مسلمون حول العالم
نافذتك إلى أخبار الأقليات المسلمة

الكاتبة الصحفية البوسنية مريم تولتش: سخرت قلمي لمد جسور ثقافية وحضارية بين شعب البوسنة والشعوب العربية

حوار خاص حول واقع دولة البوسنة والهرسك اليوم، ودور ضيفة الحوار الإعلامي في التعريف بها

مسلمون حول العالم ـ خاص ـ هاني صلاح

يمثل مسلمو دولة البوسنة والهرسك أعلى امتداد شمالًا للحضارة الإسلامية في أوروبا، لذا كانت دومًا ومنذ أن دخلها الإسلام قبل 6 قرون بمثابة جسر حضاري بين الثقافتين الشرقية بهويتها الإسلامي والغربية بهويتها المسيحية، وقد عاش الشعب البوسني بمختلف انتماءاته العرقية والدينية في تسامح وسلام على مدار هذه القرون حتى أواخر القرن التاسع عشر وخلال حقب متعاقبة في القرن العشرين كان أكثر دموية حرب البوسنة 1992-1995 في نهايات القرن الماضي.

ومنذ اتفاقية “دايتون” للسلام والتي أبرمت ـ تحت ضغط دولي ـ بين العرقيات الثلاث الرئيسية (الصرب والكروات والمسلمين)، بمدينة دايتون، في ولاية أوهايو الأمريكية في 21 نوفمبر 1995، أوقفت الحرب البوسنية التي استمرت قرابة أربع سنوات، ما بين عامي 1992-1995م، وأوقعت أكثر من 230 ألف قتيل غالبيتهم من مسلمي البوسنة.

لكن مازال الاستقرار لم يستتب بعد في البوسنة، ومازال آمال التعايش عند الغالبية تتصارع مع أحلام الانفصال لدى البعض، فما هو واقع السلام اليوم في البوسنة؟ وماذا يحمل لها المستقبل من آمال أو ألام، وما هي التحديات التي تواجه مسلمي البوسنة اليوم، حول هذه الأسئلة كان لـ”مسلمون حول العالم” هذا الحوار مع الصحفية مريم تولتش التي سخرت قلمها للتعريف بدول البوسنة والهرسك وتاريخ المسلمين فيها للجمهور الناطق بالعربية حول العالم.

الكاتبة الصحفية مريم تولتش

ولدت الكاتبة الصحفية مريم تولتش في سراييفو، ثم انتقلت إلى الأردن التي تعتبرها بلدها الثّاني وهى صغيرة مع والديها اللذان لجآ إليه للنّجاة من قمع الحكومة اليوغسلافية آنذاك، لذا فهى تتقن العربيّة كأبنائها، وتعتز بانتمائها للهويّتين البوسنية والعربيّة.

درست مريم في الأردن، وأنهت الماستر في الصّحافة والإعلام الحديث. وقد مارست لفترات قصيرة أعمالًا متنوعة في الحقل الصّحفي، قبل أن تبدأ كتابة التّقارير والمقالات التي تدور في أغلبها حول البوسنة والهرسك.

تعمل أيضاً في تدريس محتوى الصّحافة العربيّة للباحثين والطّلبة والديبلوماسيين الأجانب منذ تسع سنوات، وهو الأمر الذي أتاح لها التّعرّف إلى السّياسات الأوروبيّة الدّاخلية والخارجيّة عن كثب، مما ساهم في تطوير معرفتها بالعلاقات بين العالمين العربي والإسلامي وأوروبا وتحدياتها، كما بدأت أيضاً كتابة تقارير حول هذه المواضيع. على الصّعيد الشّخصي، متزوّجة وأم لخمسة، وتعيش في الدّوحة حالياً.

وحول احتمالية تجدد حرب البوسنة من جديد، قالت الصحفية مريم بأن كافة الاحتمالات غير مستبعدة معلّلة بأن الصراع بين القوى الخارجية صاحبة النفوذ في البلقان يعزز هذا الاحتمال. ولفتت إلى أن مسلمي البوسنة أدركوا بأنّهم هم وحدهم فقط من سيدافع عن وجودهم عند اشتداد الأزمات. لكنها في الوقت نفسه تعتقد بأن الانضمام لحلف الناتو وللاتّحاد الأوروبي يعدان حلّاً حتى الآن لاستقرار البوسنة مستقبلًا.

وحول التحديات الحالية التي تواجه المسلمين في دولة البوسنة والهرسك، لفتت إلى أن أبرز تحدٍّ يواجه مسلمي البوسنة اليوم هو انقسام الصّفّ. بينما التّحدّ الثّاني وفقًا لضيفة الحوار أمام دولة البوسنة يتمثل في هجرة الشباب وأصحاب الكفاءات.

وإلى الحوار..

ـ ونحن في بدايات عام 2023م، وبعد نحو 28 عامًا من وقف الحرب.. إلى أين وصلت دولة البوسنة على مستوى الاستقرار والازدهار وكذلك التعايش بين جميع الأعراق؟ وهل مازالت هناك تداعيات مستمرة حتى اليوم جراء ما حدث من مذابح وحشية وحرب إبادة؟

الأمن مستتب الآن، ليست هناك تهديدات على حياة السّكّان، وهناك تقدّم في بعض المجالات مثل السّياحة وانشاء المشروعات. على صعيد التّعايش بين الأعراق، ليست هناك توتّرات لأن هناك تاريخ طويل من التّعايش بين المواطنين، لا يخلو الأمر طبعاً من بعض التوتّرات التي تنشأ عند الانتخابات مثلاً، الأحزاب اليمينيّة تستفيد إجمالاً من إذكاء مشاعر الخوف من الآخر.

البوسنة كدولة حتى الآن لم تتعاف من آثار الحرب، فالاقتصاد ما زال ضعيفاً، وليس هناك استقرار سياسي حقيقي لأن صرب البوسنة ما زالوا يعتبرون أنفسهم ليسوا جزءا من الدّولة، وكروات البوسنة مؤخرًا أيضاً بدأت تتصاعد لديهم نداءات الانفصال، غير أن آمال الانضمام لحلف الناتو وللاتّحاد الأوروبي تعتبر حلّاً حتى الآن.

ـ بكل صراحة.. هل تعتقدون أن حرب البوسنة في تسعينيات القرن الماضي ستكون هي الأخيرة ولن تتكرر.. أم تشعرون بأن ما حدث قد يحدث مرة أخرى في المستقبل؟ وما هي أسس رؤيتكم التي تبنون عليها هذه القناعة؟

إذا اعتمدنا على معطيات التّاريخ والجغرافية، الاحتمالات قائمة. لأن البوسنة والهرسك جزء من إقليم البلقان الذي يقع في منطقة صدع بين النّفوذين الرّوسي والغربي، إضافة لقوى أخرى أصغر مثل تركيا والصّين. وبالتالي فأي صراع بين القوى ينعكس مباشرة على شكل صراعات محليّة بين الأطراف التي تدين بالولاء أو التّقارب مع هذه القوى المتنازعة. لا ننسى صعود خطاب اليمين المتطرّف الذي أثّر سلباً بالتّأكيد على نزعة التّعايش والسّلام.

بالمقابل، فإنّ مسلمو البوسنة استيقظت فيهم حاسّة الشّعور بأنّ بقاءهم على أرضهم رهن بمدى تيقظهم لكل محاولات الاجتثاث، وأنّهم هم وحدهم فقط من سيدافع عن وجودهم عند اشتداد الأزمات ولا يستطيعوا الرّهان على اية قوة كبرى أنها ستحميهم، وهذا يحافظ على روح القتال لديهم والاستعداد لأي عدوان جديد، والمحاولات المستمرّة على كافة الأصعدة ليبرزوا هويتهم، وللتأكيد أنّهم جزء أصيل من المنطقة لا يمكن محوه مهما تعاقبت المجازر.

ـ وفيما يتعلق بالمجتمع المسلم البوسني على وجه الحدود.. ما أبرز القضايا أو التحديات التي تشغله حاليًا وتعد ذات أولوية في التعامل معها؟ وهل ترون أفق للتغلب عليها؟ وكيف ذلك؟

بالنّسبة لي أبرز تحدٍّ يواجه مسلمي البوسنة اليوم هو انقسام الصّفّ، فحزب العمل الدّيمقراطي الذي أنشأه الرّاحل بيغوفيتش انشقّ عنه أشخاص بارزون وكلّ بدوره أنشأ حزباً تتصارع فيما بينها وتتبادل الاتّهامات بالفساد وإهمال مصلحة الدّولة في وسائل الإعلام، في وقت ما زالت البوسنة تصنّف فيه كدولة فاشلة، ونظام الحكم فيها الذي نشأ كنتيجة لاتّفاق دايتون الذي أنهى الحرب لا يسمح بالمضيّ إلى الأمام، فبدلاً من اضاعة الوقت والجهد في التّحريض ضدّ بعضهم البعض كان الأجدر بمسلمي البوسنة أن يحرصوا على وحدة الكلمة، خصوصاً أن صرب البوسنة ماضون في مساعيهم للانفصال ولا يلقون بالاً للدّولة، وضعف النّظام السّياسي ينعكس سلباً في صورة فشل إدارة الدّولة بكفاءة وهذا يؤثّر على الاستثمارات الأجنبيّة وسوق العمل، ممّا يقودنا إلى الحديث عن التّحدّ الثّاني وهو هجرة الشباب والكفاءات، وهذا ملحوظ بشكل واسع ويعبّر عن خيبة أمل لدى قطاع عريض من المواطنين من إمكانية الحصول على حياة كريمة في البوسنة والهرسك.

ـ فيما يتعلق بواقع المرأة المسلمة في البوسنة.. ما أبرز الملفات المطروحة للنقاش فيما يتعلق بدورها وحقوقها وحرياتها المدنية والدينية معًا؟

تتشابه البوسنة والهرسك مع الدّول الأخرى ذات التّاريخ الاشتراكي السّابق في أوضاع النّساء فيها، فالنّسوة منخرطات بقوّة في سوق العمل، وهناك مساواة تامة في حقوقهنّ مع الرّجل، مثلاً القانون يمنح الجنسية البوسنية تلقائياً لأبناء البوسنيّات، وتتواجد النّساء في المناصب العليا للدّولة فوزيرة الخارجية لوقت طويل كانت بيسيرا توركوفيتش.

فيما يتعلّق بالحريّات الدّينيّة، تبدّل الوضع بعد الحرب وأصبحت رؤية الحجاب مألوفة في أماكن العمل بعد أن كان ممنوعاً، وأصبح من الممكن ممارسة الصّلاة مثلاً في مكان العمل حتى لو كانت مؤسّسة رسمية. إلّا أنّه توجد أيضاً تحدّيات تواجههنّ مثل عدم عدالة الأجور أحيانا مع الرّجال في القطاع الخاص، والتّعرّض للعنف المنزلي.

كيف بدأتم بالتفكير في المشاركة المجتمعية؟ وما هي الأدوار التي قمتم بها خلال مسيرتكم في المشاركة المجتمعية، وفي أي مجالات كانت؟

لطالما كنت أواجه أسئلة من قبل محيطي في الأردن حول البلد الذي قدمت منه، معلومات الأغلب عن البوسنة والهرسك لا تتعدّى الحرب وأنّها كانت جزءا من يوغسلافيا السّابقة، وبنفس الوقت بسبب ابتعادي عن البوسنة فترة طويلة في طفولتي صار عندي شغف كبير لأتعرّف على الثقافة البوسنية والتّاريخ والمجتمع أكثر لأعوّض ما فاتني فترة الغياب.

مسلمو البوسنة هم جزء من ثقافة إسلامية واسعة متنوّعة ولديهم تجارب تاريخية وتراث وقصص إخباريّة جديرة بأن تروى. بدأت كتابة التّقارير والمقالات واجراء المقابلات مع بوسنيين أحببت تعريفهم إلى العالم العربي، في محاولة لمدّ الجسور وإقامة الصّلات الثّقافية والحضاريّة بين البوسنة والعالم العربي.

مثلاً كتبت عن المحاكمة التاريخيّة التي جرت في سراييفو عام ١٩٨٣ للرّئيس الرّاحل على عزّتبيغوفيتش ورفاقه وهي تمثّل نقطة فارقة في سعي مسلمي البوسنة (البشناق) لإثبات هويّتهم ومطالبتهم بحقوق كاملة لهم في ظلّ الشّيوعية التي كانت مهيمنة على يوغسلافيا السّابقة، وعلى حد علمي لم يكتب عن هذا الموضوع من قبل باللغة العربية بشكل موسّع.

وأحاول بالمقابل التّعريف بالقضايا العربية مثل فلسطين، والثورة السورية وغيرها إلى المتلقي البوسني بشكل حقيقي يعتمد على المعلومة الموثوقة بعيدا عما تكتبه وسائل الإعلام الغربية.

ـ ما هى أبرز العقبات والتحديات التي واجهتكم أثناء دوركم المجتمعي؟

أهمّ عقبة تكون من داخل النّفس، وتكمن في أسئلة على غرار “هل ما أفعله مفيد ومهم؟ لماذا لا أعيش حياة أكثر يسراً وفراغاً في الوقت؟، ما الجدوى من كل هذا..”، وكذلك عقبة تنظيم الوقت بين المهام المختلفة، وطبيعة العمل الصّحفي الذي يتطلّب سرعة إنجاز المادة عندما يكون الحدث ساخناً، أو الاستعداد السّريع لمقابلة على الهواء حول قضايا طرأت في ذلك الوقت، والنّفس الطّويل لإنجاز عمل يحتاج للسّفر ومقابلات أشخاص مختلفين وتمحيص الآراء المختلفة والاطّلاع على وثائق يصعب الوصول إليها.

ـ بناءاً على خبراتكم العملية السابقة؛ ما هى أبرز توصياتكم المستقبلية التي تنصحون بها الناشطات المسلمات للأخذ بها لتحقيق أداء أفضل للمرأة المسلمة في دورها المجتمعي؟

كل امرأة تعرف نفسها وظروفها وإمكانياتها، وبالتّالي من الصّعب تقديم نصائح تصلح للجميع. بالنّسبة لي لو أردت أن أنصح ابنتي فسأنصحها بأن تكون صادقة مع نفسها دائماً، وأن تبحث في شبابها المبكّر عن تطوير مستمرّ لمهاراتها ومعرفتها واتّصالها بالعالم.

نحن السّيّدات بشكل عام نواجه تحدٍّ دائم يتمثل بالتّوفيق بين الأسرة والعمل، وأنا بالنسبة لي ليس الموضوع شيئ على حساب شيئ، وإنما كلا الأمرين يصبّ أحدهما في مصلحة الآخر، السّعادة الأسريّة تحفّز على المزيد من العمل والنّشاط، والنّجاح والاستمتاع بالعمل يجعل المرأة أكثر عطاء ودفئاً وتفهّماً واطّلاعاً، بالتّأكيد الإرهاق يلازم حياة الأم ّ العاملة، ولكن تتعلّم من الوقت أن ترتاح وتستغل الفرص المتاحة لتجدّد الطّاقة.

في جزئية المرأة المسلمة في المجتمعات غير المسلمة أجد مهماً التّركيز على فكرة أن لا تشعر بأنّها في وضع دفاعي أو أنّها مضطرة للتّبرير (الحجاب مثلاً)، بل تتصرّف بثقة وكفاءة ومرونة وندّيّة وفهم جيّد لثقافة الآخر، وهذا يجبر الكلّ على احترامها.

 

https://www.facebook.com/mariam.tulic/posts/pfbid0SWNApSYi9DBEiN4VrZEveTmv3WGgD1mbLXJqY72MJa11M6WgXkqD4cLsuxjeyki3l

https://www.facebook.com/mariam.tulic/posts/pfbid0ue5o2tH5wmaTXHk5KhxrqzeVHFWN9eCSPBX3Bdz242W7tdwerVHYU7JraKay7WZSl

https://www.facebook.com/mariam.tulic/videos/772344937200984/

 

 

    

التخطي إلى شريط الأدوات