
مسلمون حول العالم ـ متابعات
في قلب طوكيو، وبين صخب المدينة وحداثتها، يواصل الأكاديمي المصري الدكتور سيد شرارة عبر نافذته المعرفية الفريدة على عالم المسلمين في اليابان ـ صفحته الخاصة على “فيسبوك” ـ توثيق حراك المجتمع المسلم هناك والبحث في آفاق مستقبله.
يتطرق الدكتور شرارة إلى (واقع الدعوة الإسلامية ومستقبلها في اليابان)، مستندًا إلى دراسة ميدانية هامة أُجريت عام 2000م على عينة من 205 يابانيين في طوكيو وضواحيها.
وقد أوضحت هذه الدراسة المثيرة للاهتمام محدودية معرفة اليابانيين بالإسلام واقتصارها غالبًا على بعض الشعائر مثل الصلاة والصوم وتحريم الخمر والخنزير، فيما تبرز توصياتها أهمية تفعيل دور الداعية الياباني، وتقديم الثقافة الإسلامية قبل الدعوة المباشرة، والتركيز على القيم الإنسانية المشتركة، مع التحذير من أساليب الإلحاح أو نقد الأديان الأخرى أو الإغراق في التفاصيل الفرعية.
وفي ختام مقاله، دعا الدكتور شرارة المهتمين بمستقبل الدعوة الإسلامية في اليابان إلى الاطلاع على هذه الدراسة والبناء على نتائجها، مع العمل على تحديثها بما يواكب التحولات التي شهدتها اليابان خلال ربع قرن.
واقع الدعوة الإسلامية ومستقبلها في اليابان ـ دراسة ميدانية
بقلم/ الدكتور سيد شرارة ـ أكاديمي مصري مقيم في اليابان
في زيارتي اليوم إلى جامع طوكيو؛ حيث احتفالية للأطفال بمناسبة ختام الأنشطة الصيفية في تعلم القراءة وحفظ القرآن، تحفيزًا للأطفال، مما أشاع أجواء من البهجة في المكان..
وتزامن اليوم أيضًا مع إقامة مهرجان لعدد من الأفلام الوثائقية في قاعة أرطغرل بالجامع، التي امتلأت بالزائرين اليابانيين..
هذا بالإضافة إلى الجولة الأسبوعية المخصصة لتعريف اليابانيين بالحضارة والثقافة الإسلامية وعمارة جامع طوكيو من داخله وخارجه، وختام الجولة بشهود أذان وإقامة صلاة العصر بالمسجد وتلاوة قرآنية مباركة بعد الصلاة..
كنز للمهتمين بالدعوة في اليابان
وبعد صلاة العصر قلتُ لصديقي الناشط والمجتهد التطوعي في تعريف اليابانيين الزائرين لجامع طوكيو بالإسلام والرد على تساؤلاتهم: هل يتسع وقتك لبضع دقائق أدلّك فيها على كنز مهم أظنه يروق لك؟ فقال: على الرحب والسعة، هيا بنا!
وفي مكتبة الطابق الأول لجامع طوكيو، أحضرتُ سلّمًا وصعدت عليه لإحضار نسخة من كتاب: “الإسلام والأديان في اليابان”، للراحل الأستاذ الدكتور سمير عبد الحميد ـ رحمه الله..
وقلتُ لصديقي: الكتب تأبى أن تكشف كنوزها إلا لمن صبر على الوصول إلى آخرها؛ ثم فتحت على الصفحة 489 حيث العنوان: (واقع الدعوة الإسلامية ومستقبلها في اليابان).
دراسة ميدانية
وهي نتائج دراسة ميدانية نُشرت في العام 2000، قبيل افتتاح جامع طوكيو، حيث لم تشمل الدراسة نشاطاته، وإن تنبأت بدوره المهم والمتوقَّع في الدعوة الإسلامية في اليابان.
وقد شارك فيها 205 يابانيين من طوكيو وضواحيها في مراحل عمرية متنوعة، ومما جاء فيها:
ـ في سؤال عن وسيلة التعرف على الإسلام، جاء كتاب الجغرافيا المدرسي في المرحلتين المتوسطة والثانوية كأبرز سبب لتعرّف معظم اليابانيين على الإسلام.
ـ وعن السفر إلى البلاد الإسلامية وأثره في التعرف على الإسلام، جاءت مصر أكثر الدول التي زارها اليابانيون، ثم تركيا وماليزيا وسوريا.
ـ وأظهرت الدراسة أن العدد الأكبر لا يعرفون مؤلفات يابانية عن الإسلام أو مترجمة إلى اليابانية.
ـ وعن صورة الإسلام في ذهن اليابانيين، أظهرت الدراسة أن 4 يابانيين فقط من أصل 205 ذكروا أنهم يعرفون “الله”!
ـ وجاءت الصلاة والصوم/رمضان، وتحريم الخمر ولحم الخنزير، كأكثر المعلومات المتوافرة عن الإسلام.
الطريقة المناسبة للدعوة الإسلامية في اليابان ـ 6 توصيات
ويأتي أهم جزء من الدراسة حول الطريقة المناسبة للدعوة الإسلامية في اليابان وما لا يعجب اليابانيين في طرق الدعوة الإسلامية، وفيه إضاءات مهمة للمهتمين بالدعوة الإسلامية هناك، ومنها:
1 ـ تنشيط وتفعيل دور الداعية الياباني ليدعو أبناء جلدته.
2 ـ جعل تعاليم الإسلام تبدو سهلة بالنسبة للياباني (ويقصد التدرج في الدعوة).
3 ـ تقديم الثقافة الإسلامية أولًا دون البدء بالدعوة المباشرة للدين كتعاليم وشرائع.
4 ـ التركيز على بيان ما في الإسلام من قيم طيبة مثل المساواة والتسامح وحب الخير.
5 ـ وجود نماذج مسلمة صالحة داخل اليابان.
6 ـ تجميع الناس عن طريق الأسواق الخيرية أو عرض فيلم عن الثقافة الإسلامية.
أشياء لا تعجب اليابانيين ـ 5 أمور
1 ـ لا نريد دعوة إسلامية تأتي من دول وأنظمة مختلفة في العالم الإسلامي تقوم بالدعاية لنفسها بطريقة تشبه الدعاية التجارية.
2ـ رفض الدعوة التي يقوم بها من يجهل طبيعة الشخصية اليابانية.
3 ـ رفض أسلوب الإلحاح أو زيارة البيوت.
4 ـ رفض نقد الأديان الأخرى ومعتقدات الآخرين لإثبات أن الإسلام هو الدين الحق.
5 ـ رفض الإغراق في الأحكام الفرعية والتفاصيل الجزئية في الدين الإسلامي.
وغير ذلك الكثير؛ فقد ضمّت الدراسة الكثير من النتائج المهمة في نحو 60 صفحة.
دعوة لتحديث وتطوير الدراسة الميدانية
أدعو الكرام المهتمين بالدعوة الإسلامية في اليابان إلى الاطلاع على هذه الدراسة ومثيلاتها، والتحاور حولها، والبناء عليها بخبراتهم، والعمل على تحديثها، حيث تغيّرت أمور كثيرة بعد مرور ربع قرن على هذه الدراسة القيمة. وفي ذلك خير كبير بإذن الله.
وتقبّل الله من كل ساعٍ في الخير، مُحبٍّ لأهله، عونٍ لهم، أو كافٍّ عنهم شرَّه.
والحمد لله رب العالمين.