مسلمون حول العالم
نافذتك إلى أخبار الأقليات المسلمة

ألكسندر راسل ويب.. مؤسس الصحافة والدعوة الإسلامية في الولايات المتحدة

عمل قنصلا أسبق للولايات المتحدة في الفلبين وكان قد سلك قبلها طريقه إلى الإسلام وحده

مسلمون حول العالم ـ متابعات

على الرغم من دوره التأسيسي في تاريخ الإسلام في الولايات المتحدة، فقد بقي ألكسندر راسل ويب منسيا لعدة عقود إلى أن أحيا ذكره بعض المسلمين الجدد في أربعينيات القرن العشرين.. فماذا تعرف عنه؟

بقلم الدكتور مجدي سعيد ـ كاتب صحفي مقيم في لندن

في ختام كتابه عن سيرته، نقل الدكتور عمر الفاروق عبد الله، قول أحد مسلمي الهند في وصف الرجل إنه “المسلم الصحيح، الذي يعرف روح الإسلام، فلم يكن مفرطا في العقلانية ولا جافا، لكنه كان مستحقا لكنز الإسلام المقدس كما ينعكس في السادة الروحيين من أمثال الغزالي والرومي، كان قلب ويب مقتنعا، ممتلئا بحب الله وحب نبيه”.

إنه الصحفي الأمريكي ألكسندر راسل ويب Alexander Russel Webb (1846 – 1916)، والذي عمل قنصلا أسبق للولايات المتحدة في الفلبين، والذي سلك طريقه إلى الإسلام وحده عبر رحلة روحانية طويلة، والذي وضع البذور الأولى للدعوة والصحافة الإسلامية في الولايات المتحدة في أواخر القرن التاسع عشر.

نشأته الأولى

ولد ألكسندر عام 1846 لأسرة من الطبقة المتوسطة، حيث امتلك والده مطبعة وصحيفة في منطقة وادي نهر هدسون في ولاية نيويورك، وتلقى تعليمه الأولى في مدرسة بمنطقة جلينديل في ماساتشوستس، ثم درس في كلية كليفاراك وهي إحدى المدارس العليا المتميزة في هدسون في ذلك الوقت والتي أكسبته حب القراءة، والقدرة على التواصل الفعال في المجتمع، والتفكير النقدي. وفي عام 1869 انتقل للعيش في شيكاغو، حيث شارك في مشروع لتجارة الذهب والمجوهرات، وتزوج زيجته الأولى، لكنه فقد مشروعه وزوجته في حريق ضخم شب في المدينة.

تميزه في الصحافة

وإن كان قد عمل في مجالات أخرى لفترات قصيرة مثل التجارة، والمسرح والسيرك، إلا أن عمل ألكسندر الأبرز كان في ميدان الصحافة، حيث اكتسب شهرته كصحفي ومحرر بارز في عدة صحف، خاصة في ولاية ميزوري الأمريكية بداية من عام 1874، حيث عمل في صحيفة يونيوفيل ريبابليكان، بمدينة يونيونفيل، وسانت جوزيف جازيت، وميزوري مورننج جورنال في مدينة سانت جوزيف، ثم عمل في ميزوري ريبابليكان في مدينة سانت لويس.

بدايات التحول

وأثناء عمله في تلك الصحيفة الأخيرة تم تعيينه من قبل الرئيس الأمريكي الأسبق جروفر كليفلاند في سبتمبر من عام 1887 للعمل كممثل قنصلي للولايات المتحدة في الفلبين التي كانت في ذلك الوقت تحت الاحتلال الإسباني، حيث استمر في عمله حتى عام 1892. وقبل ذلك التاريخ وتحديدا في عام 1888، أثناء عمله في مانيلا قنصلا، تحول إلى الإسلام، لكن تحوله ذاك لم يكن فجائيا، فقد سبق ذلك رحلة روحية طويلة تعود جذورها إلى عام 1872، وربما قبل ذلك.

فقبيل انتقال ألكسندر إلى شيكاغو، وتحديدا عام 1865، كانت الحرب الأهلية الأمريكية قد انتهت، وبسبب دور الكنيسة في كل من الولايات الشمالية والجنوبية في تأجيج نار الحرب، فقد كثير من الناس اهتمامهم بالدين، وثقتهم في المعتقدات، فقل الذهاب للكنائس، وخاصة الكنائس السائدة آنذاك، وقد جاءت الصدمات الشخصية التي تعرض لها ألكسندر في شيكاغو، ليضع هذا الجو العام بصمته الشخصية عليه، ليدخل في أعوام من “التشرد الروحي” بداية من عام 1872، فقد فيها اهتمامه بالدين، وكما قال ألكسندر في أحد حواراته اللاحقة، فإنه ظل لعدة أعوام بلا دين على الإطلاق، وغلبت عليه الحياة المادية.

وعندما استفاق ألكسندر من صدمته الروحية، وبسبب فقدانه الثقة بالمسيحية الكنائسية منذ صباه، وتوافقا مع الاتجاه الروحي بحثا عن بدائل روحية في الشرق، والذي ساد في فترة ما بعد الحرب الأهلية، فقد اجتذبت البوذية في البداية اهتمامه في إطار انتمائه للحركة الثيوصوفية، وهي الحركة التي تأسست في الولايات المتحدة في القرن التاسع عشر، وتهتم بالفلسفة الباطنية وتعكس الاهتمام المتصاعد بالجوانب الروحية في كل من الفلسفات الغربية القديمة والديانات الشرقية.

كانت القراءات الطويلة لمدة 4 إلى 7 ساعات يوميا، والتفاعل مع الحركات الثيوصوفية والبوذية الأمريكية، هي أداته في رحلة التحول تلك، إلا أنه وفي النهاية، لم يجد البوذية كافية لإشباعه روحيا، ومن ثم استمر في رحلته بحثا عن بديل “شرقي” آخر، وقبيل عامين من سفره إلى مانيلا، جاءت الخطوة الأولى في رحلته نحو الإسلام عبر المراسلة مع شخصية مثيرة للجدل، وهي ميرزا غلام أحمد (مؤسس الأحمدية فيما بعد).

وكما يؤكد الدكتور عمر الفاروق عبد الله كاتب سيرة ويب، لم يكن ولم يصبح ألكسندر راسل ويب يوما ما أحمديا، بل حتى إن ميرزا غلام أحمد نفسه، كان وقت مراسلة ويب معه أحد علماء الهند البارزين، ولم يكن قد أعلن ادعاءاته الأحمدية بعد، ومن هنا جاءت مراسلات ويب معه، حيث تبادلا 3 رسائل، كان فيها ويب يسأل عما يشغل باله، وروحه، وكان غلام أحمد يجيبه، لكن تلك الرسائل كانت مجرد بداية، ظل بعدها ألكسندر يقرأ ويبحث ويفكر عامين حتى خطا خطوته الأخيرة نحو التحول للإسلام بعد تسلمه وظيفته الجديدة كقنصل، ولم يكن حتى تلك اللحظة قد رأى أي مسلم في حياته.

إستقالة وتفرغ

وقد جاءت الخطوة التالية في حياة ويب حينما تعرف على أحد الرجال من بومباي كان في زيارة إلى مانيلا، والذي قام بدوره بتعريفه بأحد تجار المدينة المسلمين وهو “بدر الدين كر”، والذي تبادل معه ويب المراسلات والتي أشار فيها إلى أهمية الترويج للإسلام في الولايات المتحدة، وإلى ضرورة أن يضطلع أحد بهذه المهمة، كون الأرض مهيأة نتيجة بروز اتجاه البحث عن بدائل دينية وروحية شرقية، وهو ما عبر عنه أيضا من خلال المقالات التي كان ينشرها في صحيفة “الله أباد ريفيو” الهندية، وقد حرص “كر” كذلك على نشر مراسلاته مع ويب في الصحافة الهندية، وهو ما لفت انتباه الحاج “عبد الله عرب” أحد كبار التجار من مدينة كلكتا الهندية، والذين يعمل تاجرا في الحجاز بالأساس، ومن ثم بدأت مراسلات بين عرب وويب في مارس من عام 1891، حيث دعاه الأخير لزيارته في مانيلا، وهي الزيارة التي حدثت في مارس من عام 1892، واتفق فيها الطرفان على أن يستقيل ويب من وظيفته، وأن يبدأ مهمة للتعريف بالإسلام في الولايات المتحدة، على أن يقوم عرب بعد حملة تمويلية في الهند بدعم هذه المهمة ماليا لمدة 5 أعوام، ووقعوا عقدا بذلك.

وقد أرسل ويب بالفعل رسالته للخارجية الأمريكية بالاستقالة في 7 يوليو 1892، وسافر إلى كل من بورما والهند في زيارة امتدت لستة أشهر.

خلال رحلته الشرقية، زار ويب كل من رانجون في بورما، وكلكتا وباتنا، وبومباي ومدراس، وحيدر أباد وبونا، وأجرا ولاهور في الهند، واستقبل في كل المدن استقبالا حافلا من مجتمع المسلمين، وألقى خلال رحلته العديد من المحاضرات، وأجرت معه الصحافة الإسلامية في الهند عدة مقابلات، وقد نشر عدد من محاضراته بعد ذلك في كتيبات، وعلى الرغم من طول زمن الرحلة والحفاوة التي قوبل بها، فإن الغرض التمويلي من الجولة في المدن الهندية لم يتحقق بالشكل المرجو، حيث كانت البلاد واقعة تحت تأثير ركود اقتصادي عالمي. ورغم ذلك فإنه كان عازما على إتمام مهمته، ومن ثم غادر الهند بعد تلك الرحلة عائدا للولايات المتحدة ليصلها في فبراير من عام 1893، ليبدأ مهمته في التعريف بالإسلام عبر كل الوسائل الممكنة في زمانه.

بدأ ويب بتأسيس مهمته والتي أطلق عليها الدعاية الإسلامية الأمريكية” Islamic Propaganda، في فبراير من عام 1893، وحدد لها هدفين تعليمي ومعلوماتي حول الإسلام، وخلال عمر المهمة القصير، أصدر ويب عدة صحف أولها “مسلم وورلد” Moslem World والتي أصدرها في مايو من عام 1893، ثم أصدر بعدها حتى أوائل عام 1896 عدة الصحف قصيرة العمر، وهي: “فويس أوف إسلام” Voice of Islam، و”ذا مسلم وورلد” The Moslem World، ثم كانت صحيفته الإسلامية الأخيرة “ذا مسلم وورلد آند فويس أوف إسلام” The Moslem World and Voice of Islam ثم توقف نشاطه في هذا المجال.

وخلال فترة نشاطه ما بين 1893 و1896 شارك ويب في المجال العام للحديث عن الإسلام من خلال المحاضرات والأحاديث في الصالونات الأدبية التي انتشرت في تلك الفترة والتي طاف من أجلها بعدة ولايات، لكن أهم ما قام به ويب في تلك الفترة مشاركته في “البرلمان العالمي الأول للأديان” The First World’s Parliament of Religions بمحاضرتين خلال شهر سبتمبر من عام 1893، جاءت الأولى بعنوان روح الإسلام The Spirit of Islam، وكانت محاضرته الثانية عن تأثير الحالة الاجتماعية The Influence of Social Condition. وقد أحدثت المحاضرات صدى كبير، ونتج عن مشاركة ويب في المؤتمر علاقات جيدة استثمرها في مشاريعه الصحفية مع المتعاطفين مع الإسلام وأصحاب العقول المنفتحة من المسيحيين المشاركين في البرلمان الأول للأديان، وهي المحاضرات التي نشرت في عدة تقارير تناولت مجمل أعمال البرلمان.

وخلال فترة نشاطه، أصدر ويب بعض الكتيبات حول الإسلام، منها كتاب “المحاضرات الثلاث” The Three Lectures والذي ضم من محاضراته الهندية، محاضراته في كل من بومباي وحيدر أباد ومدراس، و”الإسلام في أمريكا” Islam in America والذي نشر في أبريل من عام 1893، و”دليل الصلاة” A Guide to Namaz وقد صدر أيضا في نفس العام. كما صدر له كتابان غير موقعين باسمه وهما: “بعض حقائق قليلة حول تركيا” A Few Facts about Turkey وصدر في أوائل عام 1895، و”الاضطرابات الأرمينية” The Armenian Troubles وصدر في أوائل عام 1896.

استخدم ويب خلال فترة نشاطه أسلوبا فريدا يقوم على التواصل الشخصي، من خلال ما أسماه “حلقات الدرس” study circles والتي كانت تضم 5 أفراد بحد أقصى من المسلمين والمتعاطفين مع الإسلام، لمدارسة ما هو متاح من كتب أو أي مصادر مقروءة حول الإسلام، والنقاش حول الإيمان الإسلامي، والتي بلغت 6 حلقات، انتشرت في عدد من المدن الأمريكية ضمت مانهاتن، وواشنطن دي سي، وبروكلين وسان فراسيسكو وبويبلو، وساعده في إدارتها أحد المسلمين الجدد من نيوجيرسي وهو إيه إل روسون A L Rowson والذي كان على صلة جيدة بتجربة عبد الله كويليام في بريطانيا.

لم تستمر مهمة ويب كثيرا، حيث انتهت في بدايات عام 1896، وذلك نظرا لعدم وفاء الطرف الهندي بما وعد به كاملا من حيث الرعاية المالية للمشروع، كما كان لضعف قدرات ألكسندر ويب في إدارة المشروع، وحماسه الزائد الذي جعله يبدأ بالإنفاق على تجهيزات لوجيستية استهلكت الجزء القليل من التمويل الذي تسلمه، وقد كان يحاكي في تجهيزاته وأحلامه مشروع “معهد مسلمي ليفربول” الذي أسسه عبد الله كويليام، وذلك على الرغم من عدم امتلاك ويب لمجتمع مسلم كالذي أسسه كويليام، وعلى الرغم من عدم حصوله على التمويل الكافي الذي استطاع الأخير الحصول عليه.

لم تتميز السنوات العشرين التي بقيت من عمر ويب بالكثير، سوى عودته للعمل بالصحافة، ومحاولاته غير الموفقة للعمل في التجارة، وتعيينه قنصلا فخريا للدولة العثمانية في نيويورك في سبتمبر من عام 1901، ثم دعوته لزيارة إسطنبول في نفس العام ومنحه لقب بك، والنيشان المجيدي من الطبقة الثالثة، ووسام الاستحقاق العثماني. وقد عانى ويب من مرض السكري في أعوامه الأخيرة وتوفي متأثرا به في أكتوبر من عام 1916.

وعلى الرغم من دوره التأسيسي في تاريخ الإسلام في الولايات المتحدة، فقد بقي ألكسندر راسل ويب منسيا لعدة عقود إلى أن أحيا ذكره بعض المسلمين الجدد في أربعينيات القرن العشرين، كما تناولته إحدى الدراسات الأكاديمية الحديثة، لكن أول كتاب تناول سيرته الذاتية وسمات العصر الذي عاش فيه كان ذلك الكتاب الذي أعده الدكتور عمر الفاروق عبد الله رئيس مؤسسة النووي التعليمية في شيكاغو، والذي نشر عام 2006 بعنوان “مسلم في أميركا الفيكتورية.. حياة ألكسندر راسل ويب” A Muslim in Victorian America.. The Life of Alexander Russel Webb. وقد أعاد بعض الناشرين مؤخرا نشر أعماله في طبعات حديثة، كما قام البعض بجمع بعض أعماله التي لم تجمع في حياته في كتب جديدة.

https://www.facebook.com/magdy.said.96558/posts/pfbid0eEhrEC4GoZoAhDnFL39WKiF9wbMKHfdeR7p1tLxzhgdCsWN5t8gt7aqeJMqqu4vGl

 

التخطي إلى شريط الأدوات