(24) حوار البوسنة والهرسك الأول ـ 2016م
“هناك تحسن بشكل عام في الاقتصاد في البوسنة، وبخاصة بعد دخول رأس المال الخليجي بشكل ملحوظ، خاصة في المجال العقاري والسياحي، وبسبب الإعفاء من التأشيرات للمواطنين من دول الكويت وقطر والبحرين والإمارات وعمان، وهنا أهيب بالمستثمرين العرب والمسلمين أن يستثمروا في المجال الصناعي الواعد للتقليل من نسب البطالة”..
أدار الحوار: هاني صلاح/
بهذه الكلمات، أكد “محمد تولتش”؛ المحلل السياسي والناشط في المجتمع المدني في دولة البوسنة والهرسك، على توفر فرص استثمارية كبيرة أمام رأس المال العربي والإسلامي في البوسنة، وفي ذات الوقت تمثل فرصة للشعب البوسني لتقليل نسبة البطالة المرتفعة في البلاد.
وأكد “تولتش” – وهو أيضًا رئيس مجلس إدارة جمعية الثقافة والتعليم والرياضة (أكوس–AKOS) – أن: دولة البوسنة والهرسك “تشهد استقرارًا سياسيًّا وأمنيًّا مطَّردًا، والأيدي العاملة ذات كفاءة عالية ورخيصة؛ لذلك فهي من البلاد الواعدة في الاستثمار، ولها مستقبل أكيد في الاتحاد الأوروبي”.
وأبدى استياءه من تجاهل المجتمع الدولي لدوره في دعم البوسنة، موضحًا: “في الواقع البوسنة والهرسك خرجت من دائرة الاهتمام الدولي؛ لأنه – للأسف – هناك بؤر متوترة وحروب لها أولوية في الإعلام والتحرك الدولي؛ لذلك تُركت البوسنة تواجه تحدياتها بمفردها، وبمساعدة خَجولة من المجتمع الدولي”.
وأشار إلى أن مسلمي البوسنة (البوشناق) يشعرون بالخذلان من المجتمع الدولي، وخاصة من الدول الضامنة لاتفاقية السلام “دايتون”؛ “لأنه كان من المفرض تطوير الدستور والقوانين بالتدريج، بحيث تكون ملائمة لمتطلبات العصر؛ لتدور عجلة الاقتصاد والنماء في البلاد”.
جاء ذلك في سياق حوار: (الإسلام والمسلمون في البوسنة والهرسك)، وهو الحوار الأول عن البوسنة، والرابع والعشرون في سلسلة: “حوارات الأقليات المسلمة على الفيسبوك”، والتي تأتي في سياق برنامج للتعريف بواقع الإسلام والمسلمين حول العالم.
وقد ولد “محمد تولتش” في العاصمة البوسنية “سراييفو” في عام 1982م، وهاجر مع والده للأردن سنة 1983م، وهناك أنهى المدرسة الأساسية والثانوية، ثم رجع إلى البوسنة؛ حيث أتم دراسته الجامعية في كلية العلوم السياسية في جامعة سراييفو.
أُجري الحوار على الفيسبوك خلال شهر يناير 2016م، ونشر على موقع مرصد الأقليات المسلمة، وإلى الحوار..
المشاركة الأولى.. من: هاني صلاح، مُنسِّق الحوار، مشاركة تمهيدية للحوار (السؤال الأول):
1 ـ نرجو التفضل بإلقاء نبذة تعريفية عن البوسنة والهرسك.. الدولة والشعب.
لمحات تاريخية وجغرافية:
لعل طبيعة دولة البوسنة والهرسك الجغرافية وموقعها أسهما في تميُّزها العقائدي منذ القدم، أي منذ القرون الوسطى، فلم ترضخ المملكة البوسنية ـ قبل فتحها من قِبل العثمانيين سنة 1463م ـ لا للكنيسة الشرقية الأرثوذكسية، ولا الغربية الكاثوليكية، بل تمسكت بخصوصيتها الدينية متمثلة في المذهب “البوغوميلي” المسيحي بإشراف الكنيسة البوسنية، حيث كان هذا المذهب يرفض فكرة التثليث، وكان أقرب للتوحيد؛ لذا عانت البوسنة من محاولات جارتيها الشرقية والغربية في بسط نفوذها السياسي والديني عليها.
ثم أضحت البوسنة بعد ذلك ثغرًا من ثغور الإسلام بعد اعتناق شعبها البوشناقي دين التوحيد الذي كان أقرب لدين آبائهم، واندثرت تلك الديانة البوغوميلية مع مرور الوقت بالتدريج نتيجة لذلك.
وهذا هو سر اعتناق شعب بأكمله الدين الإسلامي، بالرغم من أنه زمنيًّا وجغرافيًّا أبعد من شعوب أخرى كانت في حضن السلطنة العثمانية لفترة أطول ولم تغير دينها، وهو الأمر الذي يدحض مقولة أن الإسلام إنما انتشر بالسيف في شبه جزيرة البلقان.
تبلغ مساحة البوسنة حوالي 51 ألف كم2، وتحتل الترتيب 124 عالميًّا من حيث المساحة، وهي في الحقيقة أكبر من بلجيكا وهولندا والدنمارك.
يغلب على تضاريسها الجغرافية الطابع الجبلي الزراعي المغطى بالغابات والمراعي، وتمثل قمة جبل “ماغليتش” أعلى قمة في البوسنة والهرسك؛ إذ ترتفع 2836 مترًا عن سطح البحر، كما تنتشر السهول في مناطق متفرقة من البلاد، وعليها نشأت كبرى المدن الرئيسة.
وأغلب أراضي البوسنة خالية أو شبه خالية من السكان؛ لذا فإن الحياة زاخرة بالغابات الطبيعية التي تتخللها الأنهار بفروعها ذات الرونق الجميل.
دولة البوسنة الحديثة:
اعترف العالم بدولة البوسنة والهرسك كدولة مستقلة منذ 6/4/1992م، وعاصمتها سراييفو، ورُفع العلم البوسني أمام مقر الأمم المتحدة أُسوةً ببقية دول العالم المستقلة في نفس التاريخ، وقد كانت البوسنة والهرسك إحدى الجمهوريات الست المكوِّنة للاتحاد اليوغسلافي، الذي يشمل جمهورية كلٍّ من: مقدونيا، والجبل الأسود، وصربيا، وكرواتيا، وسلوفينيا.
نظام الحكم في البوسنة والهرسك نظام برلماني، ويُعد مجلس رئاسة الدولة أعلى منصب فيه، ويتكون من ثلاثة أعضاء يمثلون الأعراق الثلاثة في البوسنة: البوشناق والصرب والكروات. ويمثّل سلطة الدولة التنفيذية ـ على مستوى الدولة ـ مجلس الوزراء (الحكومة).
والدولة البوسنية تتكون من كيانين: أحدهما بأغلبية بوشناقية وكرواتية، ويسمى “فيدرالية البوسنة والهرسك”، والتي تحتوي على 10 كانتونات، ويمثل 51% من مساحة البوسنة، بينما الكيان الثاني هو “جمهورية صربسكا”، وغالبية سكانه من صرب البوسنة، ومساحته 49% من البوسنة، ولكل من الكيانين حكومة ومجلسًا نواب منتخبون من قبل الشعب.
سكان البوسنة:
يتألف سكان البوسنة من ثلاث قوميات دستورية هي: البوشناق، والصرب، والكروات، وكلها ترجع إلى العرق السلافي القديم، وهو عرق أوروبي قديم هاجر من مناطق شمال البحر الأسود، واستوطنوا الجنوب وعُرفوا بـ”السلاف الجنوبيين”، وهو معنى كلمة “يوغسلافيا”، فكلمة “يوغ” في اللغة البوسنية تعني الجنوب، بينما بقي أسلافهم شمالي القارة الأوروبية في مناطق روسيا، وروسيا البيضاء، وبولندا.
وتجمع بينهم منذ القدم لغة واحدة هي اللغة السلافية “الأم”، التي انحدرت منها العديد من اللهجات لدى مختلف عرقيات البوسنة والهرسك، وليس بينها من اختلافات إلا كما بين الدول العربية من لهجات؛ إذ في الواقع يتفاهم أبناء اللغات البوسنية والصربية والكرواتية والجبل الأسود دون أي مشاكل.
ويبلغ عدد سكان البوسنة والهرسك 3.8 ملايين نسمة، وتصل نسبة البوشناق المسلمين (سُنَّة) حوالي 50%، يليهم الصرب الأرثوذكس 30%، ثم الكروات الكاثوليك 15%، ثم باقي الأعراق الأخرى بنحو 5% من تعداد السكان.
المشاركة الثانية.. من: شادي الأيوبي؛ صحفي لبناني مقيم في اليونان، وتتضمن السؤال رقم (2):
2 ـ ما هي أوضاع البلد سياسيًّا وإداريًّا بمناسبة مرور عشرين سنة على اتفاقية دايتون..
اتفاقية دايتون للسلام أوقفت حربًا طاحنة استمرت زهاء 4 سنوات بضغط من المجتمع الدولي، إلا أن الأطراف الثلاثة المتنازعة تعتبرها غير عادلةٍ، وكل منهم يعمل على تفسير الاتفاقية بما يناسبه على التفصيل التالي:
البوشناق المسلمون: يعتبرون الاتفاقية مجحفة بحقهم، وبعض بنود الاتفاقية لم تطبق، مثل: عودة المهجرين، وتطبيق بنود حقوق الإنسان، ويريدون نظامًا سياسيًّا عمليًّا أكثر مركزية يتناسب مع معايير الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، ويضمن استقرارًا سياسيًّا وأمنيًّا واقتصاديًّا للدولة.
صرب البوسنة: يطالبون بدولة لا مركزية، يُقوي نفوذ كيانهم جمهورية صربسكا، وينتقدون نقل 68 صلاحية من الكيانات للحكومة البوسنية المركزية.
الكروات: يطالبون بكيان ثالث يضمنون فيه غالبيتهم العددية.
بحسب الاتفاقية، فإن المفوض السامي الدولي هو الذي يُفسِّر بنودها، وله صلاحيات واسعة بِسَنِّ القوانين، وفصل مَن يثبط تنفيذها ويُعكر أجواء السلم الأهلي والإثني في البلاد؛ لذا عجلة الإصلاحات الداخلية تسير نحو الانضمام للاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، ولكن بتسارعٍ بطيء.
وبغض النظر عن المعوقات، يمكننا اعتبار اتفاقية دايتون للسلام نموذجًا ناجحًا لوقف الدماء يُقتدى به في المناطق الأخرى التي تشهد حروبًا أهلية.
المشاركة الثالثة.. من: محمد سرحان؛ صحفي مصري وباحث في شئون الأقليات المسلمة، وتتضمن ثلاثة أسئلة (أرقام: 3- 5):
3 ـ لو تحدثنا عن الحرب على “البوسنة والهرسك” خلال الفترة من 1992 حتى 1995، وأسبابها، والضريبة التي دفعها المسلمون فيها، ومذابح هذه الحرب مثل “سربرنيتشا”، وماذا عن بقية المدن التي شهدت مذابح أيضًا لكنها لم تحظ بنفس القدر من الاهتمام الإعلامي؟
أسباب الحرب الحقيقية هي وجود أيدولوجيات؛ فهناك:
مشروع صربيا الكبرى: التي تعتبر البوسنة والهرسك جزءًا منها..
أيضًا: القوميون الكروات: يطمعون في البوسنة والهرسك، وينظرون إليها على أنها جزء من كرواتيا، كما يدَّعون بأن البوشناق المسلمين كانوا كروات وأسلموا..
كما أن هناك بين الصرب والكروات عداواتٍ قديمةً منذ وقت انفصال الكنيستين الشرقية والغربية، وأثناء الحرب العالمية الثانية، وبما أن الكروات كانوا مع النازيين فقد أجرموا بحق الصرب كاليهود والغجر..
وفي التسعينيات انتقم الصرب من الكروات، ومع ذلك فقد اتفقوا على تقسيم البوسنة والهرسك فيما بينهم، ولذلك تعد سنة 1993م أصعب سنة على جيش جمهورية البوسنة والهرسك؛ فقد فتح الكروات جبهة جديدة ضد مسلمي البوسنة (البوشناق) وغدروا بهم، مع أن كروات البوسنة في بداية الحرب كانوا مع الجيش البوسني ضد الصرب، وبعد اتفاقية واشنطن للسلام في 18 مارس 1994 بين الحكومة البوسنية وكروات البوسنة، اتفقوا على فض “فيدرالية البوسنة والهرسك”، واتحد الجيشان ضد صرب البوسنة، وبدأت الانتصارات تتوالى ضد الصرب.
لذا أراد الصرب تصفية 3 جيوب للجيش البوسني في شرق البوسنة بقيت باتفاق سابق تحت حماية الأمم المتحدة، من بين تلك الجيوب: مدينة سربرنيتشا التي حافظ عليها الجيش البوسني.
وفي الواقع، قامت القوات الهولندية العاملة ضمن الأمم المتحدة والمكلفة بحمايتها بتسليمها للجيش الصربي دون قتال؛ فاضطر غالبية الذكور من المسلمين إلى الهروب للغابات، ومحاولة اجتياز الحصار المطبق عليهم من القوات الصربية، والوصول لمناطق الجيش البوسني في مدينة توزلا؛ فاستغل الجيش الصربي تلك الحالة وبدأ يقتلهم في الطريق، ونصب لهم الكمائن، ومَن استسلم قُتل في مجازر جماعية.
والجزء الآخر الذي انتظر دخول الصرب إلى المدينة، تم فصل كل الذكور فوق 14 سنة عن النساء، وقتلوهم كلهم!
هكذا تم قتل أكثر من 8 آلاف رجل خلال 3 أيام، وتم تهجير الباقي من النساء والأطفال المسلمين خارج سربرنيتشا على مرأًى ومسمع من العالم، وفي وجود قوات الأمم المتحدة المكلفة بحماية هذا الجيب المحاصر منذ 3 سنوات.
والأدهى من كل ذلك، كان شرط الأمم المتحدة لحماية البوشناق المسلمين في هذه المنطقة من الصرب هو تسليم المسلمين أسلحتهم لقوات الأمم المتحدة، وفعلوا ذلك.
ولشناعة تلك المأساة، أصبحت واقعة سربرنيتشا معروفة بفداحتها وغدر المجتمع الدولي بها، وخاصة مجلس الأمن، وأقرَّت محكمة الجنايات الدولية بوقوع إبادة جماعية فيها.
كما حدث في مناطق أخرى من البوسنة إبادات جماعية مماثلة، وخاصة في غربها في مدينة “بريدور”، وبنسبة أكبر حتى من سربرنيتشا، ولكنها لم تأخذ صدًى إعلاميًّا مناسبًا – للأسف.
4 ـ الفعاليات السنوية في ذكرى مذبحة سربرنيتشا تقول: إن هذا الجرح لم يندمل بعد.. فمتى وكيف تُطوى هذه الصفحة في رأي مسلمي البوسنة؟
في كل عام يعتبر (11 يوليو) يوم إحياء ذكرى إبادة سربرنيتشا، ويتم تأدية صلاة الجنازة على الرفات المكتشفة، والمتعرف عليها خلال السنة الماضية، ودفنها في المقبرة المعدة لكل شهداء تلك الإبادة، وهذا يوم حزن في البوسنة والهرسك، وبلا شك يتذكر الضحايا جراحهم ومعاناتهم، وبخاصة إذا كان أحد من ذويهم أو أقربائهم من بين الذين تم دفنهم في ذلك اليوم.
5 ـ بعد كل ما مرَّ به مسلمو البوسنة والهرسك.. برأيك، ما أهم التحديات المستقبلية التي تواجهكم في بناء دولتكم؟ وكيف يمكن التغلب عليها؟
التحدي الأول: هو تقوية الدولة البوسنية، وجعلها بلدًا عمليًّا في خدمة الشعب، وجلب الاستثمارات الأجنبية.
وفي هذا الصدد، يعتبر الانضمام لحلف الناتو والاتحاد الأوروبي هو خيار استراتيجي، ليس فقط لمميزات الانضمام الأمني والاقتصادي، بل لأنه يجبر الحكومة البوسنية على تنفيذ الإصلاحات، وإصدار القوانين، ومحاربة البيروقراطية والفساد بحسب المعايير الأوروبية، وهذا كله يتطلب تغييرَ وإصلاحَ دستورِ دولة البوسنة والهرسك المفروض في اتفاقية دايتون للسلام، ولم يصدِّق عليه الشعب إلى الآن. وهذا كله يستدعي توافق القوميات الثلاث، أو فرضه من قبل المجتمع الدولي.
المشاركة الرابعة.. من: بكر العطار؛ صحفي في جريدة “الأمة” الإلكترونية، وتتضمن ستة أسئلة (أرقام: 6 – 11):
6 ـ نود شرحًا لمعنى (البوسنة والهرسك)، كما نرجو توضيح عدد المسلمين في البوسنة وفقًا لإحصائيات رسمية إن أمكن..
سميت بهذا الاسم بسبب نهر البوسنة، والذي ينبع من مدينة “سراييفو” ويصب في “نهر سافا”، وهي الحدود الشمالية للبلاد. وكانت الدولة في العصور الوسطى قبل الفتح العثماني تسمى مملكة البوسنة (بدون مسمَّى الهرسك).
ولكن بعد الاحتلال “النمساوي-الهنجاري”، أضافوا كلمة “والهرسك”، وهو الإقليم الجنوبي للبلاد، وهو في الواقع تضاريسيًّا يختلف بشكل ملحوظ عن البوسنة، فهي (أي تضاريسه) ليست خضراء ككل البوسنة؛ لأنها أقل ارتفاعًا عن سطح البحر، والمناخ فيها بحر متوسطي، وأكثرية سكانه من الكروات الكاثوليك، وينحدر اسم الهرسك من حاكمها في العصور الوسطى “هرسك ستيبان كوساتش”.
أما الإحصائيات في البوسنة، فهي تتسم بالتسييس بشكل كبير، فأول إحصائيات تم إجراؤها سنة 2013م، ولكن إلى الآن لم يتم التوافق على النتائج بحجة عدم الاتفاق على منهجية الإحصاء من طرف الجانب الصربي، الذي لا تُناسبه النتائج بأن المسلمين البوشناق أكثر من 50% من عدد سكان البوسنة، وبأن غير الصرب أكثر من 10% من عدد سكان كيان صرب البوسنة (جمهورية صربسكا)، والذي يعتبر فشلًا لهم في الغزو والحرب على البوسنة.
وبشكل عام، التزايد الطبيعي عند البوشناق أفضل من الصرب والكروات؛ لذلك فالسياسة الديمغرافية جزء أساسيٌّ في الحسابات الجيوسياسية في البلقان.
7 ـ ما مدى تمتع مسلمي البوسنة بالحريات والحقوق؟ هل يمكن إلقاء نظرة على الحريات العامة لمسلمي البوسنة، سواءً الدينية في مجال إقامة الشعائر وبناء المساجد، أو الحقوق المدنية في مجال المساواة في فرص التعليم والتوظيف؟
بحمد الله، يتمتع البوسنيون بديمقراطية حقيقية، وبالفعل هي دولة قانون وفصل للسلطات الثلاث، ويتم تطبيق المعايير الأوروبية أكثر وأكثر..
بالنسبة للحياة الدينية للمسلمين تقوم بتنظيمها المشيخة الإسلامية في البوسنة والهرسك، وهي بمثابة وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية في الدول العربية؛ لأنها هي الجهة الوحيدة قانونيًّا المخولة بتمثيل المسلمين وتنظيم حياتهم الدينية، خاصة في إدارة المساجد وتعيين الأئمة؛ إذ يوجد أكثر من 1500 مسجدٍ ومُصلَّى، بالإضافة للمدارس والكليات الشرعية والأوقاف.
وعلى رأس المشيخة الإسلامية يتم انتخاب رئيس العلماء من قِبل الجمعية العمومية للمشيخة، ويقوم بتأدية المنصب حاليًّا الرئيس “حسين كزازوفيتش”، وهو في الواقع أيضًا المفتي العام لمسلمي البوسنة والبوشناق المتغربين.
8ـ هل تسبب ظهور تنظيم الدولة (داعش) في التضييق على حرية المسلمين ودور العبادة؟
للأسف، آفة داعش لها تداعيات سلبية على كل الدول الإسلامية، ومنها البوسنة والهرسك، ولكن إلى الآن المشيخة الإسلامية بالتعاون مع المنظمات غير الأهلية تواجهها فكريًّا بالحكمة؛ فلم تنعكس تداعياتها على الحريات الدينية هنا.
9 ـ نريد أن نتعرف على الحالة الاقتصادية في البوسنة عمومًا، ولدى المسلمين خصوصًا، مع رجاء توضيح نسبة الفقر والبطالة، وهل هناك تراجع للأسوأ أم تحسن للأفضل؟ وما تفسيركم لهذا في الحالتين؟
الإحصاءات الرسمية تشير إلى أن نسبة البطالة حوالي 40%، ولكنها مبالغ فيها؛ لأن الكثير من العاملين غير مسجلين بشكل رسمي، وبخاصة الذين يعملون في الزراعة والرعي والحرفيين..
وهناك تحسن – بشكل عام – في الاقتصاد في البوسنة، وبخاصة بعد دخول رأس المال الخليجي بشكل ملحوظ، خاصة في المجال العقاري والسياحي؛ بسبب الإعفاء من التأشيرات للمواطنين من دول الكويت وقطر والبحرين والإمارات وعمان، وهنا أهيب بالمستثمرين العرب والمسلمين أن يستثمروا في المجال الصناعي الواعد؛ للتقليل من نسب البطالة.
بشكل عام، البوسنة والهرسك تشهد استقرار سياسيًّا وأمنيًّا مُطَّردًا، والأيدي العاملة ذات كفاءة عالية ورخيصة؛ لذلك هي من البلاد الواعدة في الاستثمار، ولها مستقبل أكيد في الاتحاد الأوروبي.
10 ـ نود لو نسمع عن أيٍّ من النماذج المشرفة الناجحة والرائدة (من المسلمين) في البلاد سواءً اقتصاديًّا أو سياسيًّا؟
هناك العديد من النماذج التي يصعب ذكرها، ونخص بالذكر الرئيس الراحل “علي عزت بيجوفيتش”؛ المفكر الإسلامي، الذي ناضل كثيرًا من أجل قضايا أمته، ومحاربة الإلحاد والشيوعية، والحفاظ على الهوية الإسلامية والحقوق السياسية لمسلمي البوسنة والهرسك، والذي تُوِّج بأنه أصبح أول رئيس لجمهورية البوسنة والهرسك المستقلة.
وبحمد الله، استطاع أن يحافظ على تلك الدولة متكاملة في أوقات عصيبة تكالب فيها الأعداء عليها من كل الجهات، ومؤلفاته تعتبر من المصادر الأساسية في فكر السياسة الإسلامية المعاصرة.
11 ـ ما الذي يحتاجه المسلمون في البوسنة حتى يتم نشر الصورة الصحيحة للإسلام بين الشعب البوسني؟
إلى دعاء إخوانهم المسلمين الذين لم يبخلوا عليهم أثناء العدوان الغاشم، لكن حرب الهوية ما زالت مستمرة وما يرافقها من حرب اقتصادية وإعلامية وثقافية؛ لذلك فالمسلمون في البوسنة والهرسك بحاجة إلى خبرات ومساعدة الإخوة، وبخاصة في الاستثمار الاقتصادي الذي يعود بالنفع للمستثمر وللشعب.
المشاركة الخامسة.. من: هاني صلاح؛ رئيس تحرير الموقع الإلكتروني لـ”مرصد الأقليات المسلمة”، وتتضمن سؤالين (أرقام 12- 13):
12 ـ ما هو تقييمكم لدور الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي في سعيه لكبح جماح التيارات القومية في البوسنة التي تسعى للانفصال وتقسيم البلاد؟
بغض النظر عن تلك المحاولات، فالأحزاب القومية SDA,HDZ,SDS هي التي فازت في الانتخابات الأخيرة، وشكلت حكومة ائتلافية على مستوى دولة البوسنة والهرسك، وفي الحقيقة تلك الأحزاب قامت بعمل إصلاحات داخلية قللت من التعصب القومي.
المشكلة أكبر في الحزب الديمقراطي الاشتراكي الصربي SNSD الذي يتزعمه “ميلوراد دوديك”، والذي أثبت أنه عنصري أكثر من الحزب الصربي الديمقراطي SDS الذي أسسه مجرم الحرب “رادوفان كرجيتش” الذي يحاكم حاليًّا في لاهاي.
للأسف، المفوض السامي الدولي لا يؤدي مهمته المكلف بها، ولا يعاقب الذي يطالب بالانفصال ويعكر أجواء السلم الأهلي وينشر الكراهية في البلاد.
13 ـ ما موقف البوشناق المسلمين حاليًّا في عام 2016م ـ بعد مرور عقدين من الزمان على انتهاء الحرب ـ من المجتمع الدولي وموقفه غير الواضح من البوسنة، وتحديدًا من المسلمين فيها؟
بالطبع المسلمون غير راضين عن هذا الأداء، ويشعرون بالخذلان من المجتمع الدولي، وخاصة من الدول الضامنة لاتفاقية السلام “دايتون”؛ لأنه كان من المفروض تطوير الدستور والقوانين بالتدريج، بحيث تكون ملائمة لمتطلبات العصر؛ لتدور عجلة الاقتصاد والنماء في البلاد.
ولكن المجتمع الدولي – للأسف – يترك القوى المعوقة للتقدم والتكامل والتعايش، هم يقولون: عليكم أن تتفقوا.. وفي حالة عدم الاتفاق يجب أن يكون هناك طرفٌ يُحتكم إليه، وليبين مَن لا يريد الاتفاق والحلول الوسط؛ حتى لا تبقى كل البلاد رهينة مواقف التعنت واللامبالاة، وعامل الوقت مهم، عجلة الإصلاحات يجب أن تمضي في تسارع لتلاحق تغيرات العصر.
بخلاف ذلك تسود سياسة كسر العظم، ومَن بإمكانه الصبر أكثر، والضحية هو الشعب، وخاصة الشباب العاطل الذي يقرر الهجرة، وماذا سوف نستفيد إذا بقيت البوسنة والهرسك بلدَ كبار السنِّ والعجزة؟
وفي الواقع البوسنة والهرسك خرجت من دائرة الاهتمام الدولي؛ لأنه – للأسف – هناك بؤر متوترة وحروب لها أولوية في الإعلام والتحرك الدولي؛ لذلك تُركت البوسنة تواجه تحدياتها بمفردها، وبمساعدةٍ خجولة من المجتمع الدولي.
المشاركة السادسة.. من: خالد الأصور؛ باحث في شئون الأقليات المسلمة، وتتضمن السؤال رقم (14):
14 ـ كوسوفو.. أحدث جمهورية ذات غالبية إسلامية تنضم للأمم المتحدة.. وسبقتها البوسنة في سياق دموي.. وفي ظل الجوار الجغرافي نسبيًّا، هل ثمة تعاون وتنسيق وتبادل للخبرات بين المؤسسات الإسلامية في كلتا الجمهوريتين الوليدتين، لا سيما مع تشابه بعض الظروف؟ وإذا لم يكن ثمة تعاون، فماذا يعوقه؟
الشعب البوسني المسلم سعيد بحصول كوسوفو على الاستقلال عن جمهورية صربيا والاعتراف الدولي به.
ولكن – للأسف – دولة البوسنة والهرسك لم تعترف إلى الآن بجمهورية كوسوفو بسبب فيتو عضو مجلس الرئاسة الصربي، صرب البوسنة استغلوا هذا الحدث للمطالبة بانفصال كيان “جمهورية صربسكا” عن دولة البوسنة والهرسك أسوةً بكوسوفو، ويطالبون بالاستفتاء لتقرير المصير.
طبعًا هذا الأمر يعارضه البوشناق والكروات، ولن يسمحوا به أبدًا، ولكن المجتمع الدولي أرخى لهم حبل العقوبات لعدم احترام الدستور البوسني حتى يخفف وطأة خسارة انفصال إقليم كوسوفو عن صربيا.
التبادل التجاري بين الدولتين يشهد تحسنًا مطردًا، ولكن هناك تعاونًا متواضعًا على مستوى التعليم والجمعيات الأهلية، لابد من تحسنه على كل الأصعدة، ويجب أن تكون الزيارات متبادلة، والتعاون على جميع الأصعدة المتاحة على المستوى الشعبي لتعويض العائق السياسي على مستوى الحكومات.
وهناك عائق آخر واقعي، وهو اللغة؛ لأن القليل من البوسنيين يتقنون اللغة الألبانية والجيل الجديد من ألبان كوسوفو لا يفهمون اللغة البوسنية.
على كل حال الشعب البوشناقي والألباني هما الوحيدان ذوا الأصول الأوروبية ويدينون بالإسلام؛ لذلك لابد من أن يكون لهما دور أكبر في الدفاع عن حقوق المسلمين، والحفاظ على الهوية الدينية في الاتحاد الأوروبي مستقبلًا.