مسلمون حول العالم
نافذتك إلى أخبار الأقليات المسلمة

المعلمة البلغارية “فكرية”: تحقق حلم حياتي بنشر هذا الدين في ظلال الحرية

حوار خاص مع المعلمة "فكرية نظمي أفديكوفي" حول مسيرتها الدعوية والتعليمية خلال 12 عامًا في دورات القرآن الكريم بمساجد بلغاريا

مسلمون حول العالم ـ خاص
أجرى الحوار: هاني صلاح

“أهم أولوية في حياتي أن أنشر هذا الدين في أجواء من الحرية بعيدًا عن الخوف والقلق؛ فقد عشت بنفسي في طفولتي أوقاتًا صعبة رأيت فيها كيف يتم نشر الدين سرًّا؛ خشية الاعتقال والتعذيب بسبب النظام الشيوعي البلغاري وقتها”.

بهذه الكلمات التي تسطع بمشاعر الفرح والسرور، عبَّرت الداعية والمعلمة بدار الإفتاء العامة في بلغاريا “فكرية نظمي أفديكوفي”، في حوار خاص مع “مسلمون حول العالم”، عن سعادتها بتحقُّق حُلم حياتها بأن تنشر الدين الإسلامي في أوساط مسلمي بلغاريا -الذين حرموا منه على مدار عقود متتالية خلال الحقبة الشيوعية؛ مما خلق أجيالًا لا تعرف الإسلام- وذلك في أجواء من الحرية تحققت بعد سقوط الشيوعية في بلغاريا نهاية القرن الماضي.

حول مسيرتها الدعوية والتعليمية في مساجد منطقتها في جنوب غرب بلغاريا، التي امتدت نحو 12 عامًا منذ العام 2010م، كان هذا الحوار الخاص..

وإلى الحوار..

المحور الأول: التعريف بضيفة الحوار

ـ اعتدنا في بداية حواراتنا الصحفية على تقديم ضيوفنا لجمهور موقعنا؛ لذلك نرجو من حضرتك التكرم بتعريف أنفسكم.. تعريفًا إنسانيًّا اجتماعيًّا مهنيًّا؟

السلام عليكم، بدايًة أشكركم على هذا الحوار..

اسمي “فكرية نظمي أفديكوفي”، من قرية مسلمة شهيرة اسمها “ريبنوفو”، وتقع في مقاطعة “بلاغوفغراد”، في جنوب غرب جمهورية بلغاريا.

تخرجت من “المعهد الإسلامي العالي” في مدينة صوفيا، التابع لدار الإفتاء العامة في بلغاريا، وتخصصت في الفقه الإسلامي. كما قدمت العام الماضي في كلية الفلسفة في جامعة بمدينة “بلاغويفغراد”.

أعمل معلمة في دورات القرآن الكريم منذ العام 2010م، وهي دورات صيفية مدتها شهران خلال عطلة المدارس السنوية للتلاميذ، وكذلك دورات شتوية مدتها ثمانية أشهر، وتتم في العطلات الأسبوعية (يومي السبت والأحد) في مساجد منطقتنا.

وبصفتي مدرسة للعلوم الدينية، ونظرًا لأن قانون التعليم في بلغاريا يسمح بتدريس مادة الدين مرة أسبوعيًّا، فأنا أقوم بتدريس مادة الدين الإسلامي للتلاميذ المسلمين في مدرسة “SU Yordan Yovkov”، وذلك للتلاميذ من الصف الأول إلى الصف الرابع الابتدائي.

المحور الثاني: تجربة ضيفة الحوار الشخصية

ـ كيف بدأت مسيرتكم الدعوية والتعليمية؟

ـ بدأت تدريس الدين الإسلامي في قريتنا عام 2010م.

وتعود رغبتي في تدريس الإسلام إلى طفولتي، فقد كان جدي واسمه “جمال” إمام قريتنا. وفي كثير من الأحيان عندما كنت طفلة كنت أشاهده وهو يعلم الناس على الرغم من أن ذلك كان صعبًا جدًّا وخطرًا في وقت الشيوعية، ودائمًا كان يقوم بتعليم الناس أمور دينهم في الخفاء بسبب منع السلطات الشيوعية في بلغاريا وقتها أي مظهر من مظاهر الدين.

حقيقة لقد أخبرنا جدي “جمال” كثيرًا كيف تم اعتقاله وتعذيبه من قبل السلطات الشيوعية في بلغاريا، بسبب نشاطه الدينه ودوره في تعليم المسلمين دينهم.

كذلك جدتي “صفية” -البالغة من العمر الآن 94 عامًا- روت لنا وهي تذرف الدموع عن تلك الأوقات الصعبة، وكيف تم تعذيبها كذلك مع زوجها، فقط لأنهما رفضا تغيير أسمائهم الإسلامية أو التنازل عن ممارسة شعائر دينهم.

بعد سنوات، بدأ والدي “نظمي” العمل إمامًا في قرى ومدن مختلفة في بلغاريا، وهذا ما دفع بالنساء في قريتنا لدعوتي لتعليمهم مبادئ الإسلام، نظرًا لانحداري من بيت اتَّسم أهلُه أبًا عن جد بالتدين والعلم بالدين.

حقيقةً شعرت بفرح كبير؛ لأنها كانت غايتي منذ الطفولة أن أصبح مثل جدي أو والدي أُعلّم الناس الإسلام؛ ولكن في الوقت نفسه انتابني شعور بالخوف من عدم النجاح، وسألت نفسي عما إذا كنت أستحق هذه المرتبة.

ولكن ما إن بدأت في التدريس حتى بدأت في التأقلم ومواجهة أي تحديات أو عقبات تواجهني، ولم أفكر في التوقف أو الاستسلام على الإطلاق؛ فقد بدأت مسيرتي في تدريس العلوم الدينية بحماس كبير، وما زلت مستمرة حتى يومنا هذا، الحمد لله.

ومع مرور الوقت، انتظمت هذه الدروس في مسجدنا وزادت أعداد الحاضرين فيها، سواء من الأطفال البنين أو البنات أو حتى من السيدات من كبار السن؛ لذا قلت لنفسي إنه كي أكون مدرسة مفيدة لكل هؤلاء يجب أن أواصل تعليمي الجامعي في تخصص الدراسات الإسلامية، وهذا ما دفعني كي أسجل في “المعهد الإسلامي العالي” في العاصمة صوفيا، كما واصلت دراستي الجامعية في تخصص الفلسفة.

ـ كداعية ومعلمة.. ماذا كانت أهم أولوياتكم في عملكم؟

أهم أولوية لي في حياتي أن أنشر هذا الدين في أجواء من الحرية بعيدًا عن الخوف والقلق؛ فقد عشت بنفسي خلال مرحلة الطفولة أوقاتًا صعبة رأيت فيها كيف يتم نشر الدين سرًّا؛ خشية الاعتقال والتعذيب بسبب النظام الشيوعي البلغاري وقتها؛ لذا كان حلم طفولتي أن نتعلم الإسلام بأنفسنا ونُعلمه لغيرنا في حرية تامة. والحمد لله هذا ما تحقق بعد سقوط الشيوعية في بلغاريا.

أولًا، منذ سنوات وحتى اليوم، أسعى جاهدة لبناء نفسي وتحصيل العلوم ليس الدينية فقط، بل والمعرفية الحياتية لكي أستطيع تحقيق النجاح في هذه الرسالة، وهو كما ذكرت من قبل السبب في حصولي على شهادة معهد صوفيا الإسلامي، ثم مواصلة دراستي في الفلسفة حاليًّا.

وثانيًا، لا أترك أي فرصة تتسنى لي لتعليم الأطفال أو النساء الكبار إلا انتهزتها وسارعت إليها بكل سعادة، وأحرص على أن أكون سببًا في تعلم الآخرين مبادئ دينهم الأساسية.

ـ وما أبرز العقبات والتحديات التي واجهتكم أثناء دوركم الدعوي والتعليمي؟

بلا شك فإن إرث الشيوعية التي سعت على مدار عقود طويلة لمحو الهوية الدينية لدى مسلمي بلغاريا تركت بصماتها على أجيال متعاقبة، ويمثل فهم الإسلام بشكل صحيح أحد أبرز وأكبر العوائق.

على سبيل المثال لا الحصر، في بداية عملي كانت هناك صعوبات كبيرة في إقناع النساء الكبار بأن يحضرن دروس المسجد لتعلم مبادئ الإسلام الأساسية؛ لكن كان لديهن قناعة بأن وقت التعلم قد مضى، وأنه قد فاتهن قطار التعلم، ولا توجد فرصة أمامهم لذلك مع هذا العمر.

مع عدد آخر من التحديات الطبيعية، ولكن بمرور الوقت والسنوات زالت بعض هذه العقبات، واستطعنا التعامل بشيء من الحكمة والتصرف السليم مع العقبات الأخرى.

ـ إذن، على المستوى الشخصي، وبعد نحو 12 عامًا من الدعوة والتعليم، وبلغة الأرقام، ما أبرز إنجازاتكم ونجاحاتكم في مسيرتكم الدعوية والتعليمية؟

ـ على المستوى الشخصي، وبلغة الأرقام، نجد أن هناك نجاحات وإنجازات قد تحققت بالفعل منذ أن بدأت قبل 12 عامًا، وعلى سبيل المثال لا الحصر:

1 ـ فيما يتعلق بدورات القرآن الكريم في المساجد للنساء والأطفال:

أ ـ التعليم في أوساط النساء: في السنة الأولى كانت تحضر دروس المسجد حوالي 8 نساء، بينما اليوم هناك أكثر من 100 امرأة منتظمة معنا في هذه الدروس.

ب ـ دورات القرآن مع الأطفال: كذلك الأطفال الذين أقوم بتدريسهم نفس الأمر؛ فعندما بدأت كان العدد حوالي 13 طفلًا وطفلة؛ بينما الآن لدينا نحو 150 طفلًا مقسمين على خمس مجموعات وفق المستويات العمرية والتقدم في المنهج.

ج ـ الفئة الأصغر من الأطفال: بدأت منذ عامين العمل مع الأطفال الأصغر الذين تتراوح أعمارهم بين 4-6 سنوات، وأعدادهم في تزايد. كما أن هناك اهتمامًا متزايدًا كذلك بهذه الفئة العمرية. لكن ما نفتقر إليه هو غرفة مجهزة خاصة للصغار، وكذلك المواد والأدوات الدراسية اللازمة للشرح.

2 ـ فيما يتعلق بالأنشطة الخيرية:

فعلى مر السنين شاركنا بشكل دائم في مشاريع خيرية مختلفة لدار الإفتاء العامة في بلغاريا، مثل حملة لجمع كفالات الأيتام، وحملة أخرى لدعم التعليم الإسلامي، فكثير من هذه المشاريع يتكفل به فقط مسلمو بلغاريا، ولا يوجد أي دعم من أي جهة أخرى. وفي كل حملة نحقق نجاحًا أكبر من ذي قبلُ -الحمد لله- في المبالغ التي نجمعها لصالح الأيتام والتعليم الإسلامي.

المحور الثالث: واقع المرأة في بلغاريا

بالنسبة للمرأة البلغارية المسلمة وغير المسلمة.. هل تتعرض لأي تمييز في حقوقها؟

ـ ليس هناك أي تمييز ضد المرأة في بلغاريا، فلكل امرأة الحق في التعليم وممارسة مهنتها بحرية تامة، وربما يرجع ذلك جزئيًّا إلى الديمقراطية التي تسود البلاد.

ـ وماذا عن المشاركة المجتمعية للمرأة المسلمة في بلغاريا بشكل خاص؟

ـ فيما يتعلق بالمرأة المسلمة بشكل خاص، لديها الفرص التامة في التعليم والتوظيف، وأمامها فرص كثيرة للارتقاء بنفسها مهنيًّا وعلميًّا، والمشكلات التي كانت في السابق خاصًة فيما يتعلق بالزي الإسلامي والحجاب، نراها اليوم بدأت تتضاءل وتتلاشى شيئًا فشيئًا؛ فاليوم بدأنا نرى مسلمات يتعلمن ويعملن وهن محجبات.

ـ هل من تحديات تواجه المرأة المسلمة خلال مشاركتها المجتمعية؟

حقيقة ومع كل ما أوضحته، وبالرغم من وجود تغيير إيجابي، يظل ارتداء الحجاب عقبة أمام المرأة المسلمة؛ فمهما كانت ناجحة دراسيًّا ومتميزة مهنيًّا، يجب عليها دائمًا وبشكل مستمر أن تثبت أنها موضع تقدير واحترام في الأماكن التي تدرس أو تعمل فيها، نظرًا لعدم فهم الكثيرين لطبيعة وأهمية الزي الإسلامي للمرأة المسلمة.

هذه الإشكالية في نظرة المجتمع للزي الإسلامي تخلق مشاعر خوف داخلي في بعض الأحيان لدى النساء المسلمات المحجبات، خاصة عند المشاركة في أنشطة مفتوحة ومقابلة أشخاص معينين، ويساورها القلق في كيف سيكون ردُّ فعلهم وانطباعاتهم عن اللقاء وجهًا لوجه، وردّ فعلهم على ارتدائها للحجاب.

ـ إذن ما نصيحتك للمرأة المسلمة في المجتمع البلغاري؟

نصيحتي تتكون من شقين؛ الأول: للمرأة، والثاني: للمؤسسات المعنية بها:

أ ـ أود أن أقول للمرأة المسلمة في بلغاريا ألا تستسلم أبدًا، وألا تتخلى عن طموحاتها، سواء في الدراسة أو العمل، مهما كان الأمر صعبًا، فهي تستطيع ما دام لديها الإرادة والعزيمة أن تثبت نفسها وتتميز في مجالها، وتكون نافعة لمجتمعها.

ب ـ كما أود أن أنصح المؤسسات المعنية بالمرأة أو العاملة في الشأن العام في المجتمع البلغاري، أن تمنح المرأة المسلمة مزيدًا من الثقة في نفسها، وتفتح لها المجال للنجاح في الأعمال المهنيّة والمشاريع المجتمعية.
وأختم حديثي بأنني أؤمن بأن المرأة المسلمة يمكنها أن تحقق الكثير، فهي جيدة في التحدث، وتقوم بعمل رائع حاليًّا، ويمكنها دائمًا أن تقدم الكثير والمزيد لخدمة عائلتها ومجتمعها.

https://www.facebook.com/fikrie.avdikova.12/videos/1513418839108230/

https://www.facebook.com/fikrie.avdikova.12/posts/pfbid022CGobGnkL6L6PFqW2QnpfSmy2zg7fDRnRRuGCyMQHHgRM5parhD7RQ4pPFf5kFaal

 

 

 

التخطي إلى شريط الأدوات