مسلمون حول العالم
نافذتك إلى أخبار الأقليات المسلمة

في قلب ساو باولو.. المركز الإسلامي في فيلا كاهون منارة تربوية ساطعة وجسر فاعل للتواصل مع المجتمع البرازيلي

وراء هذا الإنجاز يقف فضيلة الشيخ الدكتور عبدالحميد متولي رئيس المركز الإسلامي العالمي للتسامح والسلام في البرازيل وأحد أبرز الأئمة والدعاة في أمريكا اللاتينية

مسلمون حول العالم ـ خاص ـ هاني صلاح

في قلب مدينة ساو باولو، العاصمة الاقتصادية للبرازيل، ينبثق المركز الإسلامي العالمي للتسامح والسلام في حي فيلا كاهون كنموذج متميّز للمؤسسات الإسلامية في القارة الأمريكية الجنوبية، لا يُؤدي فقط دورًا دينيًا تقليديًا، بل يتحول إلى رئة تنفّس حضاري وثقافي للجالية المسلمة، وفضاء يعيد بناء الوعي الإسلامي في بيئة تغيب فيها المظاهر الإسلامية التقليدية.

المركز، الذي أضحى منارة دعوية وتربوية ساطعة للمسلمين في البرازيل، يُثبت يومًا بعد يوم أن المسجد في بلاد المهجر يمكن أن يكون أكثر من محراب عبادة، بل حاضنة قيم، ومنارة وعي، وجسرًا للتواصل بين الهوية الإسلامية والمجتمع المحلي.

منبر إصلاح وتوجيه.. الإسلام في قلب الحياة اليومية

تتركّز رسالة المركز حول ترسيخ الدين في تفاصيل الحياة اليومية للمسلم، من خلال الخطب والدروس والدورات التربوية التي تُعالج مشكلات الواقع، مثل الأسرة، والعمل، والانتماء، وتربية الأبناء. وقد استطاع المركز عبر لغته الهادئة والواعية أن يعيد تعريف المسجد في أعين الجالية، ليصبح فضاءً يوميًا لتجديد الإيمان، لا محطة أسبوعية عابرة.

ويُشرف على هذه العملية التربوية الإمام الدكتور عبدالحميد متولي، الذي يمتلك منهجية دعوية متوازنة تمزج بين عمق الفهم الشرعي ووعي الواقع المحلي، ليقدّم خطابًا يجمع بين الأصالة والمعاصرة، وبين الثوابت الإسلامية ومفردات السياق اللاتيني.

تحفيظ الأطفال.. غرس الجذور في أرض الغربة

من أبرز إنجازات المركز برنامج تحفيظ القرآن الكريم وتعليم القيم الإسلامية للأطفال، والذي شهد نجاحًا لافتًا خصوصًا بين غير الناطقين بالعربية. ففي المسابقة الرمضانية القرآنية الأخيرة، حصد أطفال لا يقرؤون العربية مراكز متقدمة، بعدما حفظوا سورًا طويلة عن طريق السماع والتلقين، في مشهد يُجسّد معجزة القرآن في الوصول إلى القلوب قبل الألسنة.

هذا النجاح لم يكن وليد الصدفة، بل نتيجة جهود تربوية متواصلة لبناء جيل يعتزّ بدينه ويعرف هويته، رغم بُعده الجغرافي واللغوي عن البيئة الإسلامية.

نساء يتعلّمن ويتفاعلن.. من درس الكهف إلى بناء الذات

وفي تجسيد لدور المرأة المسلمة في بناء المجتمع، خصّص المركز مساحة متميزة للنساء عبر دروس تفسير أسبوعية، من بينها حلقة تفسير سورة الكهف التي شهدت إقبالًا نسائيًا ملحوظًا. تهدف هذه الدروس إلى إحياء الوعي القرآني لدى المرأة، وتفعيل مفاهيم مثل الصبر والتوكل والعدل في واقعها كأم، وزوجة، وعاملة، وفاعلة في المجتمع البرازيلي.

 
الدكتور عبدالحميد متولي.. سيرة داعية في قلب القارة

وراء هذا الإنجاز، يقف فضيلة الشيخ الدكتور عبدالحميد متولي، أحد أبرز الأئمة والدعاة في أمريكا اللاتينية، صاحب تجربة فريدة تمتد لأكثر من عقدين في الحقل الدعوي والتعليمي والإداري في البرازيل وأمريكا اللاتينية. يشغل حاليًا مناصب محورية، أبرزها:

ـ رئيس المجلس الأعلى للأئمة والشؤون الإسلامية بأمريكا اللاتينية والكاريبي

ـ رئيس المركز الإسلامي العالمي للتسامح والسلام

ـ رئيس الجامعة الإسلامية بأمريكا اللاتينية

يحمل الدكتور متولي شهادات علمية رفيعة، أبرزها الدكتوراه في الدعوة ومقارنة الأديان، إلى جانب خبرات ميدانية واسعة في البرازيل والسعودية ومصر وأوروبا. وهو معروف بمنهجه الوسطي، وقدرته على *بناء المؤسسات وإعداد الكوادر وتفعيل الشراكات*.

شراكات وتواصل حضاري.. الإسلام منفتح على الجميع

لا يكتفي المركز بالتأثير الداخلي في الجالية، بل يمدّ جسور التواصل مع المجتمع البرازيلي، عبر:

المشاركة في الفعاليات الثقافية والمناسبات الدينية المفتوحة

التعاون مع مؤسسات تعليمية وأكاديمية برازيلية

استقبال الوفود والمجموعات المهتمة بالإسلام والحوار

عقد الشراكات مع مراكز إسلامية إقليمية كبرى مثل مركز خادم الحرمين الشريفين في الأرجنتين

هذا الانفتاح يعكس وعي المركز بأهمية التعايش، وضرورة تمثيل الإسلام بطريقة حضارية تفتح الأبواب ولا تبني الجدران.

المستقبل يبدأ من هنا.. رؤية دعوية وإنسانية شاملة

في ضوء التحديات الثقافية وتراجع الهُوية لدى الجاليات المسلمة في الغرب، يؤمن القائمون على المركز أن المستقبل يبدأ ببناء الإنسان قبل البنيان، وتحصين الجيل بالعلم والقيم والانتماء. ولذلك، تأتي أولوياتهم متسقة مع رؤية الإمام، ومن أبرزها: إنشاء مؤسسات تعليمية مستقلة. إحياء الوقف الإسلامي. إعداد دعاة محليين. إنتاج مناهج تربوية باللغة البرتغالية. دعم المرأة والأسرة المسلمة. تأسيس إعلام إسلامي يخاطب المجتمع اللاتيني بلغته.

رسالة حيّة تنبض بالتربية والدعوة وبالانفتاح والتواصل الحضاري

وهكذا، لا يقف المركز الإسلامي في فيلا كاهون عند حدود البناء والمئذنة، بل يتحول إلى رسالة حيّة تنبض بالتربية والدعوة، وبالانفتاح والتواصل الحضاري. في قلب ساو باولو، يصبح المسجد أكثر من مجرد معلم ديني؛ إنه فضاء للتلاقي، وجسر يمتد بين الهوية الإسلامية وفضاء المواطنة، حيث يتحول المسجد إلى “رسالة”.

 

التخطي إلى شريط الأدوات