مسلمون حول العالم
نافذتك إلى أخبار الأقليات المسلمة

للتعرف على تطور الحياة الدينية بألبانيا.. أيام ثلاثة في محافظة كرويا الشمالية – 1

زيارات ولقاءات اليوم الأول

للتعرف على تطور الحياة الدينية بألبانيا.. أيام ثلاثة في محافظة كرويا الشمالية

زيارات ولقاءات اليوم الأول

سلسلة تحقيقات ميدانية ضمن ملفٍ إعلاميٍّ بعنوان: (كيف تطوَّرت الحياةُ الدينية في ألبانيا؟.. واقع المساجد ودَور الأئمة في النهوض بالحياة الدينية في ألبانيا.. محافظة كرويا نموذجًا)

مسلمون حول العالم ـ خاص

تغطية: هاني صلاح ـ محافظة كرويا

بهدف رصد التغيرات التي طرأت على الحياة الدينية في ألبانيا، خلال العقود الثلاثة الأخيرة، بعد عودة الحريات الدينية للبلاد، إثر سقوط الشيوعية في بداية التسعينيات من القرن الماضي، وعلى مدار ثلاثة أيام، بدعوة واستضافة من فضيلة الشيخ “إرمير جانا”، مفتي محافظة كرويا، التي تقع شمال العاصمة الألبانية تيرانا (20 كم)، زار موقع “مسلمون حول العالم” المساجد الأثرية والحديثة في مدن المحافظة التاريخية الهامة وقُراها، والْتقى أئمتها وشهد أنشطتهم المختلفة ومشروعاتهم الدعوية بشكل مباشر ومن موقع الحدث.

اليوم الأول

في هذا التحقيق الصحفي المَيداني نذكر مشاهداتنا وانطباعاتنا خلال الزيارات واللقاءات التي قمنا بها مع فضيلة الشيخ إرمير جانا مفتي محافظة كرويا، تلك المنطقة التاريخية الهامة..

وإلى دفتر زيارات اليوم الأول..

في العاشرة صباحًا من يوم الخميس 4 مايو، انطلقتُ مع فضيلة الشيخ إرمير جانا، مستقلين سيارته إلى محافظة كرويا، التي تبعد عن العاصمة الألبانية تيرانا باتجاه الشمال نحو 20 كم.

في الطريق تبادلنا الحديث عن ألبانيا بشكل عام، وعن كرويا وأهلها بشكل خاص. وردًّا على سؤالي بشأن الاختلافات الواضحة بين شمال ألبانيا وجنوبها وازدهار المدن وتطورها في كلٍّ منهما؛ أوضح الشيخ جانا أنه منذ الحقبة الشيوعية (1946-1991م)، التي قادها أول حاكم شيوعي لألبانيا “أنور هوجا” ـ المنحدِر من جنوب ألبانيا من مدينة جيروكاسترا التاريخية ـ انصبَّ اهتمام الحكومات الألبانية على تنمية الجنوب على حساب الشمال. وللأسف بعد سقوط الشيوعية لم يطرأ تغيير كبير في ميزان توازن التنمية بين شمال البلاد وجنوبها.

وأشار الشيخ جانا، بوصفه كذلك منسِّق العَلاقات مع العالم العربي في المشيخة الإسلامية الألبانية بمقرِّها في تيرانا، إلى وجود لهجتين للغة الألبانية في شمال جمهورية ألبانيا وجنوبها، بينهما اختلاف واضح، ويفصلهما نهر “أشكومبيني” المار في وسط البلاد عند محافظة الباسان. وتسمَّى لهجة الشمال بـ”جيجا”، بينما لهجة الجنوب تدعى “توسك”.

ولفت النظر إلى أنَّ الحكومة الشيوعية السابقة، وعلى مدار نصف القرن الماضي تقريبًا، اعتمدت لهجة الجنوب في اللغة الرسمية للمؤسسات الحكومية ووسائل الإعلام ولغة الثقافة حتى في المناطق الشمالية؛ ولذا أصبحت هي المتداولة بشكل رسمي وفي أوساط المثقفين.

وحول طبيعة سكَّان محافظة كرويا، أشار إلى أنهم يمتهنون حرفة النجارة وصناعة الأثاث، ويتَّصفون بحبهم الشديد للعمل، وحرصهم على الربح والمكسب؛ “لذا تراهم يعملون طوال اليوم وحتى المساء، ومستواهم الاقتصادي لا بأس به”.

وهنا أودُّ توضيح أن “كرويا” كانت مدينة تاريخية جبلية، محاطة بقلعتها التاريخية. وبعد دخول العثمانيين ونجاحهم في الاستيلاء عليها بصعوبة بالغة بعد محاولات متتالية لعقود، أخذت تتوسَّع تدريجيًّا خارج قلعتها، وبُنِيَ مسجد خارجها ملحق به سوق تجاري أثري فريد من نوعه. وقد عكس توسُّع المدينة خارج القلعة التاريخية أجواء الهدوء والاستقرار في المنطقة، وساهم في ازدهارها، وتحوَّلت كرويا لإحدى أهم مدن الحِرَف اليدوية، وفي مقدمتها السجاد المحلي الأصيل الرائع، ومنتجات النحاس، وصناعة الأخشاب.

وفي العصر الحديث، توسَّعت المدينة أسفل الجبل باتجاه الغرب، وأُطلق على المدينة في الأسفل “فوش كرويا”؛ أي: كرويا السهلية، في مقابل كرويا الجبلية في الأعلى.

مساجد مدينة “فوش كرويا”

مسجد آراميراس.. مركز الأنشطة الدينية

عند مدخل مدينة “فوش كرويا”، وعلى الطريق الرئيسي، توقَّفنا عند جامع كبير جميل مهيب ذي منارتين، كنت قد رأيته عدَّة مرات خلال سفري لمحافظات ألبانيا الشمالية؛ نظرًا لوقوعه على طريق السيارات المتَّجه إلى الشمال الألباني. وقد أوضح لي الشيخ جانا أنه مسجد (حي آراميراس)، ويعدُّ مركز الأنشطة الدينية والاجتماعية في المنطقة؛ “نظرًا لنشاط إمامه الكبير فضيلة الإمام “دريتان رحماني”، وتواصله مع عدد من المؤسسات الخيرية، لذا استطاع إعادة بناء المسجد من جديد بهذا الشكل الرائع الجميل”.

تطور المساجد وتزايد أعداد المصلين

وواصل الشيخ جانا حديثه لي: “هذا المسجد أُعيد بناؤه مرَّتين؛ نظرًا لزيادة عدد المصلين باستمرار وضيق المكان بهم، وهو مثال واضح عملي على تطور دَور المساجد في كرويا بشكل خاص وفي ألبانيا بشكل عام. ويعكس صحوة إسلامية متنامية ومزايدة تؤكِّد عودة الشعب الألباني إلى التمسك بدينه من جديد، وذلك بعد معاناة طويلة على مدار نصف قرن خلال الحقبة الشيوعية الصعبة، التي سَعَتْ إلى إبعاده عن دينه بكافة الوسائل الممكنة”.

مسجد قرية تابيزا.. تطوع لإحضار المياه

ثم انطلقنا لزيارة مسجد آخر أصغر من السابق، لكنه جميل يتَّسم بالهدوء وشيوع أجواء من الروحانية العجيبة، وذلك في قرية تابيزا. ومن أجمل ما سمعته من الشيخ جانا، أنَّ هذا المسجد كان يفتقد المياه؛ لذا تطوَّع أحد المصلين بإحضار المياه بنفسه كلَّ يوم حاملًا لها على ظهره كي يتيسَّر للمصلين الوضوء بالمسجد. ولاحقًا، وبعد تواصل مسئولي المسجد مع هيئة خيرية إماراتية، تم التبرع بحفر بئر وتوصيل المياه عبر صنبور جميل بجوار المسجد، وهكذا حُلَّت مشكلة الوضوء في المسجد بشكل نهائي.

كرويا الجبلية.. المسجد التاريخي والسوق القديم

ثم توجَّهنا إلى المدينة القديمة الجبلية التاريخية الواقعة أسفل القلعة، التي تقع على ارتفاع يزيد عن 680 مترًا فوق سطح البحر، وزُرنا مسجد السوق القديم، الذي يعدُّ قلب المجموعة المعمارية والثقافية لـ”بازارـ سوق” كرويا القديم. ويفيد النقش الذي ما زال موجودًا على جدران المسجد الأثري القديم بأنه تَمَّ بناؤه في الفترة: (1553-1554) ميلاديًّا.

ويرى المؤرِّخون الألبان أنَّ بناء هذا الجامع خارج أسوار قلعة مدينة كرويا التي تقع على ارتفاع 600 متر تقريبًا فوق سطح البحر، يشير إلى الهدوء والأمن الذي ساد المنطقة بعد فترة حروب وصراعات بين جيوش الخلافة العثمانية وأهل القلعة بقيادة حاكمها الألباني السابق إسكندر بك، الذي تمرَّد على العثمانيين، ولم تسقط القلعة إلا بعد وفاته بنحو عشر سنوات في عام 1476 ميلاديًّا.

وإلى جانب المسجد أُنشئ سوق للحرفيين على جانبي الطريق المؤدي للقلعة والمرصوف بأحجار جميلة رائعة. ورغم إنشائه منذ أربعة قرون، فما زال أهل السوق يعملون في صناعة أروع المنتجات اليدوية الألبانية، خاصة السجاد الأصلي المحلي وصناعات النحاس والأخشاب.

مسجد فوش كرويا.. ومقابلة الشيخ محرم أهم أئمة المحافظة

بعد ذلك عُدنا مرَّة أخرى إلى أسفل الجبل بالمدينة السهلية “فوش كرويا”، وانطلقنا نحو أحد أهم مراكز المنطقة الدعوية والروحية معًا؛ حيث يقوم عليه أقدم وأهم إمام في محافظة كرويا كلها، وهو الشيخ محرم فرانا.

وكان الشيخ محرم مع والده الإمام الشيخ إسماعيلي فرانا ـ رحمه الله تعالى ـ أول من بدأ الدعوة للإسلام وتعليم مبادئه في المنطقة، وقد تحمَّلا ذلك بمفردهما، ومن دون أي مساجد وقتها أو أي إمكانيات، أو حتى وجود أي جماعة مصلين معهما، وذلك بعد سقوط الشيوعية في بدايات التسعينيات من القرن الماضي، حيث كانت المساجد قد هدِّمت أو أُغلقت، ولم تكن هناك مدارس إسلامية شرعية أو كتب دينية أو أي شىء يتعلَّم منه الناس أمورَ دينهم؛ لم يكن هناك سوى بضعة أئمة في مناطق مختلفة من البلاد، وهم مَن استأنفوا الدعوة إلى الإسلام من جديد بعد حقبة الشيوعية المؤلمة الصعبة التي امتدَّت لنحو نصف قرن.

جرى حوار شائق مع الشيخ محرَّم تناول نشأته الأولى ودَور والده الإمام قبل وأثناء وبعد حقبة الشيوعية، وقد ذكر لنا بعض القصص الواقعية الهامة التي شعرنا بأنها تحتاج إلى توثيقٍ عبر حلقات فيديو خاصة معه في وقت آخر؛ لذا اكتفينا بإجراء مقابلة معه حول تطور دَور المساجد وجهودها منذ سقوط الشيوعية حتى اليوم.

والشيخ محرم فرانا يعدُّ شيخ الأئمة في المنطقة، ويحظى باحترام كافة الأئمة في ألبانيا وخارجها، وله دَور كبير في كافة الأنشطة الدينية والتعليمية في منطقته.

وهنا.. انتهى برنامج زيارتنا في اليوم الأول.. ونواصل لاحقًا نشرَ تحقيق عن زيارتنا في اليوم الثاني، ثم بعده في اليوم الثالث، ضمن ملف خاص عن تطور الحياة الدينية في ألبانيا من خلال تجربة محافظة كرويا الشمالية.

ـ طالع روابط الصور على فيسبوك والفيديوهات على قناة اليوتيوب التالية:

https://www.facebook.com/hany.salah.754365/posts/pfbid0NfW6kqwrLwByvBsPFqegW4oeCn2BvuU9oWSCghz2eemEsXtf9cs2cHfd8V1m76cSl

https://www.facebook.com/hany.salah.754365/posts/pfbid0CmPHMRJduTtHLEPF1gKfRozTKS9mytky22PMTnBLPxxWTzNabdWtBqF1Z8ahkmNil

https://www.facebook.com/hany.salah.754365/posts/pfbid02z5CQvnqYuAD9LpY9GgFCwoxD7gyLJ31E93fkptiHgbYF7vNA1imqPJDSZk99689Nl

https://www.facebook.com/hany.salah.754365/posts/pfbid02PvZcPCxuzJFcFuuZzBuy6ycNuttVC3Ks2XTZeSZ1vy4dr4fmaPZp5RzuWzuC9NoYl

 

التخطي إلى شريط الأدوات