مسلمون حول العالم ـ خاص ـ هاني صلاح
شخصية مميزة وفريده من نوعها.. إنه جوليان درولون.. الذي وُلد في مدينة نانت الفرنسية عام 1982م، فمنذ طفولته كان عاشقًا للزاد الروحي، وباحثًا عن الذات، وعزز هذه الرغبة القوية لديه تشجيعُ أمه له، وترحيبها بانطلاقه في سفريات حول العالم يبحث خلالها عن نفسه وذاته..
في بداية رحلته، أصبح بوذيًّا بعد أن كان مسيحيًّا، ثم ما لبث في نهاية المطاف أن اعتنق الإسلام عام 2012م، ولم يتوقف عند هذا الحد؛ فقد شعر بمسئولية تجاه من حوله ممَّن لم تتح لهم فرصة معرفة الإسلام حق المعرفة، خاصة بعد أن رأى التشويه المتعمد له في وسائل الإعلام الأوروبية؛ لذا نهض من فوره وقام بتأسيس مؤسسة خاصة للتعريف بالإسلام في الغرب.
مع رحلته إلى الإسلام.. كان هذا الحوار له مع «عزام التميمي»، على قناة الحوار، وقام “مسلمون حول العالم” بالتفريغ الصوتي، ومرفق رابط الفيديو في ختام الحوار.
جوليان، دعْنا نبدأ برحلتك، ما الذي حفّز رحلتك إلى الإسلام؟
– جوليان درولون: السلام عليكم، يسعدني أن ألتقيك، أشياء كثيرة حفزت رحلتي، لم أزل باحثًا عن الذات منذ أن كنت طفلًا، بالبداية أصبحت بوذيًّا بعد أن كنت مسيحيًّا.
أين نشأتَ؟
– جوليان درولون: نشأت في فرنسا في (نانت)، وكنت روحانيًّا منذ سن مبكرة حتى أنني أردت أن أصبح كاهنًا، ثم لم تشبعني الكاثوليكية. كانت أمي تعلم بحاجتي إلى غذاء روحي؛ فوجهتني نحو البوذية، ثم أتيحت لي الفرصة للسفر حول العالم في أكثر من خمسين دولة، في النهاية كان الإسلام آخر ما يخطر ببالي.
والدتك هي التي نصحتك بالنظر في البوذية؟
– جوليان درولون: نعم.
إذن لم تكن ملتزمة بالكاثوليكية؟
– جوليان درولون: لا، فسبعون بالمائة من الناس في فرنسا ملحدون أو لا أدريون، جِيلُ والدتي تخلى عن الكاثوليكية لأسباب عديدة، ولكنهم كانوا ما يزالون مؤمنين بالله أو بشيء روحي، والبوذية فرضت نفسها بقوة في التسعينيات بوجود «الدلاي لاما». كانوا يستخدمون الترويج لذلك، وكنا نشاهد الأفلام معًا، وكنت أحب الجزء الخاص بالتأمل السلمي في البوذية، وهو شبيه جدًّا بالإسلام عندما تمارس الخلوة.
الخلوة.
– جوليان درولون: نعم، مثل ما حدث مع الرسول– صلى الله عليه وسلم– عندما تلقى الوحي، كان في خلوة بعيدًا عن العالم. تنقلتُ حول العالم، وبدأت بالعمل كمراسل دولي أنشر تقارير في نيويورك تايمز والإيكونوميست، وسافرت إلى العديد من البلاد المسلمة، كل مرة كنت أسمع فيها الأذان في قبرص، وفي تنزانيا في دار السلام، كنت أشعر بشيء يلح عليّ، لسان حاله: هذا لك، ولكنني كنت أعرف أنه دين خاصّ بالعرب، فلم يخطر ببالي أن أتساءل، وعندما عشت في الفلبين وقررت أن أستقر فيها، والفلبين بلد يمارس المسيحية بالتزام، وضعنا ذلك مجدّدًا على السكة في الطريق إلى الله؛ فعُدت إلى الكنيسة.
كشخص كاثوليكي؟
– جوليان درولون: لا، لم تكن كنيسة كاثوليكية، وإنما بروتستانتية طائفة “المولود من جديد”، وأتباع هذه الطائفة يقرءون الكتاب المقدس، بينما الكاثوليك لا يفعلون، وذلك فرق كبير بينهما. كنت أحاول العودة إلى المسيحية، وكنت على وشك أن أتعمد من جديد ومباشرة بعد رمضان في عام 2012، وكنت أدرس الإسلام في المركز، صليت وتوجهت إلى الله بالدعاء، وقلت: أحتاج لأنْ أختار واحدًا من الدِّينيْنِ.
كان ذلك في الفلبين؟
– جوليان درولون: نعم، كان ذلك في الفلبين، ذهبت إلى صلاة العيد، ولم أكن حينها مسلمًا، ذهبت مع بعض الأصدقاء المسلمين الذين قابلتهم، ورأيت بعض النساء يصلين خلف الرجال، فقلت: هذا ليس عدلًا! لم أكن حينها أفهم الموضوع بشكل كامل، ولكنني أحببت الروح، ووجدتها قوية جدًّا.
في مانيلا؟
– جوليان درولون: نعم، في مانيلا، ثم نطقت بالشهادة أمام الكومبيوتر وأنا أشاهد peas TV وبرامج أخرى كثيرة، وأنا أقدّر عاليًا ما تقوم به، وما يقوم به الجميع في الإعلام؛ لأنني نطقت بالشهادة في غرفتي أمام كمبيوتري. بعد ذلك توجهت إلى السفارة، وحضرت الخطبة، ونطقت بالشهادتين أمام الجميع.
تلك العملية التي بدأت بسماع الأذان، كم استغرقت بالمجمل؟
– جوليان درولون: كنت في قبرص في 2007، وأسلمت في 2012، في الواقع أول مهمة لي كانت في دبي، وفي دبي بدأت أشعر بشيء، أشعر ببعض من نكهة الإسلام، ثم سافرت إلى قبرص، وفي الواقع، كانت إسطنبول شيئًا كبيرًا بالنسبة لي، أذكر أنني كنت في السلطان أحمد وقابلت بعض المسلمين الذين قالوا لي: كان من المفروض أن نصلي خمسين مرة، ولكنها خُفِّضَتْ إلى خمس، فقلت: “واو”! هذا كثير جدًّا، أيُّ إله يطلب ذلك؟ خمسين مرة في اليوم؟ ولكنى الآن أفهم قيمة ذلك؛ فنحن نصلي خمس مرات، ولكن قيمتها تعادل خمسين، توجهت إلى المسجد، وكنت أتدبر داخل المسجد، كنت أعتقد أنني ينبغي أن أتدبر في أي مكان. كان الناس يصلون وأنا أتدبر داخل المسجد، استغرقني ذلك بعض الوقت، وتركيا كانت جزءًا من ذلك.
كان ذلك جزءًا من العملية قبل التحول؟
– جوليان درولون: نعم، كانت هناك أشياء كثيرة، ولكن شيئًا واحدًا هو الذي صعقني، كنت في طريقي إلى الفلبين ووقفت في “أبو ظبي” لثماني ساعات ما بين الرحلتين، أخذت سيارة أجرة وسمعت أغنية– حينها ظننت أنها أغنية– فقلت للسائق: ما هذه الأغنية؟ لقد لمست– بحقٍّ– فؤادي، أوقف السيارة وقال: يا أخي، ليست أغنية.. إنه القرآن، وبدأ مباشرة بإنذاري، قال: يا أخي، إذا أردت أن تنقذ نفسك من نار جهنم؛ فأنقذ نفسك وعائلتك وأسْلِم.
هو دعاك؟
– جوليان درولون: بشكل مباشر، وتلك أفضل دعوة يمكن أن تمارسها مع شخص ما إذا كان لديك دقيقتان فقط، فليس لديك الوقت لإقامة..
رآك قد تأثرت؟
– جوليان درولون: نعم، تكلمنا قليلًا، ويبدو أنه أُعجب بي فقال: أنت إنسان طيب، أرجوك أنقذ نفسك وعائلتك من نار جهنم، ذُهِلْتُ وقلت: لحظة، لا أحد سيذهب إلى نار جهنم، هَوِّنْ عَلَيْكَ، فقال لي: عِدني أن تقرأ القرآن، قلت: نعم. حينها كنت ذلك الشاب العصري، وكنت أعتقد أن الله أكبر من أن يكون لدين واحد، وأن الله لا يمكن أن يختار دينًا واحدًا فقط، وأن جميع الأديان جيدة، وما هي إلا طرق مختلفة في الفهم، وقلت له: عِدني أن تزور هذا الموقع على الإنترنت. في النهاية، قرأت القرآن، وبعد سنوات قليلة صرتُ مسلمًا، ولكن تلك كانت الحكاية الكبرى. أظن أن ذلك الرجل كان باكستانيًّا– بارك الله فيه وأجزل له العطاء– لأن ذلك ما ينبغي على كل مسلم أن يفعله، نحن ندَّعي أننا مليار نَسمة، والآن نتكلم كثيرًا عن فيروس كورونا، ولكن الفيروس الأكبر هو الشرك، فيروس كورونا يؤثر عل جسدك وقد تموت، ولكن الناس لا يدركون أنهم أموات روحيًّا بالنسبة للحياة الأخرى. اعذرني أنا قفزت عن الموضوع، لكن الوقت قصير، والرسالة التي أود توجيهها للناس: إذا كنت تريد بإلحاح مكافحة هذا الفيروس، فماذا عنا معشر غير المسلمين؟ نحن خمسة مليارات نسمة، ونحن في طريقنا إلى الموت.
يحتاجون إلى إنقاذ؟
– جوليان درولون: نعم، وهذه أولوية أهم بكثير، ولأننا لا نرى نار الجحيم، ولا نرى يوم الحساب، فلماذ لا يفعل المسلمون شيئًا لمواجهة هذه المشكلة الهائلة؟ على الأقل ينبغي أن يكون الناس على وعي. انظر الآن كيف أن الناس حول العالم على وعي بالكورونا، ويحث بعضهم بعضًا على الحذر، ولكن من باب الإنصاف: هل الناس في جنوب أمريكا يُدْرِكون– ما يقرب من خمسمائة مليون نسمة– وهي آخر قارة لم ينتشر فيها الإسلام بعدُ. يحتاج الناس هناك لأن يعرفوا بالعواقب كما أخبرني ذلك الباكستاني الذي حذَّرني، وذلك ما ينبغي أن يراه الله منّا؛ أننا مخلصون في عملنا.
بعد تحولك إلى الإسلام، ومما أخبرتني به عن أمك، وعن عائلتك، ربما لم يُحدِث لهم ذلك فرقًا أم أحدث؟
– جوليان درولون: بالنسبة لأمي، فهي امرأة فرنسية، ولذا لست بحاجة لأن أقول الكثير، إنها أم رائعة وجَّهتني وأعدتني جيدًا، وسمحت لي بالسفر في سن 18 عامًا، سمحت لي بالذهاب إلى أستراليا لدراسة الإنجليزية، ولكن بالطبع عندما أخبرتها باعتناقي للإسلام، قالت لي مباشرة: هذا أسوأ ما يمكن أن تتوجه إليه.
لم تكن تمانع أن تكون بوذيًّا وليس مسلمًا.
– جوليان درولون: لا، لا .. ولكنها قالت لي.. لأنها كانت لها آراء نسوية، فالغرب لم يفتأ يبيع للناس فكرة أن الإسلام يضطهد النساء، بينما في الواقع نعلم أن الإسلام حرَّر المرأة، قبل الإسلام كان النساء يعاملن أسوأ معاملة، فالإسلام هو دين الكرامة للنساء؛ ولذلك فإن سبعين بالمائة ممن يعتنقون الإسلام هم نساء، ولكن بالطبع لم ترَ هي الأمر بهذا الشكل، ومع ذلك كانت متفهمة، ولكن ما لبثت الأمور أن ساءت مع عائلتي بسبب شارلي إبدو، وكل تلك الهجمات التي حدثت في فرنسا.
شيء محزن جدًّا.
– جوليان درولون: ما يمكنني قوله إننا جرت لدينا عدة أحداث 11 سبتمبر في بلادنا، ولكن الناس لا يدركون أننا هوجمنا بشكل مستمر. بالنسبة لي، لم يعد الأمر يهم، فقد وقع الضرر. لم أتكلم مع والدتي لسنة كاملة. كانت لدينا بعض المشاكل، ولكن الأمور الآن أفضل. الحمد لله، لكن الأمر كان شاقًّا، لم أتحدث مع إخوتي وأخواتي منذ بضع سنين. عادت العلاقات الآن بيني وبين عائلتي، ولكن علي القول إن المناخ في فرنسا خاص جدًّا.
إنه معادٍ جدًّا.
– جوليان درولون: يختلف كثيرًا عن بريطانيا والولايات المتحدة. إذا كنت تظن أن هذين البلدين فيهما إسلاموفوبيا، فانتظر لتري فرنسا، الهجوم في فرنسا يومي، لا يمرُّ يومٌ دون أن يُهاجَمَ الإسلام في كل واحدة من وسائل الإعلام، إذا استمعت إلى الراديو، فخلال أقل من ساعة سيُهاجِم أحدهم الإسلام، إنه شيء جنوني، وحتى بعض العلماء في فرنسا يقولون الآن- حتى هم يتفهمون- لماذا يصبح الناس كارهين للإسلام؟ في الواقع، هم أنفسهم يمكن أن يخافوا من إخوانهم، وصل الأمر إلى هذا الحد بسبب الهجوم في الإعلام؛ ولذلك فقد دخلت مجال الإعلام بنفسي؛ بسبب كمية الهراء الذي ينشره مَن يدّعون أنهم درسوا الإسلام، بينما هم لا يعرفون الإسلام.. إنه جنون، لديهم ترخيص للهجوم والافتراء.
وهل ذلك حفزك على إنتاج فيلم “الحرية”؟
– جوليان درولون: نعم؛ لأنني أدركت موطن القوة، كانت أمي قد جاءتني ببرنامج وثائقي أنتجه صحفيان فرنسيان تنقَّلا حول العالم بحثًا عن الحقيقة، فأدركت مدى قوته، فطورنا هذه الفكرة لخمسين مسلمًا جديدًا من خمسة وعشرين بلدًا مختلفًا، بخمس عشرة لغة؛ لنوضح ما هو تعريف الحرية؛ لأن الغرب يدَّعي أنه الحرية، وأنه العالم الحر، وأنه المناضل في سبيل الحرية، ولكن في الواقع الرسول– صلى الله عليه وسلم– هو من جاء بالحرية إلى البشرية؛ لأن رسالة الإسلام هي تحرير البشر من قهر غيرهم من البشر؛ من خلال عبادة الله؛ لأنك فقط عندما تعبد الله تصبح حرًّا من رغباتك، ومن كل تلك القيود منذ أن صرت مسلمًا. بإمكاني أن أقول: إنني صرت– بحق– حرًّا، ولكن النضال من أجل الحرية عملية مستمرة، فهناك أشياء أخرى يمكن أن توقعك في الأسر، وغير المسلمين لا يدركون أنهم مستعبدون من قبل رغباتهم.
يبدو لي أن ذلك مشروع كبير، خمسون شخصًا، خمسون مسلمًا جديدًا من خمسين بلدًا مختلفًا وخمسين لغة مختلفة.
– جوليان درولون: خمسة وعشرون بلدًا، وخمس عشرة لغة. لقد أنهينا جولة عرض للفيلم مؤخرًا، بدأنا من جنوب أفريقيا؛ لأنه كان يوم الحرية، نظّمنا يومًا كبيرًا حول الحرية، بدأنا نفعل ذلك قبل عامين، وأنهينا لتوِّنا جولة في نيوزيلاندا. ذهبنا إلى كرايستشرش حيث وقع الهجوم، وعرضنا الفيلم أمام 200 شخص من غير المسلمين في نفس كرايستشرش، وقد أحبوه، وقد أسلم أحد الأشخاص في دونادين؛ حيث كان يتدرب القاتل الذي قام بذلك الهجوم المريع. أنهينا الجولة لتوِّنا، والآن نرغب في أن نشرك العالم معنا. لقد أجرينا الكثير من الاستطلاعات، وحصلنا على تقدير 8.5 من 10 من المسلمين، وحصلنا على تقدير 8 من 10 من غير المسلمين، وتم توثيقه، حتى المبشرون المسيحيون من فرنسا اتصلوا بي، فقد شاهدوا الفيلم في جنوب أفريقيا، وسعوا إلى تحويلي إلى المسيحية من جديد– تصوَّر!– بعد أن شاهدوا فيلمنا. حتى المسيحيون يحترمون فيلمنا؛ لأنهم يدركون أنه ليس دعائيًّا، بل نحن أصبحنا مسلمين بإرادتنا الحرة، وهي فقط حكايتنا ودون كتابة مسبقة. طرحنا عشرة أسئلة على كل شخص، نفس الأسئلة، وهذا هو، واخترنا الأجزاء الأفضل بدون نص مكتوب؛ ولذلك فهو عمل يتسم بالإخلاص؛ ولهذا السبب شركتنا اسمها خالص ميديا؛ تعبيرًا عن النقاء والأصالة.
عندما كنت تجول العالم وذهبت إلى الإمارات، ثم إلى مانيلا، كنت تعمل في الإعلام في إعلان التيار السائد؟
– جوليان درولون: نعم، كنت أعمل لدى وكالة أنباء.
كيف أثَّر تحولك إلى الإسلام على مهنتك، هل اختلف الأمر؟
– جوليان درولون: اعتنقت الإسلام عندما أصبحت مؤلف أغاني في الفلبين.
أي أنك توقفت عن العمل كمراسل؟
– جوليان درولون: توقفت وأنا في السابعة والعشرين. أنهكني العمل في الإعلام، فمتطلباته كثيرة. كان مثيرًا، وكنت شابًّا صغيرًا أسافرُ حول العالم وفي الدرجة الأولى، ولكن في عمر 27 سنة كان لديَّ مدخرات تكفي للتوقف سنة عن العمل، أخذت إجازة دراسية لمدة عام، ومضيت في طريق «جيمز»، وهو نوع من الحج، إنه حج مشهور، كتب عنه باولو كوليو والبابا. يوجد لدى المسيحيين حجان: روما وطريق القديس جيمز في إسبانيا، يسمونه سانتياغو دي كومبوستيلا، مشيت ألف كيلومتر.
على الأقدام؟
– جوليان درولون: على الأقدام لثلاثين يومًا، ومعي غيتارى أغني أغنية عن الله، أدعو الله أن يهديني، فكنت فعليًّا أبحث عن الله، كنت أمشي من 30 إلى 50 كيلومترًا في اليوم، والمشي يمنح الثقة، وتلك هي الطريقة التي كان يُؤدَّى بها الحج، إذن أديت حجي المسيحي، وبالمناسبة ذلك ليس واردًا في الكتاب المقدس، ابتدعوه فيما بعد؛ إذ قالوا إن جسد أحد الرسل وجد تحت الكنيسة في إسبانيا.
ومن أين تبدأ العادة؟
– جوليان درولون: بإمكانك أن تبدأ من روسيا، بإمكانك أن تبدأ من أي مكان؛ لكي تتأهل كحاجٍّ تحتاج لأن تبدأ من مسافة 150 كيلومترًا على الأقل.
مائة وخمسون كيلومترًا؟
– جوليان درولون: ولكني بدأت من الحدود الفرنسية، وذلك ألف كيلومتر، قطعت المسافة في ثلاثين يومًا. كانت تلك تجربة كبيرة.
كان ذلك قبل أن تذهب إلى مانيلا؟
– جوليان درولون: كان ذلك قبل أن أقرر بأن أصبح مؤلف أغاني، ولأن ذلك شيء لم أفعله من قبل، أخذت دروسًا في الغناء، في الواقع استخدمت كتابة الأغاني وأنا أعرف أن العرب يحبون الشعر، وأنا نفسي شاعر أكتب الأغاني.
ويحبون الأغاني أيضًا.
– جوليان درولون: صحيح. دعوت الله في إحدى أغانيَّ وعنوانها “حرية الحب”، قلت: يا الله، أرجوك ارسل إليَّ نورك حتى أتحرر. لم أكن مسلمًا في ذلك الوقت، كنت أعلم كشخص غير مسلم أنني لست على الحق، في كل مرة آوي فيها إلى فراشي أقول: حياتي جيدة، وأستمتع بها، ولكني لستُ على الحق، هناك شيء في حياتي مفقود، لم أكن أعلم في ذلك الوقت أن ذلك هو الإسلام، كانت الأغاني التي أكتبها ذات طابع روحاني، كتبت أغنية عنوانها “لا مزيد من الانقسامات بين الأشقاء من كل الأمم”. المحزن أنني عندما أسلمت اكتشفت أننا ما زلنا منقسمين. أعمل من أجل الحرية لاعتقادي في هذه اللحظة.. أحد آمالي هو رؤية الأمة تضع جانبًا كل خلافاتها حتى نتمكن من التركيز على الصورة الأكبر؛ إذن أصبحت كاتب أغاني، وكان لدي وفرة من الوقت. لم أكن أعمل حينها، ولم أكن مرتبطًا بدوام من 9 إلى 5. هذا ساعدني على إدراك وجود مشكلة، وهناك ما أود أن أذكره بهذا الصدد. فهمت أيضًا أن الشيطان حقيقيٌّ، وذلك أرعبني؛ لأنني أدركت أنني بحاجة إلى حماية. لطالما كنت مؤمنًا بالله. في المسيحية نعتقد أن الشيطان نوع من الملائكة، وأن الشيطان مثله مثل بابا نويل، هو مجرد شيء لإخافة الأطفال، لم أكن أعتقد أن الشيطان كيان حقيقي، وأنه يلاحقني ويلاحق جميع الناس. عندما أدركت ذلك قلت: إنني بحاجة إلى دين لديه درع قوي.
ما الذي جعلك تفكر في ذلك؟
– جوليان درولون: تقصد الشيطان؟
نعم.
– جوليان درولون: أشياء كثيرة، محفزات كثيرة، ولكن دعنا نتكلم عما أعرفه يقينًا، وهو قطاع الموسيقى، فقطاع الموسيقى مليء بالرسائل الشيطانية، وذلك ينطبق على بعض كبار النجوم، بما في ذلك الفرنسيون منهم، بل هي ظاهرة عالمية.
وأنت ولجت إلى هذا العالم؟
– جوليان درولون: كنت فنانًا مستقلًّا، لم يحصل أن وقَّعت عقودًا، وحتى عندما توقّع.. وبعض الفنانين يقولون ذلك على التلفزيون، فالموضوع ليس تفكيرًا تآمريًّا، يقول الواحد: كان عليَّ أن أُوقِّعَ صَفْقَةً مَعَ الشَّيْطَانِ حتى يتسنى لي أن أكون حيث أنا الآن. هذا حقيقي، وعندما رأيت ذلك قلت: هذا مرعب. أدركت في الواقع أن بعض فيديوهات الأغاني التي تُنْتَجُ تحمل في باطنها رسائل واضحة، لكن لا يتمكن الناس من فهمها، ولكن هناك صفقة، والهدف هو تنويم الجماهير مغناطيسيًّا، فيعبدون الشيطان بشكل غير مباشر، ويفعلون كل ما يريده منهم، فتلك المفاهيم مثل: (أنت حر)، و(احرق حياتك)، و(ليس لديك سوى حياة واحدة)، (وأنت حر تفعل ما تريد). من أين جاءت هذه المفاهيم؟ علينا توخي الحذر الشديد. بالنسبة لي، مقياسي هو بالطبع الله، ولكن الله يقول لنا في القرآن إن لكم عدوًّا واحدًا، ولا يذكر أحدًا سوى الشيطان، وهذا العدو داخل في كل واحد من القطاعات، كل ما عليك هو أن تعرف أين يضربك؟ وهذا ما أشعر أنه مفقود في أمتنا حاليًّا. لسنا مدركين لذلك، لا نرتاب بما يكفي. نحن في غاية السذاجة، الشيطان هو من وراء الفساد والخداع، ويستخدم رجالًا آخرين ليُخدِّرونا.
هناك تجليات غير محدودة للشيطان؟
– جوليان درولون: نعم.
والآن بعد أن اعتنقت الإسلام، ما هي التحديات التي واجهتك؟ هل كان الأمر شاقًّا في البداية؟
– جوليان درولون: بالطبع، ينبغي أن تتخلى عن.. كنت أعيش بأموال الربا؛ فقد استثمرت أموالي في مشروع، وضعت كل مدخراتي، وكانت تدرُّ عليَّ دخلًا شهريًّا. في سنتي الأولى كمسلم، كنت ما أزال أحصل على مبلغ شهري، فلم أكن أعمل. الحمد لله، عندما أخبرت أخًا لي كيف كنت أعيش، قال: هذا ربًا، فأوقفته. بعد شهرين، انهار المشروع تمامًا، فلو لم أفعل لخسرت كل أموالي.
سبحان الله! لقد أنقذت نفسك.
– جوليان درولون: أود أن أسردها عليك. أنقذت نفسي وشخصين يابانيين أصبحا مسلمين كانا يستثمران في نفس المشروع، منهما أخت قلت لها: اتقي الله– فقد كانت حينها مسلمة– إنه ربًا؛ فاخرجي منه، فخرجتْ منه. صديقي الياباني الآخر قلت له، فقال: لا، أوَدُّ أن أبقى في المشروع؛ فخسر ماله، وبعد عام أو عامين، جاء إليَّ فقلت له: اسمع، لقد خسرت مالك، ولكن هذه المرة إذا لم تستمع إليَّ؛ فستذهب إلى الجحيم، أسلِمْ الآن؛ فأَسْلَمَ هو الآخرُ، والحقيقة أن خسارته في الربا جعلته يسلم.
بعد أن خسر ماله.
– جوليان درولون: نعم، بعد أن خسر ماله، ولكنه الآن سعيد، وقد أطلق لحيته، فهو مسلم ملتزم يعيش في اليابان، والفتاة التي كانت صديقته حينها أيضًا أسلمت، فكان في ذلك بركة. أكبر تحدٍّ بالنسبة لي ربما كان النساء. كنت مثل معظم الغربيين أعيش حياة عادية، لدي صديقات، ويصعب على المرء أن يتوقف، ولكنني أدركت أنني كنت فارغًا. أكبر تحديين بالنسبة للرجال هما: النساء والمال. لم يشغلني المال في الواقع، لكن موضوع النساء كان أصعب؛ لأنني كنت مؤلف أغاني والفرص كثيرة.
ينجذبن إليك.
– جوليان درولون: نعم، وخاصة بعد أن أصبحت مسلمًا، وهذا المضحك في الموضوع.
بحق.
– جوليان درولون: نعم، وبشكل غير طبيعي، ذلك كان الاختبار الكبير، زاد التحدي بعد أن أصبحت مسلمًا؛ لأنهن كن يطاردنني، وكان لابد من أن أقطع العلاقات معهن؛ ولذلك انتقلت للعيش في ماليزيا؛ اضطررت لتغيير بلد الإقامة؛ لأن الفلبين باتت فتنة كبيرة لي. توقفت عن العمل بعد عام، وكان لدي نصف مليون معجب على اليوتيوب، وكان لدي حينها الكثير من المتابعين، ولكنني أوقفت كل شيء. كنتُ أنتج فيديوهات مع ملكة جمال العالم وبعض الممثلات، ولكني أوقفت كل شيء، ثم ذهبت إلى ماليزيا وبدأت ممارسة الدعوة، وكما يقولون: الباقي بات تاريخيًّا. تزوجت امرأة ماليزية جميلة ما فتئت تدعمني في جميع مشاريعي، وكانت خديجتي منذ البداية، فعندما تتخلى عن شيء لله، يكون دائمًا خيرًا لك، ولكن عليك أن تُضحّي.
في البداية، لا مفر من أن تُمتحن، هذه قاعدة ثابتة.
– جوليان درولون: هذا ما يخبرنا الله به في القرآن، أنه سوف يختبرنا بالخوف والموت والفقر. سمعت خطبة جميلة قبل مغادرتي ماليزيا، كان الإمام يقول لنا في الجمعة الأخيرة: إذا ظننتم أن هذه الحياة الدنيا ستكون سهلة، فالجنة هي المقام، ولكن هذه الحياة ستكون دار مِحَنٍ. كان بالطبع يشير إلى فيروس كورونا، وأن تدبير الله عظيم، فما نراه قد يبدو سيئًا، ولكن مَن يدري، قد تكون الكورونا أفضل حدث؛ لأن الناس لم يهتموا بالله، ولم يهتموا بالموت.
في الواقع إنه يحفز الناس على التفكير.
– جوليان درولون: الآن لدينا واحد من خيارين: إما نستمر بالإيمان بهذا العالم المادي، أو نبدأ بإدراك أن هذا الشيء قد يصيبني الآن. هل أنا مستعد لمغادرة هذا العالم الآن، وذلك أن الجميع يعيشون كما لو أنهم لن يموتوا أبدًا.
وذلك ما يحدث كل يوم، إنها ظاهرة يومية.
– جوليان درولون: نعم، ولكن كما تعلم نقيم المقابر بعيدًا عنا، أعلم أنهم في العالم العربي ما زال لهم هذا التقليد، ولكن في الغرب إنها بعيدة جدًّا عن المدن، ولم نعد نزور الموتى، فنحن منقطعون عن تلك الحقيقة، وهي أننا جميعًا سنموت، وجاء هذا الكورونا ليوقظ الجميع من غفوتهم، فلا مفر منه ومن المأمول، في ظني. هناك آية في القرآن حيث يقول الله تعالى: {ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين}، فمهما حدث، وأيًّا كان مصدر هذا المرض، فأنا على ثقة بأن كلمة الله ستكون العليا، وأن ملايين الناس سيتم إنقاذهم، وكما قلت في البداية أكبر اهتمام بالنسبة لي. أحد أصدقائي فقدَ صديقًا له في “أبو ظبي” قبل شهرين، ومات بسكتة قلبية في سن أربعين عامًا، وكنت على وشك عرض فيلم “الحرية”، وكنت في “أبو ظبي” بعد ذلك بثلاثة أيام. بالنسبة لي، هذا حدث جلل، عندما نتحدث عن الأزمة الإنسانية لا ندرك حجمها، إن أكبر أزمة إنسانية هي موت ملايين البشر كل يوم بدون لا إله إلا الله، محمد رسول الله، ولم تتحْ لهم حتى فرصة التعرف على الإسلام، والأمة لا تسارع، ينبغي أن تكون الأولوية لما نفعله عبر الإعلام؛ لكي نبلغ الرسالة قبل أن يتوفى الناس، فما الذي سيحدث مِن بعد، وما الذي سيحدث لعائلتي؟ نعلم ذلك في الإسلام. لا توجد مساحات رمادية، وخاصة إذا رفضت..
إما أن تكون هنا أو تكون هناك.
– جوليان درولون: بالضبط، إما الجنة وإما النار، وبالنسبة لي آمل أنه من خلال هذه المقابلة، ومن خلال مقابلات أخرى، سيدرك الناس أن واجبنا كمسلمين هو تبليغ الرسالة.
هل ترى أن هذه– ظاهرة اعتناق الإسلام– في صعود؟ هل تشعر بذلك؟
– جوليان درولون: نعم، إنها تحدث في كل أنحاء العالم عفوية، ليست مُهَنْدَسَة، هناك طريقة لهندستها من خلال تسخير الموارد اللازمة. يحدث بجهود ضئيلة جدًّا، ولكن الأمة لا تتبنى ذلك المشروع؛ ولهذا نقع في المشاكل.
من المؤسف أن الأثرياء في العالم الإسلامي يهدرون أموالهم على ما لا فائدة ترجى منه.
– جوليان درولون: أنت محق، وليس ذلك مقبولًا في الإسلام. ينبغى أن يتدفق المال. طالما أنك تستثمر المال فستجني المزيد من البركة، ولكن لسبب ما تبنينا فكرة الاحتفاظ بالكثير لأنفسنا، والامتناع عن العطاء عندما يكون ضروريًّا، يجب أن يكون الإعلام هو مجال الاستثمار الأكبر؛ لأنك إذا أردت أن تؤثر عليّ، فبإمكانك أن تصل إليّ في الفلبين وتحفزني على الدخول في الإسلام. للأسف، ما زلنا نركز على بناء المساجد الضخمة؛ حيث لا يحضر أحد صلاة الفجر، وهذه نبوءة، لماذا؟ لأنها هناك. أنتجت فيلمًا ربما أسلم بسببه 200 شخص. أنت وأنا قد لا نعرف بعد بث هذه المقابلة، هل لديك طريق للقياس ومعرفة من سيتأثر؟ بالطبع تستطيع رؤية الأرقام، ولكن الأثر الحقيقي لا يعلم به إلا الله؛ ولذلك مهم جدًّا دعم ما تقوم به؛ لأن الناس بحاجة إلى إيصال الرسالة والاستثمار في.. ينبغي أن تكون لدينا أولويات.
جوليان، شكرًا جزيلًا، سعدت بالحديث معك.
– جوليان درولون: وأنا سعدت بك أيضًا، السلام عليكم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ رابط فيديو الحلقة:
رحلتي إلى الإسلام: جوليان درولون – My Journey to Islam: Julien Drolon