مسلمون حول العالم
نافذتك إلى أخبار الأقليات المسلمة

زكي بدوي.. العالم الأزهري الذي ساهم في تشكيل الإسلام البريطاني

كان له دور رائد في إنقاذ الإسلام البريطاني من العزلة الخطيرة

مسلمون حول العالم ـ متابعات ـ هاني صلاح

يواصل الكاتب الإعلامي الدكتور مجدي سعيد، والمقيم في لندن، سلسلة مقالاته عن الشخصيات الإسلامية المؤثرة في مجتمعاتها الغربية في عصرنا الحديث، ويكشف عبر مقالاته المتواصلة عن شخصيات تكاد تكون مجهولة لدى عالمنا الإسلامي المعاصر؛ على الرغم من دورها التاريخي في النهوض بمجتمعاتها الغربية من بريطانيا إلى أمريكا؛ بل وفي إفريقيا وآسيا..

وفي هذا المقال ينير صفحات سطعت في غرب وشرق الكرة الأرضية بعلمها وفكرها وبشكل يفوق الوصف في عظمة وقدر هذه الشخصية.. وفي آخر بلد استقر به كان له دور رائد في إنقاذ الإسلام البريطاني من العزلة الخطيرة…

وإلى المقال..

بقلم/ الدكتور مجدي سعيد ـ كاتب إعلامي مقيم في لندن

لا يكتمل الحديث عن تشكيل الإسلام والمجتمع المسلم في بريطانيا دون الحديث عن دور الشيخ الأزهري الدكتور زكي بدوي، الذي وصفه الصحفي والناشط الراحل فؤاد النهدي في تأبينه له قائلا: كان زكي بدوي باحثًا إسلاميًا واسع المعرفة لم يسمح أبدًا للظروف بأن تؤثر على أفعاله أو مراسيمه، وناشطًا عرف كيف يتابع القضايا داخل شبكة سياسية متطورة ومعقدة للغاية بالنسبة لمعظم إخوانه في الدين، ومؤمنًا كان يؤمن بدينه. لم يتنازل أبدًا عما يعتقد أنه صحيح.

الشيخ الأزهري الدكتور زكي بدوي في سطور

ولد محمد أبو الخير زكي بدوي في محافظة الشرقية بمصر لأسرة دينية عام 1922، وحصل على درجة البكالوريوس من كلية الدراسات العربية والإسلامية بالأزهر وكان الأول على دفعته، وكرمه الملك الراحل فاروق، ثم أتم دراسة الماجستير في اللغة العربية وآدابها عام 1947، وكرمه الملك فاروق مرة أخرى كأفضل طالب دراسات عليا.

وفي عام 1951 انتقل إلى المملكة المتحدة حيث درس للحصول على درجة البكالوريوس في علم النفس من كلية لندن الجامعية، وأتمه عام 1954، ثم حصل على درجة الدكتوراه من جامعة لندن حول الفكر الإسلامي الحديث، بالتركيز على الفكر الإسلامي لجمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده ورشيد رضا. وبعد تعليمه عاد بدوي إلى جامعة الأزهر لتدريس الفكر الإسلامي ومناهج البحث العلمي.

ثم سافر لتدريس اللغة العربية والدراسات الإسلامية في جامعة مالايا في سنغافورة، وفي كوالالمبور، كما أنشأ الكلية الإسلامية في ماليزيا، ومن جنوب شرق آسيا إلى غرب أفريقيا، حيث أصبح أستاذًا للتربية الإسلامية في جامعة أحمدو بيلو، شمال نيجيريا عام 1964، ثم أستاذًا للتربية الإسلامية وعميد الآداب في كلية بايرو، نيجيريا. حيث أكمل 12 عاما في نيجيريا، وفي عام 1976، عاد بدوي إلى لندن للعمل كأستاذ باحث في مركز أبحاث الحج التابع لجامعة الملك عبد العزيز السعودية.

وفي عام 1978، تم تعيين بدوي مديرًا للمركز الثقافي الإسلامي (ICC) والإمام الرئيسي لمسجد لندن المركزي في ريجنت بارك، واستمر في منصبه ذاك حتى عام 1981. وكان هذا بداية انطلاقه للانخراط في العديد من الأنشطة والفعاليات وإنشاء المؤسسات العديدة التي ساهمت في تشكيل الإسلام والمجتمع الإسلامي منذ ذلك التاريخ وحتى وفاته في 24 يناير من عام 2006.

إنقاذ الإسلام البريطاني من العزلة الخطيرة

يقول جاك سوليفان في تأبينه لزكي بدوي على موقع صحيفة الجارديان إن تعيينه عام 1978 كأول إمام لمسجد ريجنت بارك في لندن هو الذي أقنع بدوي بأن مهمته كانت إنقاذ الإسلام البريطاني من العزلة الخطيرة، ناقلا عن بدوي قوله “لقد شعرت بالرعب لأن أياً من الأئمة الآخرين لم يكن يستطيع التحدث باللغة الإنجليزية”. “لقد اندهشت لأنهم لم يفهموا أي شيء عن الديانات الأخرى ولم يكونوا على دراية بالثقافة الغربية”.

تأسيس مؤسسات لإعداد الأئمة

وسعيا لإصلاح هذا الوضع أسس عام 1984 مجلس الأئمة والمساجد في محاولة لتحقيق الوحدة والوحدة لقيادة الإسلام البريطاني، ثم أسس عام 1986 الكلية الإسلامية Muslim College في غرب لندن، كمعهد للدراسات العليا لتدريب الأئمة والزعماء الدينيين في الغرب، والتي يتضمن منهجها دراسة كل من الإسلام والمجتمع الغربي والحوار بين الأديان، وهو المشروع الذي وصفه فؤاد النهدي بأنه المشروع الأكثر طموحا، والذي ظل بدوي مديرا له حتى وفاته. كما أنشأ وترأس مجلس الشريعة بحثا عن مساحات الاختلاف والاتفاق بين الشريعة الإسلامية والقانون المدني.

طرح قضية الربا والأعمال المصرفية

ومن قضية إعداد الأئمة، إلى قضية الربا والأعمال المصرفية، انضم بدوي عام 1982 إلى مجلس إدارة النظام المصرفي الإسلامي في لوكسمبورغ. وشارك في المفاوضات مع بنك إنجلترا لتأسيس أول مؤسسة مالية إسلامية مرخصة في المملكة المتحدة، وهي دار التمويل الإسلامي (IFH). أدار بدوي الدار لمدة ثلاث سنوات، وقام بالنشر وإلقاء المحاضرات حول الشريعة الإسلامية فيما يتعلق بالأعمال المصرفية والمالية وأخلاقيات الأعمال، وكان أيضًا أستاذًا ضيفًا في أخلاقيات الأعمال في كلية إدارة الأعمال بجامعة كرانفيلد، حيث ألقى محاضرات لطلاب ماجستير إدارة الأعمال.

أدوار إعلامية

فضلا عن ذلك، فقد شارك بدوي في تحرير مجلة “إنكاونتر” Encounter التي تتناول أخبار الاجتماعات بين الأديان، وقام بتحرير المجلة الإسلامية الفصلية Islamic Quarterly لمدة أربع سنوات، كما ساهم بالكتابة في الصحف اليومية، وقام بنشر وإلقاء محاضرات حول مجموعة واسعة من القضايا، بما في ذلك الصراعات المختلفة، والإسلام في بريطانيا، وختان الإناث، والديمقراطية، وحقوق الجنين، وحقوق الإنسان.

المشاركة في المنتديات

كما ترأس بدوي المنتدى العربي، والمجلس الديني الإسلامي، والمجلس الوطني لرعاية السجناء المسلمين، الذي تأسس عام 2001. وكان أحد مؤسسي منتدى الأديان الثلاثة، ونائب رئيس المؤتمر العالمي للأديان ومدير/أمين. منتدى مكافحة الإسلاموفوبيا والعنصرية (FAIR).

بناء الجسور

ومن أبرز الجبهات التي عمل عليها الدكتور زكي بدوي، عمله في بناء الجسور بين أهل الإسلام وأهل الأديان الأخرى، حيث يحكي فؤاد النهدي عن تنظيمه للقاء بين المسلمين والمسيحيين والبوذيين والهندوس في سنغافورة، بينما يحكي جاك سوليفان عن حمايته للإيبو المسيحيين في نيجيريا في زمن الحرب الأهلية هناك.

أما في بريطانيا، فيقول فؤاد النهدي إن زكي بدوي كان أول إمام لمسجد بارز يدعو زعماء الطوائف الدينية الأخرى “لتناول الشاي وتناول الدين – أيًا كان ما يفضلونه”، وأن هذه المبادرة الرائدة أدت لاحقا إلى ظهور حركة للحوار بين الأديان التزم بدوي بها طوال حياته.

وفي عام 1997، أسس بدوي منتدى الأديان الثلاثة (والذي تغير اسمه عام 2018 إلى منتدى الإيمان والاعتقاد The Faith & Belief Forum) مع السير سيغموند ستيرنبرغ والقس ماركوس برايبروك، وكانت تهدف إلى تشجيع الصداقة وحسن النية والتفاهم بين “أهل الكتاب” وصناعة جسور للسلام والتفاهم.

يقول نيك ماكدونالد في مقال له على موقع منتدى الإيمان والاعتقاد بمناسبة مرور 100 عام على مولده “لعل أهم إرث تركه زكي جاء من عمله في مجال العلاقات بين الأديان، حيث كان معروفًا بإقامة علاقات قوية مع قادة جميع الأديان والمعتقدات المختلفة، وعقد اجتماعات منتظمة في الكنائس والمعابد اليهودية، وأصبح نائب رئيس مؤتمر الأديان العالمي. وكان أيضًا المستشار الرئيسي لأمير ويلز (الملك تشارلز حاليا) في القضايا الإسلامية، مما ساعد على إقامة علاقة أفضل بين العائلة المالكة والشعب المسلم في بريطانيا، وقد أدى ذلك إلى حصوله على وسام الفروسية الفخرية في عام 2004، وهو واحد من المسلمين الوحيدين في ذلك الوقت الذين حصلوا على هذه الجائزة بسبب عملهم في العقيدة وقضايا المجتمع وليس في مجالات أخرى”.

يقول فؤاد النهدي على مدى ثلاثة عقود كرّس زكي بدوي نفسه لبناء المؤسسات التي من شأنها ليس فقط تعزيز واستقرار الإسلام في بريطانيا، بل وتنشيطه أيضًا. ومساهمته تجاه الإسلام في بريطانيا لا تقدر بثمن. ويمكن الادعاء بأنه اخترع مصطلحي “الإسلام البريطاني” و”الإسلاموفوبيا”.

لقد كان مهذباً وعاطفياً وحكيماً، وهو الأب الروحي للمشاركة الإسلامية في بريطانيا، حيث شق طريقاً في المجتمع السائد وصنع ما يسمى بـ “القضية الإسلامية” قبل وقت طويل من أن تصبح رائجة.

ـ مصدر النشر والمزيد من المعلومات والروابط: ( اضغط هنا ).

التخطي إلى شريط الأدوات