مسلمون حول العالم
نافذتك إلى أخبار الأقليات المسلمة

قصور إعلامي وتوثيقي في ملف الأقليات المسلمة

حول الدور الصحيح والإيجابي المطلوب تجاه "الأقليات المسلمة المضطهدة"

الأقليات المسلمة المضطهدة.. والقصور الإعلامي والتوثيقي

شغلني كثيراً التفكير حول الدور الصحيح والإيجابي المطلوب تجاه “الأقليات المسلمة المضطهدة” حول العالم، سواء أكان هذا الدور من قبل مؤسسات هذه الأقليات المضطهدة، أم دورنا نحن كإعلام ومؤسسات مجتمع مدني تجاه القضية أولاً بشكل عام وتجاه دعم مؤسسات هذه الأقليات بشكل خاص كي تقوم بالدور المطلوب منها لنصرة قضيتها العادلة.

وسبب انشغالي بهذا الملف أنني لاحظت ضعفا وقصورا كبيرين -ربما غير مقصودين لكنهما في الوقت ذاته غير مبررين- من قبل مؤسسات ونشطاء الأقليات المضطهدة، ويتمثل ذلك في أمرين:

أولاً: في التعرف على حقيقة ما يجري على الأرض هناك وتوصيل ذلك إلى مختلف وسائل الإعلام العالمية.

ثانياً: توثيق كافة هذه الانتهاكات بشكل دقيق واحترافي حتى تتم محاسبة مرتكبيها مستقبلاً حال تغير الظروف؛ فالحقوق لا تهدر بسسب تأخر الوقت أو انعدام إمكانية المحاسبة في وقتها.

ومن أبرز قضايا اضطهاد الأقليات المسلمة -على سبيل المثال لا الحصر- في منطقة شرق وجنوب شرق آسيا منطقتان نجد صعوبات بالغة ـ حتى أن أهلها المقيمين خارجها يواجهون نفس الصعوبات ـ في التعرف على ما يجري هناك من انتهاكات، كما نلاحظ غيابا تاما لدور المؤسسات الحقوقية التي يشرف عليها أبناء هذه الأقليات في توثيق هذه الانتهاكات؛ والمنطقتان هما:

1 ـ مسلمو الروهنجيا في ولاية أركان غرب ميانمار/ بورما سابقاً.

2 ـ مسلمو الأويغور في إقليم تركستان الشرقية (شينكيانج) في غرب الصين.

معطيات الواقع.. ومنطلقات المستقبل

ما تحتاجه هذه الأقليات المسلمة المستضعفة هو دراسة واقعهم الحالي، ومن معطيات الواقع استخراج منطلقات التحرك المستقبلي لتحقيق حلمها التاريخي.

فقد أصبح واضحاً بعد مرور سنوات طوال من الاضطهاد وتواصل الانتهاكات وعدم توقفها بالرغم من انتقادات المجتمع الدولي التي تعلو حيناً وتخفت أحيانا أخرى كثيرة؛ أن تغير مجريات الأمور مرتبط بتغير مواقف أصحاب القضية وأنصارهم:

فقد باتت الكرة في ملعب مؤسسات الأقليات المسلمة المستضعفة، وليس من سبيل أمامها سوى السعي لإحداث اختراق في موقف المجتمع الدولي عبر بدء حراك مدني إنساني عالمي يجبره على التدخل ووقف هذه الانتهاكات المتواصلة بحقهم وحاسبة من يقف خلفها.
الحقيقة الثانية أضحت واضحة بأن مؤسسات الأقليات المضطهدة بمفردها لا تقوى على بدء هذا الحراك ولا على القيام بالدور المطلوب منها، وأنها بالفعل في حاجة لدعم المؤسسات الإسلامية والإنسانية معاً الرائدة لتطويرها.
وبناء على هذه المعطيات أجد نفسي مضطراً لتوجيه عتاب بل نقد للمؤسسات الإسلامية المعنية وأحملهم المسئولية عن دعم تطوير بل إنشاء وتأسيس مؤسسات الحراك المدني المطلوب من أبناء الأقليات المسلمة أنفسهم كي يستطيعوا القيام بدورهم في نصرة قضيتهم بالشكل الصحيح والمطلوب.

كما أوجه عتابا آخر إلى مؤسسات الأقليات المسلمة المضطهدة والعاملة خارج بلدانهم نظراً لعدم إمكانية العمل من داخلها؛ فليس لهم أي عذر في عدم تطوير أنفسهم وبناء قدراتهم وتدريب فرق عملهم ووضع رؤية إستراتيجية لمراحل كفاحها المدني السلمي القانوني لتحقيق مشروعهم الوطني في إطار “الدولة الواحدة” مع استبعاد أي فكرة للانفصال أو الاستقلال، والتركيز فقط على نيل كافة حرياتهم الدينية وكامل حقوقهم العرقية كمواطنين أصلاء مثلهم مثل غيرهم من مواطني الدولة التي يعيشون داخل حدودها السياسية حالياً.

حراك مدني ورؤية إستراتيجية

إذن المطلوب هو بدء حراك مدني شامل على كافة المسارات وبشكل تخصصي احترافي للنهوض بالأقليات المسلمة المضطهدة مثل ميانمار (بورما سابقاً) أو تركستان الشرقية (إقليم شينكيانج)، أو غيرهما من الأقليات المسلمة التي لا تزال تعيش تحت اضطهاد شديد هضمت فيها كافة حقوقها وحرياتها وتم تهميشها عن باقي مكونات الشعب في دولها.

كما أنه يسبق خطوة الحراك المدني الذي يهدف لرفع الظلم ونيل الحقوق؛ وضع رؤية إستراتيجية له تعجز عن وضعها بمفردها مؤسسات الأقليات المسلمة المضطهدة نظراً لحالة الضعف والقصور وقلة الإمكانيات، وتشتتهم في كثير من الدول وعدم استقرارهم بها لعوامل متعددة؛ وهو ما يعني أنه لا بد أن تساهم في وضع هذه “الرؤية الإستراتيجية” كافة المؤسسات الرائدة في العالم الإسلامية العاملة في مختلف المجالات.

وهنا في هذا المقال أتطرق فقط لمسار الإعلام والتوثيق باعتباره بداية أي تحرك صحيح نحو المعالجة السليمة للأزمات التي تتعرض لها هذه الأقليات.

الإعلام والتوثيق

من خلال متابعتي الإعلامية لواقع كثير من الأقليات المسلمة المضطهدة؛ لاحظت أن القصور الحادث في معرفة ما يجري على الأرض لا يتوقف فقط على الدور الإعلامي ومؤسساته وهو الأهم لكشف الانتهاكات؛ بل يتعداه إلى المؤسسات الحقوقية والتي من شأنها القيام بتوثيق احترافي دقيق لهذه الانتهاكات وإعداد ملفات ضد مرتكبيها لتقديمها للمؤسسات الحقوقية الدولية تمهيدا للمطالبة بمحاسبة من قام بها مستقبلاً.

وأضرب مثالين لهذا القصور المتعلق بهذين المسارين (الإعلامي والحقوقي):

1 ـ المؤسسات الإعلامية:

لاحظت أن الوكالات والمواقع الإعلامية للأقليات المسلمة المضطهدة لديها إشكالية كبيرة في التعرف على مجريات الأمور في بلدانها؛ فتراها تنقل أخبار الانتهاكات عن مواقع إعلامية أخرى، وغالبيتها وكالات دولية غربية، بالرغم من أنهم من أهل البلاد وإن كانوا يقيمون خارجها نظراً للاضطهادات، الأمر الذي يفرض عليهم وعلى المؤسسات الإعلامية الإسلامية التعامل مع هذا التحدي باحترافية ودراسة سبل معالجة هذا الخلل والقصور في الدور الإعلامي.

2 ـ المؤسسات الحقوقية:

ما يصل من معلومات عن الانتهاكات على سبيل المثال في كل من بورما أو تركستان الشرقية غالباً ما يأتي عبر الفارين من هناك؛ وعلى الرغم من تحدث مؤسسات الإعلام ونشطاء تلك الأقليات عن هذه الانتهاكات إلا أننا نجد عدم قيامهم بعملية التوثيق لها بشكل احترافي؛ مما يجعل الأمر أقرب لسرد قصص حول المعاناة للعالم تستقطب تعاطفهم ولكنها لا تستوجب محاسبة المسئوليين عن هذه المعاناة..

وعلى سبيل المثال لا الحصر أقدم اقتراحا عمليا لأهل هاتين المنطقتين (بورما وتركستان الشرقية) وأحث المؤسسات الإعلامية والحقوقية سواء الإسلامية أو الإنسانية دعمهم للنجاح في هذه العملية التي تأخرت كثيراً: وذلك بأن يتم فتح مكتب رسمي لاستقبال هؤلاء اللاجئين الفارين من جحيم الانتهاكات بالدول التي يفرون إليها، واستقبالهم وتوثيق كافة الانتهاكات التي يتحدثون عنها بما فيها أسماء الأشخاص ومناطقهم، وماذا حدث؟ ومتى حدث؟ ومتابعة المستجدات بشأنهم، ثم مقارنة هذه المعلومات بتصريحات مماثلة من آخرين لمعرفة الحقيقة والتثبت منها.

وهذا يعني أهمية وضرورة إطلاق مؤسسة حقوقية متخصصة احترافية لتوثيق هذه الانتهاكات لتقديمها للمجتمع الدولي لمحاسبته على صمته مع مرتكبي الانتهاكات مستقبلاً حينما تتاح الظروف لذلك.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المجتمع ـ 03 يوليو 2017 ـ هاني صلاح

 

التخطي إلى شريط الأدوات