مسلمون حول العالم ـ خاص ـ هاني صلاح
“رصدنا في أزمة فيروس كورونا الحالية خمس إيجابيات تضمنت: مبادرات مجتمعية، وتوثيق روابط أسرية، وإعادة ترتيب الأولويات، بالإضافة لتقدير الطبيعة حولنا ودور الكادر الطبي، وما زالت الإيجابيات المتعلقة بهذه الأزمة تتوالى حولنا”.
بهذه الرؤية، شددت الناشطة الأسترالية المسلمة دكتورة “روعة الأيوبي”، الباحثة في مركز البحوث الاستراتيجية للأديان في كانبرا بأستراليا، على أهمية النظرة الإيجابية للأزمات التي تتفجر حولنا، والتعامل معها بتفاؤل وأمل؛ لإحداث تغيير إيجابي في واقع الفرد والأسرة والمجتمع.
جاء ذلك في حوار خاص لها مع “مسلمون حول العالم“، حول وباء كوفيد-19، الناجم عن فيروس كورونا المستجد، وتأثيره على واقع ومستقبل المجتمع المسلم الأسترالي.
وإلى الحوار..
فيروس كورونا والموقف الرسمي
ـ بدايًة.. نود لمحةً سريعة عن الموقف الرسمي في التعامل مع وباء كوفيد-19، الناجم عن فيروس كورونا المستجد، وما صدر عنه من قرارات وتوجيهات.
بدأ التقصي الصحي في أستراليا بشأن فيروس كورونا (كوفيد-19) في يناير٢٠٢٠، وقام مسئولو الأمن الصحي بفحص الوافدين على الرحلات القادمة من الصين، وقد أُبلغ عن أول حالة إصابة بفيروس كورونا عند مواطن صيني وصل من غوانجو، ثم ظهرت نتيجة إيجابية لثلاثة أشخاص آخرين في سيدني.
هكذا أصبحت الإصابات بفيروس كورونا تزداد في باقي الولايات، إلى أن أعلنت الحكومة الأسترالية أن المواطنين الأجانب العائدين من الصين مطالبون بقضاء أسبوعين في بلد ثالث قبل السماح لهم بدخول أستراليا. هذا كان في نهاية شهر يناير.
وفي ٢٧ فبراير، أعلن رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون، أن البلاد تعمل على تنشيط خطة الاستجابة الطارئة للقطاع الصحي بسبب الانتشار السريع لفيروس كورونا؛ فقد أغلقت أغلب الشواطئ الشهيرة؛ لمنع الأشخاص من التجمع واللعب والسباحة، كما مُنع السفر إلى الخارج بتاتًا في خطوة غير مسبوقة في تاريخ البلاد.
ولم تُغلق الجامعات والمدارس إلا في حوالي منتصف شهر مارس، ويأتي ذلك التأخير بعد رفض موريسون إغلاق المدارس، معتبرًا أن التداعيات الاجتماعية والاقتصادية لإجراء كهذا ستكون وخيمة على البلاد، مضيفًا: “إن إغلاق المدارس سيحرم القطاع الصحي من ٣٠ بالمائة من العاملين فيه؛ إذ سيجبر الآباء والأمهات على ملازمة المنازل مع أولادهم”.
وقد صدرت تعديلات على قانون الصحة العامة منحت الشرطة سلطة إصدار غرامات للأشخاص أو الشركات بسبب خرقهم قواعد الاجتماع والعزل الذاتي، أو لحضور أو تنظيم تجمع لأكثر من عشرة أشخاص، ثم أعلنت الحكومة الفيدرالية عن تشديد إضافي للقيود، وقصر التجمعات على شخصين فقط. كما أعلنت إغلاق كل المتاجر غير الأساسية والمطاعم والمقاهي من دون أن يشمل الإغلاق محلات السوبر ماركت والصيدليات ومحطات الوقود.
وإلى الآن يبلغ عدد المصابين في أستراليا ٦٧١٣ حالة، وعدد الذين تعافوا من الفيروس ٥٥٥٨ حالة، وهناك ٨٣ حالة وفيات.
التداعيات السلبية لوباء كورونا
وما مدى تأثر المجتمع المسلم ضمن المجتمع الأسترالي بالإجراءات المتخذة لاحتواء انتشار فيروس كورونا؟ وما حجم الأضرار التي لحقت به مثل غيره؟
مثل غيرها من الجاليات، تأثرت الجالية الإسلامية كثيرًا بعد موجة الذعر التي انتابت البلاد عند ازدياد عدد المصابين بفيروس كورونا، وأصبحوا يتساءلون: هل وباء كورونا اختبار من الله عز وجل؟ هل حظر العبادة العامة والتجمعات الدينية مقبول دينيًّا؟
قوبلت هذه الأسئلة بالجدل؛ حيث قلل بعض الناس من خطر الإصابة بالفيروس على الصحة العامة، وأن العبادة العامة لا شأن لها بذلك، ورفض بعضهم الامتثال للقيود المفروضة على العبادات، ولكن الأكثرية من المسلمين التزموا بهذه القيود، وتعاونوا كثيرًا مع السلطة الصحية، وتقيّدوا بالتعليمات المفروضة من جهة العبادة العامة، ومن جهة تطبيق التباعد الاجتماعي بصرامة، وإجراء اختبار الفيروس أيضًا.
وأصبحت لقاءات المشايخ والعلماء تُبث عبر تطبيق الزوم أو السكايب، أو حتى الفيس بوك، كما عمدت المدارس الإسلامية إلى بث دروسها عبر الإنترنت للتلاميذ. وعندما ظهرت توصيات رسمية للأستراليين بالوقاية والالتزام بالنظافة الشخصية، وغسل الأيدي باستمرار، وعدم المصافحة، كان المسلمون أول الملتزمين بها بفخر؛ لأنها من تعاليم الدين الإسلامي الحنيف.
أما من الناحية الاقتصادية، فقد أقبل المسلمون على شراء المواد الغذائية وتخزينها كما فعل الأستراليون بشكل عام.
الجدير بالذكر هنا، أن الأستراليين قد اعتادوا على تخزين السلع اليومية بسبب مواجهة بعض الكوارث الطبيعية، مثل الحرائق التي تعرضت لها أستراليا في السنوات الثلاثة الماضية.
أما بالنسبة للأضرار، فكانت على كافة المستويات، فقد تم إغلاق جميع شركات تقديم الخدمات غير الأساسية، فعمدت هذه الشركات إلى توقيف معظم موظفيها، ولكن- بحمد الله- أعلنت الحكومة الأسترالية عن خطة تحفيز لمن فقد وظيفته، وهذا لدعم أجور ٦ ملايين من الموظفين؛ فقد استحق كل موظف تأثر عمله أو فقده بسبب الأزمة، أن تدفع له الحكومة من خلال أرباب العمل مبلغًا قدره ١٥٠٠ دولار أسترالي يُدفع كل أسبوعين، وبهذا ستساعد دفعة JobKeeper البالغ إجمالي حجمها ١٣٠ مليار دولار على إبقاء الأستراليين في الوظائف.
كما سيتم دفع JobKeeper لأرباب العمل لمدة تصل إلى ستة أشهر عن كل موظف مؤهل كان عاملًا في الشركة بحلول ١ مارس ٢٠٢٠. وكانت قبلها الحكومة قد أعلنت عن خطة إنفاق بقيمة ٦٦ مليار دولار أسترالي؛ للحد من الأضرار الاقتصادية الناجمة عن وباء كورونا.
أما الشركات الصغيرة وغير الربحية والخيرية، فستحصل على مبالغ تصل قيمتها إلى ١٠٠ ألف دولار أسترالي. كما تمكّن العاملون الذين تراجع دخلهم إلى ما لا يقل عن ٢٠٪ بسبب هذه الأزمة من الوصول في وقت مبكر إلى تعويضاتهم، وسيُسمح للذين يواجهون صعوبات بأن يسحبوا من تعويضاتهم مبلغًا يصل إلى ٢٠ ألف دولار أسترالي على مدى عامين.
موقف المجتمع المسلم من الأزمة
ـ وكيف تعاطى المجتمع المسلم ومؤسساته مع هذه القرارات الرسمية والتداعيات السلبية لوباء كورونا؟
لم تكد أزمة الحرائق تنتهي في أستراليا حتى تبِعها انتشار فيروس كورونا؛ لذا فقد تخوّف خبراء اقتصاديون من ركود اقتصادي غير مسبوق، مع توقع خسارة الاقتصاد لأكثر من ١٠ مليارات دولار خلال النصف الأول من عام ٢٠٢٠.
والمجتمع الإسلامي بمؤسساته يُشكل عنصرًا مهمًّا من النسيج الاقتصادي: فهناك شركات سياحة، ومحلات تجارية، ومؤسسات استثمارية، ومؤسسات خيرية يديرها المسلمون، وهناك القطاع الصحي والتعليمي أيضًا.
كُل هذه المؤسسات والشركات تأثرت بشكل سلبي، ولكن كما ذكرتُ آنفًا، خُطط التحفيز والمساعدات التي أعلنت عنها الحكومة الأسترالية ساعدت بشكل إيجابي على تسهيل الأمر، وتخفيف الخسارة على الأفراد والشركات .
أما دخول شهر رمضان على المسلمين في هذه الأزمة، فكان بحُلةٍ حزينة جدًّا في ظل هذا التباعد الاجتماعي والقيود المفروضة، وهو الشهر الأكثر تعظيمًا عند المسلمين، والذي يرمز للتضحية والخير والعطاء، وتعزيز الجماعة؛ كالإفطارات الرمضانية العائلية، والخيرية، وصلاة التراويح.
إلا أن هذه الأزمة أتت وغيّرت معها شعائر هذا الشهر المبارك تغييرًا قاسيًا على قلوب المسلمين، ولكنهم- ولله الحمد- التزموا رغمًا عن ذلك بالقيود المفروضة، فقد عُلِّقت صلوات الجمعة والتراويح، والتزم المسلمون بالصلاة في المنازل خلال الفترة الحالية.
كما أن الخوف من انتشار فيروس كورونا أدى إلى تجميد جميع الأنشطة الخيرية التي فيها اختلاط مع الناس، والبدائل كانت بإيصال الوجبات الغذائية للفقراء واللاجئين، والمشردين الذين لا مأوى لهم، ويوجد منهم الكثيرون في شوارع العاصمة، وأيضًا الاتجاه إلى جمع التبرعات عبر الإنترنت.
إيجابيات من أزمة فيروس كورونا
ـ من زاوية معاكسة.. هل ترون أي إيجابيات من داخل أزمة كورونا الحالية؟
أعلّم أولادي دائمًا أن يبحثوا عن نافذة من النور في كل موقف مُظلم، وهذه تعاليم القرآن الكريم في سورة الشرح: {فَإِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ يُسۡرًا * إِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ يُسۡرٗا}. وهذا تذكير من الله- سبحانه وتعالى- أنَّه بقدر المَشقّات تأتي الإغاثة والانفراج.
ونحن كبشر، نضطرب عاطفيًّا وروحيًّا مع الرُّعب من تفشي المرض أو الفيروس، ولكن في هذه الأزمة يجب أن نكون إيجابيين، ونلتجأ إلى الله- سبحانه وتعالى أولًا- الذي هو مصدر إلهام الأمل في قلوبنا خلال هذا الوقت العصيب.
وعلى الصعيد الاجتماعي العام، ظهرت في الآونة الأخيرة إيجابيات كثيرة نتجت عن هذه الأزمة؛ منها:
أولًا: ظهرت مبادرات مساعدة كبار السن غير القادرين على التسوق بمفردهم، أو من يحتاجون للمساعدة في تدبير أمورهم المنزلية، وهو ما أظهر لنا احتياجنا إلى بعضنا في أوقات الأزمات.
ثانيًا: توطيد العلاقات الأسرية، ففي ظل هذا العزل في البيوت تجلس الأسرة الواحدة معًا، وتبدأ طرق ممارسة الأنشطة الأسرية؛ مثل القراءة، أو الطهي، أو حضور المسلسلات التاريخية، وتناول أطراف الحديث، وهذا ما يُقرّب أفراد الأسرة بعضهم من بعض، وتكون فرصة لنسيان الخلافات، والعمل على حل المعضلات سويًّا.
ثالثًّا: إعادة ترتيب الأوليات مرة أخرى في حياة الإنسان، واللجوء إلى الله- سبحانه وتعالى- من خلال الأدعية والذكر وقيام الليل، فالاستمتاع بالهدوء والبساطة الناتجة عن العزل بسبب هذه الأزمة، أعطى الكثير فرصة التفكير بعيدًا عن التوتر، وإعادة ترتيب أفكارهم وأولوياتهم في الحياة؛ مثل: التبرعات الخيرية، ومساعدة المحتاجين، وحضور محاضرات دينية، والمثابرة على حفظ القرآن وقراءته يوميًّا.
رابعًا: تقدير الطبيعة، في ظل هذا العزل يشتاق الكثيرون للجلوس في حديقة، أو في ضوء الشمس، أو تحت ظل شجرة، فالمتعة برؤية الطبيعة نِعمة وهبنا إياها الله- سبحانه وتعالى- وهي لا تُعوّض، وقد تكون كل ما يحتاجه المرء لإعادة شحن طاقته، والوصول إلى التوازن الداخلي والراحة النفسية.
خامسًا: تقدير الأطباء والممرضات وخدمات الإسعاف؛ للخدمات الجبّارة التي قدموها للمجتمع. كما أسفرت الأزمة أيضًا عن تقدير أصحاب مِهن مُهمّشة، وهي خدمات سُعاة البريد وشركات تسليم البضائع، وعناصر دعم المعاقين، فقُدِّر أصحاب هذه المهن اجتماعيًّا وماديًّا.
برامج رمضان في ظل فيروس كورونا
ـ ما هي رؤيتكم لبرامج رمضان في ظل أزمة كورونا.. هل من أفكار إبداعية؟
يحل شهر رمضان على مسلمي أستراليا والعالم في ظل ظروف استثنائية فرضتها الأزمة؛ حيث لم يعد بالإمكان المشاركة في العزائم، أو الموائد الرمضانية، أو العبادة الجماعية، أو النشاطات الخيرية. والحفاظ على الصحة هو فريضة ضرورية الاتباع، وهو مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية، فالحقيقة أن شهر رمضان هو فرصة رائعة لخلق أفكار إيجابية وإبداعية تفيد الفرد خاصة، والمجتمع عامة، نذكر منها التالي:
-التبرع للمنظمات الخيرية التي تدعم العائلات المتضررة من الفيروس.
-توفير وإيصال مواد غذائية ومعونات ضرورية لأكثر فئات المجتمع المحتاجة في توفير مستلزماتها اليومية.
-تأمين المساعدات من الأثاث المنزلي والملابس، وأيضًا القسائم الشرائية الإلكترونية.
-تأمين وجبات مجانية من المطاعم التي تُقدّم المساعدة.
-تطويع التكنولوجيا لصالحنا: استخدام تقنيات جديدة للتواصل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، سواء للاجتماعات العائلية، أو لبث المحاضرت الدينية. ويكون لهذا الاجتماع العائلي، مثلًا، وقت مخصص ومهم، وعلى كل أفراد العائلة الالتزام به.
-تخصيص وقت ما بعد صلاة التراويح لجلسة عائلية، وتناول مواضيع مختلفة، وطرح حوارات هادفة، أو مناقشة الأبناء في العِبر التي وردت في قصص الأنبياء.
-مشاركة الأبناء في العمل المنزلي، وإشعارهم بالمسئولية، وتشجيعهم بتقديم المكافأة لهم.
-استشعار النفحات، والتزام الطاعات، ومحاسبة النفس، والالتزام بالورد اليومي في هذه الأيام العصيبة.
-وكما أنه يوجد جهاز مناعة في جسم الإنسان يحميه من الأمراض والإصابة بها على النِّطاق الصحي، فيجب علينا أيضًا على النطاق النفسي تكوين ما يُسمى بآليّة تقبل الأزمات وإدارتها نفسيًّا، وذلك من خلال الكلام الإيجابي، والدعم النفسي، والبعد عن نهج التذمر والشكوى من الوضع الحالي ومقاومته، فنتعلم من ذلك فن تقبل الأزمات وإدارتها على الصعيد النفسي في المستقبل.
الرؤية المستقبلية
ـ التجربة الحالية لوباء كورونا قاسية على مختلف الشعوب الإنسانية .. وربما لا تكون الأخيرة؛ لذا كيف يمكن الاستفادة من دروس اليوم للغد.. هل من توصيات مستقبلية؟
من التوصيات المهمة التي تتصدر الرؤية المستقبلية هي: كيفية الاستعداد للأزمات الطارئة، وكيفية التعامل معها. بالطبع يقع على كاهِل وزارة الصحة العبء الأكبر في توفير الحماية الشاملة للأفراد والمنشآت، واتخاذ كافة الإجراءات لتأمين سلامة المواطنين.
كما أن هناك بنود عدة لإدارة هذه الأزمات، هي:
-مرحلة الاستعداد لإدارة أزمة جديدة: وفي نظري، تبدأ هذه المرحلة قبل انتهاء الأزمة السابقة، وفيها يتم وضع خطط وتخصيص مبالغ كبيرة من الميزانية العامة الفيدرالية؛ كمنحة للبحوث التي يعمل عليها خبراء متخصصون في مجال العلاجات المضادة للفيروس.
-اتخاذ الإجراءات الوقائية، ونشر الوعي الثقافي الصحي من خلال عقد ورش تدريبية صحية ينفّذها أطباء متخصصون.
-وضع خطط إغاثة، وخطط لخدمات الطوارئ العاجلة بأنواعها.
-الخروج بالدروس المستفادة من الأخطار التي مرت، ووضع التوصيات والمقترحات اللازمة في سجلات تُحفظ كمراجع مهمة للمستقبل.
-تفعيل قانون إدارة مواجهة الأزمات الصحية، وهي تقوم على الاستفادة من التخطيط المسبق، واستخدام البيانات الأساسية كأساس للقرار السليم. يشترك في ذلك القيمون على وزارة الصحة بالتناسق مع وسائل الإعلام أيضًا، فيُعمل فورًا على وقف تصاعد الأحداث، والسيطرة عليها وتحجيمها حتى يتوفر الأمن والاستقرار للمجتمع بكامله.