة التي كانت تربطها بيوغوسلافيا أيام الزعيم الشيوعي تيتو.
ـ ما هي الدول التي اعترفت بكم؟
أول دولة عربية اعترفت باستقلال كوسوفا هي دولة الإمارات العربية المتحدة في 14/10/2008 ثمانية أشهر بعد إعلان الاستقلال، ثم المملكة العربية السعودية في 14/04/2009، تلتها جزر القمر في 14/05/2009، البحرين في 19/05/2009، الأردن في 17/07/2009، موريتانيا في 14/09/2010، جيبوتي في 08/05/2010، صوماليا في 19/05/2010، قطر في 07/01/2011، سلطنة عمان في 04/02/2011، الكويت في 11/10/2011، تشاد في 01/06/2012، اليمن في 11/06/2013، مصر في 26/06/2013، ليبيا في 25/09/2013. هذه هي الدول العربية التي اعترفت باستقلال كوسوفا.
وفيما لا نزال ننتظر الاعتراف من الدول العربية الأخرى، والتي نعتبر أنه ليس لها أي عذر في عدم الاعتراف باستقلال كوسوفا، خاصة بعد أن ثبت بأن استقلال جمهورية كوسوفا هو تصحيح لجريمة تاريخية حدثت لهذا الشعب في مؤتمر برلين عام 1878، وأنها أثبتت أنها دولة من أكثر الدول ديمقراطية في دول غرب البلقان وفق التقارير الدولية المعتمدة. هذا فيما يخص الجانب السياسي الرسمي الخاص بالاعتراف الرسمي.
ـ تقلد العديد من قيادات المشيخة الإسلامية في كوسوفا مناصب دبلوماسية بالدول العربية، مثل الدكتور الشيخ رجب بويا -رحمه الله- وغيره، فهل تعدون هذا نجاحًا للمشيخة الإسلامية في لعب دور ملموس ومهم في تقوية العلاقات بين الحكومة الكوسوفية والحكومات العربية؟
ذكرت قبل قليل شخصية هامة قادت المشيخة الإسلامية وهو كما ذكرتم الدكتور الشيخ رجب بويا، الذي أصبح -فيما بعد- أول سفير لجمهورية كوسوفا في المملكة العربية السعودية بعد أن كان عميدًا لكلية الدراسات الإسلامية، ولعب دورًا هامًّا في تقوية العلاقة بين البلدين والشعبين، كما أن هناك العديد من السفراء من نتاج المشيخة الإسلامية، مثل السفير جابر حميتي، سفير جمهورية كوسوفا في الإمارات، والسفير فؤاد مورينا، سفير كوسوفا في قطر، والسفير السابق في الإمارات وقطر عامر أحمدي، كل هؤلاء السفراء وآخرون غيرهم من العاملين في السلك الدبلوماسي في مختلف الوظائف لعبوا دورًا هامًّا في تقوية العلاقات بين الشعب الكوسوفي وتلك الدول.
ـ بناءً على جهودكم الإعلامية كمؤسسة وكوادر دعوية في التعريف بقضية كوسوفا في العالم العربي، ثم لاحقًا عبر مشاركتكم في الدور الدبلوماسي في الدول العربية.. ماذا كان حصاد كافة هذه الجهود وتلك الأدوار المتعددة؟
لا شك أن الإصرار على هذا النشاط الكبير للمشيخة الإسلامية في نشر قضية كوسوفا أمام الرأي العام العربي كانت له نتائج إيجابية في المجالات المختلفة، وتمثّل ذلك في الدعم والمساعدات المقدمة من الشعوب العربية حكوماتٍ وشعوبًا. وهنا نذكر الحملات الشعبية لجمع التبرعات التي وجّه بها ملوك وأمراء دول الخليج في السعودية، والكويت، والإمارات، وقطر، والبحرين لدعم كوسوفا.
وقد استمر هذ الدعم بعد الحرب، والذي تمثل في إعادة إعمار كوسوفا بعد أن تم تدمير أكثر من 40% من بيوت السكان، وأكثر من 650 مدرسة، وأكثر من 218 جامعًا، والبنية التحتية، إلخ وفق تقارير الأمم المتحدة آنذاك، فخلال 23 عامًا تم تقديم مساعدات بملايين الدولارات لإعادة إعمار كوسوفا تناولت الكثير من المشاريع الخيرية والإغاثية التي نفذتها هذه الدول، ولا زالت تقوم بذلك حتى الآن، وبعضها بالتعاون مع الدولة الكوسوفية، وأخرى دعمًا لمشاريع المشيخة الإسلامية.
ولا يزال هذا الدعم مستمرًّا حتى أيامنا هذه في مختلف المجالات، ومن أبرزها الصعيد السياسي الدبلوماسي، حيث قامت جمهورية كوسوفا بفتح سفارات في العواصم العربية خاصة دول الخليج؛ الأمر الذي ساهم في تطوير العلاقات بين كوسوفا وتلك الدول.
ـ هل من نماذج لأهم هذه المشروعات الخيرية والإنسانية التي تكفلت بها الدول العربية؟
هناك مشروعات خيرية تمت بالتنسيق مع مؤسسات الدولة الكوسوفية، وأخرى تم تقديمها للمشروعات التي تشرف عليها المشيخة الإسلامية:
أ ـ فعلى سبيل المثال للمشاريع المقدمة إلى المؤسسات الحكومية الكوسوفية:
نذكر هنا مستشفى الشيخ زايد -رحمه الله- في مدينة فوشتري، ومستشفى الأطفال الشيخة فاطمة في العاصمة بريشتينا، ومركز الأمير سلطان لجراحة المناظير وهو أول مركز من نوعه تم فتحه في البلقان من قِبل اللجنة السعودية المشتركة، وقرية الأيتام في ميتروفيتسا التي موّلتها قطر، والمستوصفات الصحية في مختلف المدن، والمدارس الممولة من البنك الإسلامي إلخ. هذه بعض الأمثلة ولا يتسع المقام لذكرها جميعًا هنا، إلا أنه لا يسعنا نحن كشعب كوسوفي إلا أن نشكرهم على ذلك، وأن نسأل الله تعالى أن يجزيهم خير الجزاء.
ب ـ أما عن المشاريع المقدمة للمشيخة الإسلامية:
فإننا يمكننا القول بأنها تلقت دعمًا كبيرًا في الكثير من المشاريع، مثل بناء المساجد والمدارس الدينية، وكلية الدراسات الإسلامية، وبناء الأوقاف، وعلى سبيل المثال: أوقاف موّلها سمو الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم -رحمه لله- في 7 مدن كوسوفية، ومركز الشيخ جابر الثقافي في مدينة دريناس المموّل من حكومة الكويت، ومشروع المستودعات والثلاجات والمخازن الذي موّلته وزارة الأوقاف القطرية مؤخرًا. كذلك مقر الوقف الجاري بناؤه في مدينة جيلان، وكذلك الجامع المركزي الكبير الجاري بناؤه في مدينة ليبان من تمويل جمعية قطر الخيرية.
هذا بالإضافة للعديد من المساجد التي تم بناؤها بتمويل من السعودية والكويت والإمارات وقطر في مختلف المحافظات. وبجانب دعمهم للأنشطة الخيرية الموسمية، مثل: إفطار صائم، توزيع لحوم الأضاحي، المنح الطلابية، كفالة حجاج، كفالة الأيتام، بناء بيوت الفقراء، والكثير من الأنشطة التعليمية والتربوية والاجتماعية إلخ.
وهنا أود الإشارة إلى التعاون الطيب والمستمر بين المشيخة الإسلامية مع وزارة الشؤون الإسلامية في كلٍّ من المملكة العربية السعودية، والكويت، وقطر، والإمارات، حيث تقوم هذه الوزارات والمؤسسات بتقديم دعم لتنفيذ بعض المشاريع الهامة للمشيخة الإسلامية، وكذلك التعاون مع رابطة العالم الإسلامي، ومنتدى أبوظبي للحوار، ومركز الدوحة للحوار بين الأديان، ومؤسسات خيرية في الإمارات والكويت وقطر إلخ.
ـ بكل صراحة، هل ترون هذه المشروعات الإنسانية دعمًا كافيًا لكم في مرحلة بناء دولتكم الحديثة؟
حقيقة لم يغب الدعم والمساندة على مختلف الأصعدة من قبل الدول العربية، وخاصة دول الخليج العربي، والتي دعمت شعب كوسوفا في مختلف المجالات، وخاصة أيام الحرب الظالمة، حيث بادرت بإرسال المساعدات الإغاثية العاجلة، وإنشاء جسور جوية لتقديم يد العون والمساعدة.
لذا، فإننا عندما نتحدث عن الدعم الحاصل من الدول العربية وخاصة دول الخليج؛ يمكننا القول بأن هناك دعمًا مستمرًّا، لكن عندما ننظر إلى الحاجة الماسة للدعم يمكننا اعتبار هذا الدعم دعمًا متواضعًا؛ لذا ننتهز فرصة هذا الحوار لنوجه الدعوة إلى إخواننا في العالم العربي حكوماتٍ وشعوبًا لدعم المشيخة الإسلامية في مشاريعها المختلفة، وخاصة في المشاريع التنموية التي تساهم في رفع المستوى الاقتصادي للبلد من خلال استثمارات مباشرة في مجالات مختلفة.
وفي هذا الجانب، أريد أن أذكر بأن المشيخة الإسلامية هي من أكثر المؤسسات التي تضررت خلال الحرب الكوسوفية، حيث تم تدمير أكثر من 218 جامعًا، وإحراق وتدمير المراكز الإسلامية، وإحراق المقر الرئاسي للمشيخة الإسلامية بما يحتويه من إرث تاريخي من وثائق ومخطوطات لا تقدّر بثمن، كما أن الحقبة الشيوعية استولت على أكثر من 90% من الأراضي الوقفية التي كانت للمشيخة الإسلامية. على سبيل المثال فإن مبنى الحكومة والبرلمان الكوسوفي يقعان على أراضٍ كانت وقفًا وتم أخذها بالقوة في العهد الشيوعي.
وهنا أريد أن أذكر بأن المشيخة الإسلامية لديها الكثير من المشاريع التي تحتاج إلى دعم مثل:
ـ بناء مقر رئاسة المشيخة الإسلامية في العاصمة بريشتينا، حيث تبلغ تكلفته حوالي 15 مليون يورو، وتشمل مقرًّا، ووقفًا إداريًّا وتجاريًّا يدرُّ دخلًا مستمرًّا للمشيخة الإسلامية.
ـ بناء مساجد في مختلف المناطق، حيث الأراضي موجودة وجاهزة للبناء عليها بناء على طلب الأهالي والمواطنين.
ـ إكمال بناء المساجد، حيث لدينا الكثير من المساجد توقف البناء فيها نظرًا لنفاد الأموال، وتحتاج إلى دعم لإكمالها.
ـ بناء الأوقاف في الكثير من المدن، حيث تلعب هذه الأوقاف دورًا هامًّا في إيجاد مصادر تمويل ميزانية المشيخة.
ـ دعم الأنشطة المختلفة الاجتماعية والتربوية والتعليمية إلخ.
ـ ومن جهةٍ، هل ترون أن حكومة كوسوفا قد قامت بواجبها في التعريف باحتياجاتها وتقريب المواقف العربية لصالح قضيتها العادلة؟
أعتقد بأنه على حكومة جمهورية كوسوفا بمختلف مؤسساتها العمل وبذل المزيد من الجهود في تعميق العلاقات مع العالم العربي، وهناك في السنوات الأخيرة الكثير من المبادرات التي تدعم كوسوفا في مختلف المجالات، على سبيل المثال: دعم الصندوق السعودي للتنمية والبنك الإسلامي لإنشاء طريق ميتروفيتسا، والدعم المقدم من الإمارات لبناء مستشفى الأطفال في العاصمة، وكذلك الدعم المتفق عليه مؤخرًا لبناء مستشفى العاصمة، وبناء قرية الأيتام بتمويل من قطر في ميتروفيتسا، وقرية الأيتام بتمويل من الكويت في جيلان.
لكن كل ذلك نعتبره -من وجهة نظري- شيئًا متواضعًا؛ لذا على الجانب الكوسوفي بذل المزيد من الجهود لجذب استثمارات عربية خاصة من دول الخليج وخلق بيئة مناسبة، كما تفعله بعض الدول المجاورة.
ـ ما أهم التحديات التي تواجهكم في العلاقات بين المشيخة الإسلامية في دولة كوسوفا والمؤسسات المماثلة في الدول العربية؟
يمكننا أن نجمل القول بأن العلاقات هي على مستوًى مُرضٍ نوعًا ما، إلا أن الطموح أكبر. ومن العقبات التي نواجهها في العلاقات مع بعض الدول العربية: عدم الاستيعاب التام لعمل ونشاط ودور المشيخات الإسلامية في بلدان البلقان عمومًا، وفي كوسوفا خصوصًا، ففي بعض الأحيان تتم معاملة المشيخة على أنها جهة أهلية أمثال الجمعيات الخيرية دون اعتبار رسمي، وفي بعض الأحيان على أنها جهة حكومية دون النظر إلى التنظيم الدستوري والقانوني وخصوصيته في جمهورية كوسوفا.
إننا في المشيخة الإسلامية نطمح إلى تعميق العلاقات بين جمهورية كوسوفا والدول العربية. والمشيخة الإسلامية بحاجة ماسة إلى دعم في الكثير من مشاريعها وأنشطتها المختلفة.
وهنا أريد أن أشير إلى أن المشيخة الإسلامية رغم أنها حصلت على دعم الكثير من الدول والمؤسسات في تمويل بعض مشاريعها الإنشائية والموسمية، فإنها لم تحصل على أي دعم من أي جهة كدعم لميزانية المشيخة التي تغطي رواتب أكثر من 2000 موظف موزعين في مؤسسات المشيخة المختلفة، ففي كوسوفا يوجد حوالي 900 مسجد و5 مدارس دينية، وكلية الدراسات الإسلامية، و28 مركزًا إسلاميًّا في جميع المحافظات الكوسوفية إلخ. وكل ذلك يتم تمويله من تبرعات وإيرادات من الشعب الكوسوفي، فكما تعلمون المشيخة الإسلامية لا تحصل على ميزانية من الدولة. هذه هي العقبة الكبرى التي تواجهها المشيخة في عملها ونشاطها.
ـ ختامًا، هل من رسالة ترغبون إرسالها إلى جهات محل اهتمامكم؟
بالطبع، وأود هنا أن أنتهز هذه الفرصة لكي أكرر شكري لكل من ساهم ووقف إلى جانب الشعب الكوسوفي أثناء محنته خلال الحرب وبعدها. كما أشكر كل من يقف حاليًّا إلى جانب دولتنا الحديثة جمهورية كوسوفا.
وختامًا، أود باسم المشيخة الإسلامية أن أكرر شكري وتقديري لجميع شعوب الدول العربية، وإلى حكومات الدول العربية التي اعترفت باستقلال جمهورية كوسوفا، وخاصة دول الخليج التي وقفت سندًا داعمًا لشعب كوسوفا المسلم ودعمت المشيخة الإسلامية، سائلًا الله تعالى أن يجزبهم خير الجزاء في الدنيا والآخرة.
وندعو الدول العربية والإسلامية الشقيقة لنا التي لم تعترف حتى الآن باستقلال جمهورية كوسوفا، ندعوها إلى اتخاذ هذه الخطوة والاعتراف باستقلال كوسوفا، مثل الجزائر، وتونس، والمغرب، والسودان، والعراق، وسوريا، وإندونيسيا، والسودان.