حوار الولايات المتحدة الأمريكية ـ أحد حوارات ملف “الإسلاموفوبيا ـ يناير 2016م”
أدار الحوار: هاني صلاح **
“الآن فقط.. وفي عام 2015م، ومع حملة الدعاية للرئاسة، يستخدم المرشحون الجمهوريون “كارت” العنصرية وتأجيجها ضد المسلمين، وهناك تخوف حقيقي من انتشار حالة كراهية لدى عامة الناس ضد المسلمين، إضافة إلى ما قد يفعله بعض المرشحين إن فازوا بانتخابات الرئاسة”.
بهذه الكلمات الواضحة، عبَّر الشيخ “كفاح مصطفى” – الإمام والمدير العام للمركز الإسلامي للصلاة بشيكاغو – عن تخوفات “محتملة” لدى مسلمي الولايات المتحدة الأمريكية من تحول “الخطاب السياسي التحريضي ضد المسلمين” إلى حالة عامة تسود الشارع الأمريكي، وهو ما لم يحدث من قبل في تاريخ هذه البلاد.
وأكد الشيخ “كفاح” – وهو رئيس تجمُّع الأئمة في ولاية إلينوي، وممثل دار الفتوى اللبنانية في أمريكا – على أن: “المسلمين لم يعانوا حقيقة كثيرًا من عنصرية ضدهم أو تمييز عرقي إلا بعد دخول حادث تفجير أبراج نيويورك أيلول 2001م، وحتى بعدها كانت الهجمة إعلامية بالغالب، ولكنها لم تؤثر كثيرًا على الحياة العامة للمسلمين”.
تعايش واحترام
ولفت ضيف الحوار من أمريكا إلى أن: التعايش بين شرائح المجتمع “تحكمه المواطنة تحت ظل الدستور الأمريكي”، وهو الأمر الذي صان حقوق الأفراد العامة والخاصة، مشيرًا إلى أن: “هناك نسبة مرتفعة من الاحترام المتبادل بين الأجناس والأعراق والطوائف”، كما أن: “التعايش الديني بالعموم متبادل ومحترم، وتجد الكثير من مؤسسات التعارف الديني ناشطة فيما بينها، ومن ضمنها المؤسسات الإسلامية”.
وأوضح أن هناك طابعًا عامًّا يحكم الفرد الأمريكي، وهو “احترام مساحة الحرية الشخصية، والتي تجعل الكثير ينشغل بنفسه ولا يأبه كثيرًا لاختيارات الناس من حوله”.
العمل الاجتماعي
وبرغم كل ذلك، فقد أبدى الشيخ “كفاح” تفاؤله من المستقبل بعد أن أصبح المسلمون في أمريكا الآن أكثر وعيًا… وبدأ الكثير من المؤسسات الإسلامية بالاتجاه بقوةٍ نحو العمل العام، مشددًا على أن المرحلة الحالية تحتم الانشغال بالعمل الاجتماعي والانفتاح على الشعب الأمريكي، ومشاركته في تحمل همومه وحل مشكلاته اليومية، معتبرًا أن هذا أفضل ردٍّ على حملات بعض السياسيين الأمريكيين في تأجيج الكراهية والعداء للمسلمين.
جاء ذلك في الحوار الخاص بالولايات المتحدة الأمريكية ـ أحد حوارات ملف “الإسلاموفوبيا ـ يناير 2016م”، والذي يأتي ضمن سلسلة ملفات شهرية تلقي الضوء على أهم قضايا الأقليات المسلمة حول العالم.
ويتضمن كل ملف شهري مجموعة من الحوارات “المتعددة الأطراف”، والتي يشارك فيها الجمهور الناطق بالعربية على الفيسبوك؛ حيث يطرح أسئلته على ضيوفٍ في عدد من دول العالم.
وقد أُجريت حوارات ملف شهر يناير 2016م عن قضية (الإسلاموفوبيا) تحت العنوان: “ظاهرة تصاعد العداء للإسلام والمسلمين في الغرب: الأسباب.. التداعيات.. الحلول”…
فإلى الحوار..
المشاركة الأولى.. من: هاني صلاح ـ رئيس تحرير موقع “مرصد الأقليات المسلمة” – وتتضمن ثلاثة محاور/أسئلة للتعريف بموضوع الحوار والضيف الكريم:
المحور الأول: الخريطة العرقية والدينية
1 ـ نود من سيادتكم التفضل بإعطاء إطلالة مختصرة:
أـ حول الخريطة العرقية والدينية التي يتكون منها الشعب الأمريكي.. ومدى التعايش والتواصل بين مختلف هذه الأعراق، وأيضًا بين مختلف أتباع الديانات.
أ ـ السلام عليكم.. نشر موقع “بيو” للأبحاث تقريرًا عن الديانات الموجودة ونسبتها في أمريكا الآن، وهي كالتالي مئويًّا:
النصارى: 24.4 للبروتستانت الإنجيليين، 14.7 للبروتستانت العامة، 6.5 للبروتستانت السود أفريقيِّ الأصل، ثم 20.8 للكاثوليك، 1.6 لطائفة المورمون، 0.5 للأرثوذوكس، 0.8 لشهود يهوه، 0.4 لباقي المسيحيين.
اليهود 1.9، المسلمون 0.9، البوذيون 0.7، الهندوس 0.7، الملحدون 3.1، الملحدون أغنوستك 4، والنسبة الباقية لم تعرّف نفسها بأي معتقد.
أما التعايش فتحكمه المواطنة تحت ظل الدستور الأمريكي، وعليه فحقوق الأفراد العامة والخاصة محترمة، وهناك نسبة مرتفعة من الاحترام المتبادل بين الأجناس والأعراق والطوائف، وتطبيق القانون يسري على الجميع.
هناك طابع عام يحكم الفرد الأمريكي، وهو احترام مساحة الحرية الشخصية، والتي تجعل الكثير ينشغل بنفسه ولا يأبه كثيرًا لاختيارات الناس من حوله.
أما التعايش الديني، فبالعموم متبادل ومحترم، وتجد الكثير من مؤسسات التعارف الديني ناشطة فيما بينها، ومن ضمنها المؤسسات الإسلامية، طبعًا هناك بعض المتعصبين دينيًّا لكل ديانة لا ينخرطون كثيرًا في أي حوارات تعارفية دينية حتى من بين المسلمين.
أخيرًا تبقى هناك أنشطة خدماتية للشعب عقب الكوارث أو ما شابه قد تجمَع الجميع.
ب ـ وهل يمكن أيضًا توضيح الخريطة العرقية لمسلمي أمريكا؟
ب ـ إحصاء مؤسسة “بيو” حصر عدد المسلمين في أمريكا بـ 3.3 ملايين، بينما رؤساء الجمعيات المسلمة يقدِّرون عدد المسلمين بـ 7 إلى 8 ملايين.
العدد الأكبر من هذه الأرقام ـ على الخلاف فيها ـ هو للأفارقة السود المسلمين، ثم الهند والباكستان، ثم العرب، ثم باقي المسلمين من أصول أخرى.
المحور الثاني: محور الحقوق والحريات
2ـ قبل البدء في التطرق لظاهرة “تصاعد” العداء للإسلام والمسلمين في أمريكا ـ خاصةً في السنوات الأخيرة ـ بشكل عام؛ نود من سيادتكم توضيح الآتي:
أ ـ هل على مدار العقود الأخيرة ـ على الأقل الـ 30 سنة الأخيرة ـ هناك أي تمييز أو تضييق على الحريات المدنية أو الدينية أو العرقية بين شرائح المجتمع بشكل عام؟
أ ـ منذ حراك مارتن لوثر كينغ في الستينيات، تغيّر الحال كثيرًا بالنسبة للأفارقة السود الأمريكيين، ولكن حتى بعد التغييرات القانونية لصالح الحقوق العامة ما زالوا يعانون من عنصرية عرقية ضدهم، فشواهد تعامل الشرطة مع الأفارقة السود الأمريكان حاضرة أسبوعيًّا تقريبًا في كافة الولايات الأمريكية، أما العنصرية ضد اللاتينيين فهي مركزة على تدفق المهاجرين من حدود المكسيك فيما يشكل للبعض خطرًا ديمغرافيًّا على مستقبل أمريكا.
ب ـ وماذا عن المسلمين خلال هذه الفترة ـ الثلاثة عقود الأخيرة ـ هل يتساوون كمواطنين مع باقي شرائح المجتمع، أم هناك تمييز بحقهم وإنقاص من حقوقهم؟
أ ـ المسلمون لم يعانوا حقيقة كثيرًا من عنصرية ضدهم أو تمييز عرقي إلا بعد دخول حادث تفجير أبراج نيويورك أيلول 2001م، وحتى بعدها كانت الهجمة إعلامية بالغالب، ولكنها لم تؤثر كثيرًا على الحياة العامة للمسلمين.
الآن فقط وفي عام 2015م، ومع حملة الدعاية للرئاسة يستخدم المرشحون الجمهوريون “كارت” العنصرية وتأجيجها ضد المسلمين، وهناك تخوف حقيقي من انتشار حالة كراهية لدى عامة الناس ضد المسلمين، إضافة إلى ما قد يفعله بعض المرشحين إن فازوا بانتخابات الرئاسة.
المحور الثالث: التعريف الشخصي
3 ـ تعودنا في حواراتنا السابقة تقديم ضيف الحوار للجمهور.. لذا نستأذنكم في التعريف بأنفسكم للجمهور المشارك تعريفًا إنسانيًّا وعلميًّا ووظيفيًّا.. مع الإشارة للمهام الدعوية والمسئوليات التي توليتموها من قبل أو تتولونها حاليًّا؟
أخوكم كفاح مصطفى، من عكار شمال لبنان، متزوج ولدي 4 أبناء وبنات. بكالوريوس شريعة من الجامعة الأمريكية العالمية، ودبلوم شريعة أيضًا من جامعة بيروت الإسلامية دار الفتوى.
أعمل إمامًا ومديرًا للمركز الإسلامي للصلاة في منطقة “أورلاند بارك” من ضواحي “شيكاغو”، وممثلًا لدار الفتوى اللبنانية في أمريكا، ورئيسًا لتجمع الأئمة والعلماء في ولاية إلينوي.
مشاركات الجمهور
المشاركة الثانية.. من: عبد الله شفاعة ـ مدرس لغة عربية، ومترجم من اللغة العربية إلى اللغة الكمبودية، من كمبوديا – وتتضمن سؤالين (أرقام: 4، 5):
4 ـ هل ظاهرة الكراهية للإسلام والمسلمين في الغرب هي:
أ ـ مجرد عملية سياسية ونتيجة للتنافس بين الأحزاب السياسية، أم أنها أصبحت جماهيرية؟
أ ـ نعم لقد بدأت سياسيَّة مرتبطة بموعد الانتخابات، ثم لا تلبث أن تذوب وتختفي، إلَّا أنه الآن مع مرحلة الانتخابات المقبلة، هناك تخوف حقيقي من ترجمة رفع مستوى الهجوم الواضح ضد المسلمين من بعض المرشحين الجمهوريين بانتقال هذه الكراهية والعنصرية إلى الشارع العام.
هناك بوادر قليلة له من قبل، وبعد الحوادث المتفرقة هنا وهناك، ولكن الزمن هو العنصر الوحيد الذي سيتكلم فيما بعد الانتخابات بتصاعد أم انكفاء هذه الكراهية.
ب ـ وإن كانت جماهيرية فما تفسيركم بشأن إقبال إنسان الغرب على الدخول في الإسلام حسب الإعلان الذي رأيته؟
ب ـ بالنسبة لي أعتبر أن هذا أمرٌ طبيعيٌّ، إنه بقدر وجود أناس تعادي وتكره بقدر ما يوجد أناس أضعافهم منصفون، ويقتربون من المسلمين أكثر بسبب التمييز ضدهم، وبالتالي هذا يفتح المجال للتعرف على الإسلام عن قرب، فيعتنقه بعض من اقتنع بمبادئه.
من جانب آخر، في مسجدنا الآن في كل فصل دراسي بالجامعات التي حولنا، نلاحظ أن اختيار الدين الإسلامي للدراسة هو الخيار الأول لدارسي مواد أديان عالمية أو مقارنة أديان، وكل فرد منهم يطلب منه البروفيسور أن يأتي للمسجد ويتعرف على الإسلام كيف يطبق وكيف تمارس الشعائر الدينية.
قبل 11 أيلول لم نكن نجد أعدادًا مثل هذه الأعداد.
5 ـ إلى متى يظل الإنسان الغربي أسير قيود الصهاينة وسيطرتها على المجتمع الغربي ولا يتحرر منها؟
برأيي الإنسان الغربي كباقي الشعوب، كلهم أسرى الفئات المتسلطة في بلادهم، كلٌّ حسب عرقه، وبرأيي أيضًا أنه الأكثر تحررًا من تبعات هذا التسلط.
هناك حركات اجتماعية حقوقية على مستوى أمريكا عمومًا تحاول جاهدة أن تحافظ على روح الدستور الأمريكي في تكافؤ فرص العمل، والتحرر من قبضة الـ 1% الممسكين بزمام البلد اقتصاديًّا، وبالتالي سياسيًّا وغير ذلك.
لعلي أضيف أن مجيء أوباما إلى سُدَّة الحكم ساعد في نمو هذه الحركات، وبدأت الفجوات تتضح أكثر بين الإصلاحيين وبين المنتفعين بالوضع كما هو.
المشاركة الثالثة.. من: محمد سرحان – صحفي وباحث في شئون الأقليات المسلمة – وتتضمن أربعة أسئلة (أرقام: 6 – 9):
6 ـ ما الأسباب الحقيقية وراء تصاعد ظاهرة العداء للإسلام والمسلمين في الغرب؟
برأيي الأسباب هي:
أ ـ ضمان هوية أمريكا من أي تغيير مستقبلي لما هو معهود لهم، والإسلام دين قوي بين أتباعه وحاضر بقوة بمبادئه التي تتوافق كثيرًا مع الدستور الأمريكي، فالخشية منه كبيرة؛ إذ قد يُغيّر قناعات الناس تجاه الصعود في توافق منظومة القيمية الأخلاقية بين فئات الشعوب العامة، ومنها المسلمون، مقابل النفعية المصلحية والمستفيد منها “القلة” ومَن دارَ معهم من أصحاب الأموال والنفوذ.
ب ـ الجهل بالإسلام والخوف من المجهول: إذ عادةُ الناس أن يعادوا أمورًا لجهلهم بها. خذ على سبيل المثال مشروع محاربة الشريعة الإسلامية في ولايات كـ”أوكلاهوما” وغيرها، فبعض السياسيين سُئلوا من صحفيين غير مسلمين إن كانوا يعرفون شيئًا عن الشريعة الإسلامية، أو يستطيعون فقط تعريفها، فكان الجواب: لا، اللهم إلا من بعض النقاط المثيرة للجدل كالرجم وغيره.
ج ـ الماكينة الإعلامية: والتي ما فتئت تعادي المسلمين في كافة شئون حياتهم، والمستفيدة من أرقام المشاهدين لمثل هذ التغطية.
د ـ الأعمال الإرهابية التي يرتكبها المنتسبون للإسلام في العالم عمومًا، وفي أمريكا خصوصًا؛ تؤجج حالة الكراهية.
7 ـ لماذا يشعر مسلمو الغرب دائمًا بأنهم موضع اتهام، ولماذا هم مجبرون على تبرئة أنفسهم بعد أي اعتداءات إرهابية يشهدها الغرب؟
لأن الماكينة الإعلامية الضخمة تفعل ذلك في كل حادث من فرد مسلم، في حين أنها لا تنسب الإجرام والإرهاب لغير المسلمين في حوادث قد تكون أشنع نوعًا، وأكثر عددًا لطوائف أو عرقيات أخرى، والمسلمون يريدون أن يعيشوا بعيدًا عن قفص الاتهام، فيلجئوا إلى مثل هذه الطريقة.
السؤال هنا هل هذه الوسيلة هي الأنجع؟ بالطبع لا..
أنا أرى أن هناك حالة وقوع في منظومة الاتهام نفسه، بمعنى أننا نُثبّت هذه الحالة بالانشغال بالدفاع. لكن توجد الآن بعض المحاولات الجادة من قادة العمل الإسلامي للخروج من هذه الدائرة والانشغال في الصالح العام؛ لنجعل أعمالنا الخيرة القِيمية تتحدث أكثر من أفعال البعض بالإرهاب أو غيره.
8 ـ من يتحمل المسئولية عن تلك النظرة الخاطئة لدى معظم الغرب عن الإسلام والمسلمين؟ وما دور الجاليات المسلمة في الغرب ومؤسساتهم في تصحيح صورة الإسلام؟
أنا أحب أن نلوم أنفسنا بالتقصير حتى يكون ذلك حافزًا لنا للعمل من دون أن ننسى الميزانيات الضخمة التي يرصدها أعداء الإسلام لمحاربة الدين الإسلامي والمسلمين من خلال الإسلاموفوبيا.
أما الدور فهو حقيقةً شاقٌّ؛ لقلة أعداد المسلمين من جهة، ولعدم اقتناع المسلمين بالدعم المالي لمثل هذه البرامج.
على سبيل المثال: إلى الآن الناس تنفق تبرعاتها لمصائب الشرق، ولا تعير اهتمامًا لمستقبل البلد هنا؛ ما قد يحمل معه خطرًا على وجود المسلم.. إلا أننا أيضًا لا نغفل عن دور الإعلام والكارهين للإسلام والمسلمين في تأجيج هذه النظرة الخاطئة ودعمها وتسويقها بين الناس.
برأيي أن الدور الرئيس هو الانخراط في العمل العام لكافة شرائح المجتمع المسلم، وتسخير عنصر الشباب في ذلك، وحل عقدة جيل المهاجرة مقابل جيل المواطنة بالولادة.
المشكلة في ذلك هي عقلية المهاجر الأب للعمل مقابل نظرة الابن أو البنت المولودَين هنا.
ما زلنا نعاني فجوة “جيلية” في هذا المضمار؛ المهاجر الأب يتهم الجيل الناشئ بالاندفاع وقلة الخبرة، والجيل الناشئ يتهم الجيل الأول بعدم تفهم الواقع الأمريكي حقيقةً.
9 ـ ما مصير الحريات الشخصية والدينية لمسلمي الغرب مع تصاعد وتيرة العداء للإسلام والمسلمين؟
أعتقد أنه إلى الآن ما زالت بمأمنٍ عن أي تغيير، فهي دستورية، والسواد العظيم يعلم أن أي مساس بها هو مساس بحرياتهم الشخصية.
ولكننا سنشهد الكثير من الاعتداءات الفردية على كافة المستويات، فالكثير من غير المسلمين الآن يقترب من الدفاع عن الإسلام والمسلمين لأنه يعلم أن في ذلك اعتداء على المبدأ أساسًا بغض النظر عن الضحية.
بالمقابل الخوف أن أبواق المعتدين قليلة ولكنها عالية، يقابلهم قلة متعاطفة متضامنة مع المسلمين، أما السواد الأعظم فساكت.. هذا السكوت يشكل قلقًا لنا نحن ـ المسلمين ـ لأنه إن كان من حراك يغيّر مسار العنصرية ويحد من خطرها، فينبغي أن يُبنى على هذا السواد بالوقوف أمام المعتدين على الحريات والدستور.
المشاركة الرابعة.. من: كريم خيري – طالب في مرحلة الماستر “الأقليات المسلمة في الغرب”، من الجزائر – وتتضمن ثلاثة أسئلة (أرقام: 10-12):
10 ـ أين وصلت جهود المسلمين في الغرب عمومًا في سعيهم لإدراج “تجريم الإسلاموفوبيا” ضمن المنظومات القانونية في الدول التي يعيشون فيها؟ ولماذا لم يتوصلوا إلى ذلك رغم كثرتهم العددية، وبالمقابل نجد اليهود – على قلتهم – استطاعوا استصدار قانون معاداة السامية؟
التقييم أن المسلمين لهم أكثرية عددية غير صحيح حقيقة، فاليهود أكثر عددًا وأقدم خبرة، ثم إن عمر الجالية المسلمة صغير زمنيًّا بالمقارنة مع غيرهم.
أنا أعتقد أن المسلمين لم يبدأ لهم وجود حقيقي رقمي إلا في أواسط التسعينيات، أما ما قبل ذلك، فبالكاد أعدادهم لها قيمة، وحتى الآن النسبة تحت الواحد بالمائة، أضف إلى ذلك فشل المسلمين المهاجرين في احتضان المسلمين الأفارقة السود أو العكس، ثم الخلافات الفكرية بين المسلمين أنفسهم أو السلطوية ساهمت في مثل هذا التأخير عن القيام بقوةٍ لإنشاء قانون يجرّم الإسلاموفوبيا.
11 ـ ألا ترون أن تصرفات بعض المسلمين أنفسهم ساهمت في تصاعد ظاهرة العداء والتخويف من الإسلام في الغرب؟
بلا شك نعم، ولكن لا يمكننا تجاهل من يستثمرها بالتضخيم، مقابل غض الطرف عن التسمية بالإرهاب إذا كانت من غير مسلمين.
برأيي أن هناك ظلمًا اقتصاديًّا سياسيًّا عالميًّا من قبل المنتفعين عالميًّا وبأيدٍ متسلطة في دولنا العربية والإسلامية، فيستغل البعض الدين؛ لأنه يؤجج عاطفيًّا بلا تكلفة مادية إذا آمن الشاب بالفكرة؛ ليواجه هذا الظلم بظلم آخر! فنصبح بدلًا من أن نواجه الظلم بالعدل، نواجهه بظلم من نوع آخر مغلف دينيًّا دون الانتباه لذلك.
إذا أضفت فشل الدول العربية والإسلامية في إيجاد قنوات وسطية تحترم التديّن ولا تعاديه، وتؤمِّن فرص العمل للشباب، وتشبع عطشهم بنوافذ ثقافية فكرية تربوية فنية إلخ؛ فإن هذا الشاب سيلجأ إلى تفريغ حالات التذمر والظلم بردَّات فعل عنيفة.
الكل يريد أن يتحدث عن التطرّف الحاصل من هؤلاء الشباب، ولا أحد يريد أن يبحث حقيقةً في السبب وراءه لمعالجته، فالمستفيدون من حالة الصراع هذه كثيرون.
12 ـ من خلال ما شاهدناه في غضون السنوات الأخيرة وما حملته من أحداث تخويفية من الإسلام في الغرب (شارلي إيبدو، أحداث باريس …)، مع توجيه البعض لأصابع الاتهام للوبي الصهيوني بأنه الصانع لتلك الأحداث. ألا ترون أن حقيقة الصراع هي صراع قوًى، وأنه لا سبيل للمسلمين للتخلص من كل ذلك ما داموا في الهوان الذي هم فيه؟
حتى لو كان ما تقوله صحيحًا، فأنا لا أحب لفظ “لا سبيل للخلاص” وكأننا لا قدرة لنا على التغيير، مع أنه بوسعنا أن نعمل ولو ببطء، ولو بزمن طويل نسبيًّا على تغيير واقعنا.
برأيي قوة المسلمين في بلادهم تعكس قوة لمجتمعاتهم المغتربة، والعكس صحيح، ولو بنسبة أقل، فالإصلاح ينبغي أن يصل المسلمين جميعًا.
إلى الآن المنظومة الدينية الرسمية في بلاد الإسلام تدور في فلك الحاكم، لا في فلك المصالح الشرعية المعتبرة للأمة، ولو آمن بعض الحكام بقيمة المصالح العامة “المقاصدية”، ورصدوا لها ميزانيات، وأعدوا لها علماء ونشطاء؛ لأشبعت عقول وقلوب الشباب، ولاستثمرتهم في رفع حالة الذل والهوان التي تعترينا، ونهضت بهم إلى منافسة عالمية في كافة نواحي الحياة.
الهمُّ كبير.. العالم بشبابه يقدِّم الخير للبشرية من منظوره الإنساني ونحن منشغلون بالحكم عليه فقط، هل هو حلال أم حرام أم مكروه؟
المشاركة الخامسة.. من: عبد الوهاب علماء كويلان ـ خريج كلية اللغة العربية جامعة الأزهر، وعضو هيئة العلماء المسلمين بجنوب الفلبين – وتتضمن ثلاثة أسئلة (أرقام:13-15):
13 ـ ألا ترون أن سبب تصاعد ظاهرة العداء للمسلمين يغذيه حكام المسلمين من أجل الحفاظ على كراسيهم؟
الحقيقة أنا أحب أن أرى وأسمع حقائق، لا أن تذكر هكذا تكهنات؛ حتى يكون الردُّ أدقَّ وأوضح، وعلى احتمال أن هذا الأمر صحيح، فالمسلمون المغتربون قادرون لو أحسنوا استخدام أصواتهم الانتخابية وأموالهم على منع أي تأثير خارجي ضدهم من حكامٍ مسلمين أو غير مسلمين.
14 ـ كيف نواجه هذه الاتهامات الباطلة للمسلمين وأحيانًا تبدأ من بني جنسنا؟
علينا أن ننشغل بتطبيق الإسلام الذي يرفع الظلم، ويطعم المسكين، ويفتح فرص العمل للناس، وليس الدعوة إليه فكرًا وهيئات تعبدية فقط. علينا أن ننظر للعالم جميعه على أنهم مساحة تعارف وتعاون وتواصل فيما هو خير بيننا ومتفق عليه أخلاقيًّا أو خدماتيًّا أو غيره. علينا بالاهتمام والتركيز والعمل على هذه المسارات الأربع:
1 ـ إصلاح البيت الداخلي أولًا:
ـ لابدَّ من مصالحة بين الملتزم دينيًّا وغير الملتزم.
ـ لابدَّ من ترتيب الأولويات للصالح العام والتوافق عليه.
ـ لابدَّ من ثقافة القبول بالغير كشريكٍ في النهوض.
2 ـ الإيمان بالدعم المادي:
ـ لابدَّ من استثمار مالي ضخم يستوعب إعدادَ الشباب إنسانيًّا.
ـ ثقافة العبادة بعمارة الأرض بمفهوم الشمولية لا “المناسكية”.
3 ـ فتح قنوات مع من يتوافق معنا على القيم:
ـ دور عبادة، رجال دين.
ـ مؤسسات خدماتية.
4 ـ دراسة الواقع:
ـ دوافع الهجوم وأسبابه.
ـ طرق مواجهته.
15 ـ نرى أن هذا العداء يبدأ من الإعلام سواءً كان مرئيًّا أم مسموعًا.. فما الخطوات اللازمة التي يجب أن تُتخذ؟
برأيي أن المسلمين في أمريكا بحاجة إلى زمن طويل لينافسوا إعلاميًّا بمحطة خاصة، قناة “الجزيرة أمريكا” الفضائية مثلًا رغم الدعم الهائل وراءها لا يكاد يشاهدها إلا القلة من الشعب الأمريكي.
أنا أقول على المسلم أن يأخذ زمام الانخراط في قضايا الأمريكي اليومية، والتي تغطيها الماكينة الإعلامية الغربية؛ حتى نأخذ مكاننا الطبيعي بالإصلاح.
الإعلام لن يغطي الإسلام، ولكنه يغطي أنشطة حياتية للأمريكي العادي، كمظاهرات مثلًا لعدم وجود سكن للفقراء، فهل أنا كمسلم سأتواجد معهم لتقديم المسلم على أنه مهتم بشئون المواطن؟
وهذه المنهجية ليست فقط للملتزم دينيًّا في أمريكا من المسلمين؛ بل برأيي هي سبيل أي حراك دعوي في العالم الإسلامي والعربي قبل غيره.
المشاركة السادسة.. من: خالد الأصور – كاتب وباحث إعلامي مصري مهتم بقضايا الجاليات المسلمة في أوروبا – (سؤال رقم: 16):
16 ـ أليس من الأفضل لمعالجة مشكلات المسلمين في الغرب من المنبع تشكيل لوبيَّات وجماعات ضغط للمسلمين في إطار القوانين الأوروبية، وتوجيه الدعم المادي من البلدان العربية والإسلامية لهذه اللوبيات التي تستهدف التأثير في صانع القرار الأوروبي، بدلاً من توجيه الدعم فقط للأعمال الخيرية والاجتماعية أو بالتوازي معها؟
أنا معك 100% بـ(100%).
المشاركة السابعة.. من: سعيد محمد – مدير موقع “مباشر أوروبا” الإلكتروني، من ميلانو بإيطاليا ـ (السؤال رقم: 17):
17 ـ “إذا نظرنا إلى الأعمال المتطرفة في أوروبا التي تلصق بالمسلمين، نجد أن أغلبها يقوم بها شباب لا يمت للإسلام بصلة! لذا علينا توعية وتوجيه الشباب والعناية بهم، وتكثيف دورات وبرامج خاصة بهم، وعلينا في هذه المرحلة أن نتوقف عن بناء المساجد ويوجَّه الدعم لبناء الشباب”.. كيف تُقيِّمون هذا الطرح؟
نعم ولا.. بمعنى نعم للبرامج والدورات، ولا لإلغاء بناء المساجد، بل لاستخدامها لهذه الدورات؛ ففي خضم هذه الهجمات لابدَّ من الدورات بالمساجد حتى يتعرف الناس والمسلمون إلى الدين الصحيح الخالي من الإرهاب، هذا من جهة.
ومن جهة ثانية، المساجد تستقبل الكثير من المسلمين الذين علموا أنهم مهما حاولوا أن يبتعدوا عن الإسلام سيظلون في أعين الغير أنهم مسلمون، وبالتالي لابدَّ من وجود دُور العبادة لتستقبلهم.
ومن جهة ثالثة، الشعب الأمريكي يدرك قيمة دور العبادة في حياة الفرد، وهو يرتاح أكثر الآن لمساجد واضحة الفكر والمنهج مقابل تشدد وتطرف فردي عبر النت وغيره.
المشاركة الثامنة.. من: أحمد التلاوي – باحث مصري في شئون التنمية السياسية – وتتضمن ثلاثة أسئلة (أرقام: 19- 20):
18 ـ هل تتصورون نجاح جهود المواجهة في ظل ما ترتبه أعباء الأزمات الحالية في العالم الإسلامي؟
حالة الإسلاموفوبيا في أمريكا والغرب بلا شك لها مادة ثرية قادمة من بلاد المسلمين والعرب، إضافة إلى ما يحصل حاليًّا في الغرب من مسلمين لاستخدامها من قبل الحاقدين، أما مواجهتها والنجاح في ذلك، فسيرتبط بلا شك بحالة الأزمات التي تشير إليها.
الظلم في البلاد الإسلامية هو مصنع الإرهاب الأول، الجهل والتخلف رافد آخر، ثم انكفاء حالة الإصلاح الاجتماعي، دينيًّا كان أم مدنيًّا، يزيد من رصيد هذه الأزمات، ولكن لابدَّ من النهوض بالمستطاع، والله تعالى يسألنا عن الجهد لا عن النتائج. المهم أن نكون على قدر الوعي في طرق المواجهة حتى لا تضيع الجهود سُدًى.
19 ـ وهل الجهد كافٍ أم مطلوب تعاون من الحكومات والمؤسسات المعنية مثل الأزهر والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين؟
على مستوى الغرب، أصبح من الصعب تمرير أي تعاون مؤسساتي إسلامي خارجي مع داخلي غربي، اللهم إلا إذا كان ضمن دوائر حكومية مرضيٍّ عنها من الطرفين. هناك خوف من مسلمي أمريكا من أي تنسيق مع أي جهة خارجية قد تدرج لاحقًا على لوائح إرهاب وغيره؛ مما قد يضرب جهود سنين بُذلت هنا. القادم – برأيي – هو مجهودات محلية أمريكية.
20 ـ وكيف تتصورون مسارات هذا التعاون؟
برأيي، لابدَّ من إشراك مؤسسات غير إسلامية وخطِّ طرقٍ إنسانيَّة تعتني بالإنسان كإنسان لا كمسلم فقط.
المشاركة التاسعة.. من: محمد سامي بن جلول ـ مستشار اقتصادي بالسفارة الإيطالية بالمغرب، وعضو جمعية الجالية الإسلامية بريجو إميليا بإيطاليا، ومهتم بشئون الأقلية الإسلامية في أوروبا – وتتضمن ثلاثة أسئلة (أرقام: 21 – 23):
21 ـ هل تصاعد ظاهرة الإسلاموفوبيا الذي يساهم فيه الإعلام الغربي بشكل كبير، بسبب غياب العمل الإسلامي في الميدان الاجتماعي والسياسي والإعلامي، بحيث أصبح الإنسان الغربي لا يعرف عن الإسلام سوى الجرائم المنسوبة إليه، ولا يرى واقعًا مُعاشًا ونافعًا وملموسًا؟
ربما، ولكنَّ المسلمين الآن أكثر وعيًا أنه لابدَّ من السير للأمام وبقوة في المنظومة الخدماتية العامة للناس جميعًا.
أولادنا لن يعودوا إلى الشرق، هذه بلادهم وهم يؤمنون بأن دينهم سيساهم بإيجابية في بناء مجتمع أفضل لغيرهم ولهم مع باقي أبناء الملل الأخرى.
الكثير من المؤسسات الإسلامية بدأت وبقوة بالعمل العام، وأنا أستبشر خيرًا بالسنوات الخمس القادمة أن: المسلمين سيبدءون يحصدون تواصلًا طيبًا مع شرائح المجتمع، وليس – برأيي – في هذه المرحلة الحصاد السياسي، بل الحصاد الاجتماعي أولًا.
22 ـ هل عدم النضج وعدم الاستقلالية والعشوائية والنهج غير المؤسساتي في الإدارة، إضافة إلى حالات الاستقطاب القطري داخل المراكز الإسلامية في أوروبا، يجعلها عاجزة عن مواجهة وإدارة ظاهرة الإسلاموفوبيا؟
أنا كغيري من الناس يرى المآسي التي تعيشها مؤسساتنا، ولكني مليء بالأمل، إن شاء الله.
المسلمون في أمريكا، بل قُل في بلاد العرب حركات إسلامية وغيرها ما زالوا يعيشون بعقلية الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي. التغير قادم لو أحسنّا استخدام البيئة الحرة المنفتحة في الغرب لربط الجيل الجديد بدينه الأصلي مع بيئة متحررة.. يبقى الزمن له دورته.
23 ـ هل الاستنكار والتنديد ورفض التّهم عند كل جريمة أمور كافية لمواجهة هذه الظاهرة؟
بالطبع لا، والمواجهة للعداء ينبغي أن تكون على كافة المستويات.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
**مرصد الأقليات المسلمة ـ يناير 2016م