(23) حوار تنزانيا الأول ـ 2016م
“ثلاثة تحديات رئيسة يواجهها مسلمو تنزانيا تتمثل في التعليم والفقر والصحة”.. بحسَب الداعية والإعلامي “شمس علمي”؛ الأمين العام لمؤسسة “ذي النورين الخيرية” في تنزانيا.
أدار الحوار: هاني صلاح/
وأوضح “علمي” – وهو أيضًا مدير العلاقات العامة لقناة (إفريقيا2 ـ مكتب تنزانيا) – بأن: نسبة المسلمين الذين يتخرجون سنويًّا من الجامعات “لا تصل إلى 30% من تَعداد السكان”؛ رغم أنهم يشكِّلون أكثر من 51% من المواطنين، بينما “يهيمن الفقر على معظم مناطق المسلمين في الشرق والجنوب، وليست لها بِنية تحتية وخدمات كمثيلاتها في الشمال”.
وفي ملف الصحة، أشار ضيف الحوار – وهو كذلك عضو مجلس إدارة لاتحاد الإذاعات الإفريقية الهادفة، ومدير إذاعة “قبلتين” الإسلامية بتنزانيا – إلى أن: المناطق التي تكثر فيها أمراض الملاريا وموت الأطفال دون سن الخامسة “هي مناطق ذات أغلبية مسلمة”.
جاء ذلك في سياق حوار: (الإسلام والمسلمون في تنزانيا)، وهو الحوار الأول عن تنزانيا، والثالث والعشرون في سلسلة “حوارات الأقليات المسلمة على الفيسبوك”، والتي تأتي في سياق برنامج للتعريف بواقع الإسلام والمسلمين حول العالم.
أُجرى الحوار في نهاية ديسمبر 2015م، ونشر في 7 يناير 2016م، ونشر على موقع مرصد الأقليات المسلمة، وإلى الحوار..
مداخلة تمهيدية تعريفية بالحوار
المشاركة الأولى.. من: هاني صلاح؛ رئيس تحرير الموقع الإلكتروني لـ”مرصد الأقليات المسلمة”، ومنسق الحوار:
المحور الأول: التعريف بدولة تنزانيا
بدايةً أستاذنا هناك معلومات كثيرة منشورة على شبكة الإنترنت، إلا أننا نُفضِّل أن نسمع منكم مباشرةً ومن خلال تواجدكم في دولة تنزانيا، وبِناءً على رؤيتكم لها:
أ ـ نُبذة مختصرة عن أهمية دولة تنزانيا، وعلى الخريطة العرقية التي يتكون منها شعبها.
تنزانيا هي عبارة عن اتحاد بين دولتين هما: “تنجانينقا”، و”زنجبار” اتحدتا عام 1964م بعد الاستقلال في بداية 1961م، وباتتا تعرفان بـــ”جمهورية تنزانيا المتحدة”، ومع هذا الاتحاد تعتبر “زنجبار” ـ وهي عبارة عن جزيرتين “Unguja”، و”Pemba” – دولة شبه مستقلة، حيث لها رئيسها وبرلمانها ووزراؤها؛ باستثناء ما يعرف بحقائب سيادية؛ وهي: وزارة الداخلية، والخارجية، والدفاع.
تتكون تنزانيا عرقيًّا من 121 قبيلة، وأكبرها قبيلة “wasukuma” التي ينحدر منها الرئيس الحالي للبلاد “جون بومبي مقوفولي”، وتعيش في منطقة البحيرات العظمى (غرب تنزانيا)، وهي منطقة غنية جدًّا بالمعادن والثروة السمكية.
ولكن تنزانيا تختلف كثيرًا مقارنةً بالدول الإفريقية الأخرى، حيث تكاد لا توجد القَبَلية بمفهومها التعصبي؛ بل شعب تنزانيا لا يعرف بعضهم قبائل بعض إلا بأسماء الأجداد فقط، فكلهم يتحدثون لغة واحدة، وهي “اللغة السواحلية”، وتُعد اللغة الأولى والرسمية في البلد.
بينما سكان “زنجبار” يعتبرون كلهم سواحليين، وهم خليط بين (الزنوج – (Bantu، و”العرب” و”الشيرازيين”.
ب ـ وكذا أهميتها الإقليمية بين دول المنطقة الأخرى.
تعتبر تنزانيا هي الأخت الكبرى لدول شرق إفريقيا ووسطها، فهي:
ـ أكبر مساحة، حيث تبلغ مساحتها 947,300 كم2، منها 61,500 كم2 تُغطيها المياه، ولها حدود مشتركة مع 8 دول هي: كينيا، وأوغندا، وروندا، وبوروندي، والكونغو الديمقراطية، وملاوي، وزامبيا، وموزمبيق، و6 منها دول مُغلقة تعتمد ميناء دار السلام في تصدير واستيراد بضائعها.
وهي كذلك أكثر تعدادًا؛ حيث يبلغ عدد سكانها – حسَب الإحصائية الأخيرة التي أُجريت عام 2012م – 49 مليون نسمة، كما تعتبر تنزانيا ملجأً وملاذًا آمِنًا لمواطني الدول المجاورة، فهي أكثر أمْنًا واستقرارًا وضيافةً.
ج ـ أيضًا أهميتها بالنسبة لدول العالم الإسلامي والعربي وعلاقتها بهم.
تعتبر تنزانيا هي الدولة الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة في المنطقة؛ حيث يصل عدد المسلمين فيها إلى أكثر من 55%، حسَب تقديرات بعض المحلِّلين، والنسبة الباقية يتقاسمها كل من “النصارى” و”الوثنيين” و”الهندوس”.
وقد كان المسلمون على علاقة بهذه المنطقة منذ القرن الأول الهجري، وكانت العلاقة في بدايتها “تجاريةً” من خلال رحلات كانت تمر من شواطئها إلى الهند والصين، ثم تطورت هذه العلاقة إلى الدخول في تحالفات مع القبائل المحلية وتأسيس الإمارات في ساحل شرق إفريقيا بدايةً من منطقة “كيسمايو” (جنوب الصومال)، مرورًا بــ”شبه جزيرة ممباسا” (جنوب شرق كينيا)، ثم وصولًا إلى موزمبيق (موسى بن بيك).
وهاجم الاستعمار البرتغالي هذه الإمارات بقوة بهدف القضاء على إسلامها وثقافتها، ولكنهم غُلبوا في معركة شهيرة بـ”مباسا – كينيا” عام 1153هـ.
وتعتبر تنزانيا هي البوابة الرئيسة لدخول الإسلام إلى دول الجِوار في المنطقة (شرق إفريقيا ووسطها)؛ وذلك بسبب تأثير ثقافتها السواحلية القوية في المنطقة. فأنت تلاحظ أن كل دولة مجاورة لـ”تنزانيا” ولها حدود مشتركة معها؛ تَجِدُ أن منطقة الحدود ذات أغلبية مسلمة.
وعلى سبيل المثال: معظم سكان “شمال” موزمبيق هم مسلمون، ومعظم سكان “شرق” الكونغو الديمقراطية هم مسلمون، ومعظم سكان “شمال” ملاوي هم كذلك مسلمون، أيضًا معظم سكان “جزيرة ممباسا” هم مسلمون.
فالثقافة الإسلامية في تنزانيا كانت في الماضي – ولا تزال حتى اليوم – تُشكِّل الهوية الإسلامية لدول المنطقة.
ولكن علاقة تنزانيا بالدول الإسلامية تأثرت كثيرًا سلبًا إبَّان حكم الرئيس الأول “جاليوسنيريري”، وذلك نِتاج موروث تاريخي استعماري بما حصل في زنجبار بعد استقلال الأخيرة، والثورة التي حصلت ومذابح للعرب تمَّتْ، مما ترك ظلاله على العلاقة بين تنزانيا والدول الإسلامية.
ولكن بعد تخلِّي تنزانيا عن الاشتراكية الشيوعية بعد تفكُّك الاتحاد السوفيتي وسقوط جدار برلين، ودخول تنزانيا في نظام ديمقراطي، والسماح بتعدد الأحزاب، عادت العلاقات مع معظم الدول الإسلامية مرة أخرى، وفُتحت العديد من السفارات في دار السلام بعد أن غابت عنها لعقود طويلة.
هذا، وتُعتبر تنزانيا إحدى دول حوض النيل؛ حيث يقع في أراضيها الجزء الأكبر من “بحيرة فيكتوريا” التي تصُبُّ مياهَها إلى الجزيرة وتلتقي مع النيل الأزرق.
المحور الثاني: التعريف بمسلمي تنزانيا
برجاء التكرم بإلقاء الضوء على مسلمي تنزانيا من خلال توضيح:
أ ـ الخريطة العرقية والجغرافية لمناطق تواجد المسلمين في تنزانيا.
مسلمو تنزانيا ينتمون إلى عرقيات مختلفة، ولكن معظمهم يسكنون في المناطق الساحلية، وهي “شرق تنزانيا”؛ من “شمال شرق” إلى “جنوب شرق”، بالإضافة إلى “وسط تنزانيا” و”جنوب غرب” تنزانيا.
ولكن نظرًا للتغييرات الديمغرافية التي أحدثتها السياسات الاشتراكية، بات سكان تنزانيا مختلطين، ولا توجد منطقة معينة لعرق أو إثنية بعينها.
ب ـ الخريطة الاجتماعية للمسلمين: الوضع التعليمي، والوظيفي، والاقتصادي.
المسلمون هم مَن بَنَوا الحضارة في تنزانيا، بدايةً من اللغة إلى الثقافة فالتعليم والفن المعماري، إضافةً لتأليف الكتب، بجانب تطوير الاقتصاد وما إلى ذلك، وحتى لما جاء المستعمر الألماني بعد الحرب العالمية الأولى، وجد أن للمسلمين حضارتهم، ويعرفون الكتابة والقراءة؛ فاستخدمهم في دواوينه وإداراته المختلفة.
ولكن بعد الحرب العالمية الثانية، ودخول المنطقة تحت وِصاية الإنجليز تغير الوضع؛ حيث صدر قرار ملكي بإلغاء لغة السواحلية التي كانت تُكتب بالحروف العربية من الاستخدام، وبدلًا عنها بُدئ باستخدام الحروف اللاتينية، وهكذا بين عشية وضحاها أصبح الذي كان يعرف القراءة والكتابة أمس أميًّا اليوم، كما أُغلقت جميع المدارس الإسلامية، وتغيرت إلى مدارس عَلمانية وأخرى نصرانية، ووضع النظام التعليمي تحت إشراف المؤسسات التبشيرية.
من هنا انعزل المسلمون وهُمِّشوا تعليميًّا، وضاعت أجيال كاملة من المسلمين، فلما أفاقوا بعد الاستقلال وجدوا كل شيء محجوزًا.
الآن أوضاع المسلمين التعليمية سيئة جدًّا؛ حيث تَذكُر بعض المصادر للمثقفين المسلمين أن نسبة المسلمين الذين يتخرجون من الجامعات المختلفة داخل الدولة أقل من 30%، وهذا يعني أنهم أقل توظيفًا، وعلى سبيل المثال: ذكر مركز البحوث والدراسات لجامعة دار السلام المعروف ((REDET، في تقريره، أن 80,6% من عدد مدرسي المدارس الإعدادية والثانوية في تنزانيا من غير المسلمين، بينما 60% من الجامعات والكليات تابعة لمجمع الكنائس في تنزانيا. أما عن وضعهم الاقتصادي فهو طبيعي غير جيد، فالشريحة العظمى من: الفقراء، والذين يشتغلون في مناصب دنيا، والبائعين المتجولين.
ولكن مع هذا الظلام كله، بدأ الوضع يتغير، لاسيما مع فترة الرئيس الذي انتهت ولايته في 25 أكتوبر الماضي، أعني الرئيس “جكايا مريشو كيكويتي”؛ حيث بدأ المسلمون يتوحدون تحت مؤسساتهم في بناء المراكز التعليمية والجامعات، وفتح بنوك إسلامية، وقنوات تلفزيونية، وإذاعات، وبدأت تربطهم علاقات شراكة مع المؤسسات الإسلامية والإنسانية المختلفة؛ كـالمنتدى الإسلامي، وراف، وعيد، وما إلى ذلك.
ج ـ الخريطة الدينية للمسلمين: سنة أم شيعة؟ وما أبرز مؤسساتهم؟
95% من مسلمي تنزانيا من أهل السنة والجماعة على مذهب الإمام الشافعي، بَيْدَ أن نشاط الشيعة بدأ ينشط بعد ثورة الخميني في إيران، والآن يملكون عدة مراكز، وقناةً فضائيةً، وإذاعةً، كما توجد مجموعة كبيرة من الإباضيين، لا سيما في زنجبار وطابورا.
أما أهل السنة والجماعة فهم الأغلب، ومن أبرز مؤسساتهم: “المجلس الأعلى لشئون المسلمين” في تنزانيا، و”المجلس الأعلى للجمعيات الإسلامية” في تنزانيا، و”جمعية المثقفين المسلمين”، و”هيئة علماء المسلمين” في تنزانيا، ومركز شباب الأنصار المسلم “المؤسسة الإسلامية”، و”مركز الحكمة التعليمي”، وغيرها.
ومن أنشط المؤسسات حاليًّا مؤسسة “ذي النورين الخيرية”؛ حيث لديها العديد من البرامج والمشاريع التي تهدف إلى إحداث نَقْلة نوعية للمجتمع المسلم تعليميًّا، واقتصاديًّا، وصحيًّا، وإعلاميًّا.
المحور الثالث: التعريف بضيف الحوار من تنزانيا
أستاذ شمس، نرجو التعريف بكم لجمهورنا قبل البدء في الحوار، من خلال:
أ ـ تعريف إنساني، واجتماعي، ووظيفي، ودعوي.
أنا “شمس علمي عبسي”، مولود في “محافظة أروشا” شمال تنزانيا، تخرجت في جامعة الأزهر، كلية اللغة العربية، قسم الإعلام عام 1992م، متزوج ولي 6 أبناء، منهم 4 بنات.
أمين عام “مؤسسة ذي النورين الخيرية”، وداعية إسلامي؛ حيث أقوم بالخطابة في مسجد “ذي النورين” دعوة، ومحاضر في الجامعات، ومدرِّب، وأكتب مقالات في الصحف الإسلامية المختلفة، وأُقدِّم برامج دعوية في إذاعات وقنوات إسلامية، كما ترجمت عدة كتب؛ منها: “لله ثم للتاريخ” إلى اللغة السواحلية.
ب ـ ما أهم المهام التي تقومون بها حاليًّا؟
حاليًّا أنا أمين عام لمؤسسة: “ذي النورين الخيرية”، ومقرها في “إيرينقا” بجنوب تنزانيا، ولها فروع في معظم مدن تنزانيا.
أيضًا مسئول العلاقات العامة لقناة إفريقيا الفضائية 2 مكتب تنزانيا، ومدير إذاعة القبلتين الإسلامية، ومدير مدارس “أم سلمة” الإسلامية، وعضو مجلس إدارة “اتحاد الإذاعات الإفريقية الهادفة”، ورئيس مؤقت لاتحاد الإذاعات الإسلامية في تنزانيا.
وكذلك عضو في هيئة علماء المسلمين في تنزانيا، ومنسِّق إعلامي ودعوي لمنظمة “المنتدى الإسلامي”.
ج ـ وما هي أبرز المسئوليات التي قمتم بها سابقًا؟
شاركت – ولله الحمد – في تأسيس “المجلس الأعلى لأنصار السنة” في تنزانيا، و”اتحاد الإذاعات الإفريقية الهادفة”.
المشاركة الثانية.. من: سمير حسين زعقوق؛ مدير تحرير جريدة “الأمة” الإلكترونية، سؤال (4):
4 ـ نرجو منكم توضيح الدور الإيراني في إفريقيا ومدى خطورته على أهل السنة؟
إيران حققت اختراقاتٍ هامةً في إفريقيا سعْيًا منها إلى كسب مساحاتِ نفوذ متجددة في فضاء استراتيجي، ظل إلى وقت قريب أقرب إلى الدول العربية عمومًا، وإلى المملكة العربية السعودية بشكل خاص، فقد صار لإيران حضور دبلوماسي في أكثر من ثلاثين دولةً إفريقيةً، كما أن أربعين دولةً من هذه القارة شاركت في القمة الإفريقية الإيرانية في طهران في إبريل/ نيسان 2010م.
وقد شكل النشاط الاقتصادي أبرز مدخل دخلت منه إيران إلى إفريقيا، وتجسد ذلك في أكثر من تعاون مع الدول الإفريقية في مجالات التنمية المتعددة، كما استطاعت إيران تعزيز علاقاتها الدينية بالعديد من المؤسسات الدينية الإفريقية، موظِّفةً العداء التقليدي بين الجماعات الصوفية المنتشرة والقوية في بعض الدول الإفريقية وبين الحركات السلفية (أهل السنة والجماعة)، وربط هذه الأخيرة زورًا وتشويْهًا بالحوادث الإرهابية التي تحصل في العالم.
فبِناءً على تقارير إيرانية، بدأت حركة التشيع في عموم إفريقيا تأخذ زخمًا متزايدًا خلال السنوات العشر الماضية بصورة مرحلية ومنهجية، بل ومؤسسية، فهناك دولٌ يَصِل التشيعُ فيها إلى مستوى الظاهرة، وهي: نيجيريا، وغانا، وسيراليون، وغينيا كوناكري، وساحل العاج، والسنغال في غرب إفريقيا، وتنزانيا، وكينيا، وجزر القمر في شرق إفريقيا.
والهدف الخطير من كل ذلك هو تمزيق صف أهل السنة والجماعة، وكسب ولاء سياسي في ضوء التوترات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط.
المشاركة الثالثة.. من: د. عبد المقصود سالم جعفر؛ أكاديمي متخصص في التعليم)، وتتضمن خمسة أسئلة (أرقام: 5-9):
5 ـ ظني أن هناك ضعفًا في تأسيس المدارس، خاصةً في مستوى التعليم العام من الروضة إلى الثانوية، فهل لديكم تصور وخطة بعيدة المدى في تأسيس المؤسسات التعليمية بدءًا من الحضانة؟ وهل في خطتكم المستقبلية تأسيس جامعات؟
ـ نعم هناك ضعف، فبعْد استقلال تنزانيا من المستعمر الإنجليزي، كان بناء المدارس الإسلامية العصرية من أولويات الرابطة الإسلامية حينذاك، وبَنَتِ الرابطةُ العديد من المدارس في تنزانيا، ولكنها سرعان ما أُمِّمتْ في حقبة الاشتراكية في السبعينيات، وتم تحويلها إلى مدارس علمانية.
لكن بعد زوال الاشتراكية، وبعد أن تولى الرئيس السابق “علي حسن مويني” الحكم في البلاد في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، أَجْرى إصلاحاتٍ جذريةً ومفصليةً للدولة، وسمح للمسلمين – ولأول مرة – بتسجيل مؤسساتهم الخيرية والوقفية.
من هنا بدأ المسلمون ينشئون المؤسسات التعليمية الخاصة بهم، والآن يوجد أكثر من 150 مؤسسة تعليمية إسلامية في تنزانيا، وفيها جامعتان إسلاميتان هما: “جامعة المسلمين في مدينة “مورورغورو”، وجامعة “عبد الرحمن السميط” في زنجبار.
ـ لدى مؤسسة “ذي النورين الخيرية” خُطة بعيدة المدى لإنشاء جامعة في تنزانيا، فلها كلية للعلوم والإدارة بدار السلام.
6ـ لديكم كثير من المؤسسات الإعلامية، وبالمقابل قليل من المؤسسات التعليمية (هذا الاستنتاج من تقديمكم للضيف)، كيف نصل إلى التوازن؟
بالعكس، لدينا العديد من المؤسسات التعليمية التي تزيد على المؤسسات الإعلامية، بَيْدَ أني إعلامي أكثر من مُربٍّ، فتوجد في تنزانيا 11 إذاعةً إسلاميةً، وقناتان فضائيتان إسلاميتان، وأربع مجلات إسلامية أسبوعية.
7- في ضوء مصطلح اللغة، هل ترون تأسيس المؤسسات التعليمية باستخدام اللغة السواحلية أفيد، أم باستخدام العربية، أم باستخدامهما معًا؟
اللغتان الأساسيتان في تنزانيا هما السواحلية والإنجليزية، ومعظم المدارس الإسلامية تستخدم ثلاث لغات بهذا الترتيب: الإنجليزية، العربية، والسواحلية، وهو أفيد.
8- يُحذِّر كثير من علماء المناهج من إنشاء المدارس لتعليم التربية الإسلامية فقط دون تدريس العلوم الطبيعية؛ لأن ذلك يؤدي إلى الازدواجية، فهل تقوم المدارس في تنزانيا على أساس أنها تعليم ديني فقط؟
التعليم العصري في مرحلة الابتدائي ـ 7 سنوات ـ إلزامي في تنزانيا، وكثير من الطلاب الذين لا يتمكّنون من الالتحاق بالثانوية بسبب الفشل، أو الفقر، أو رغبة أولياء أمورهم، يلتحقون بالمدارس الإسلامية الشرعية، وهؤلاء يتخرجون أئمةً ودعاةً وعلماء دين، وغالبًا تكون شهاداتهم غير معترف بها في الدولة.
وهناك العديد من المدارس الإسلامية التي تدرس المنهجين؛ التربية الإسلامية والعِلْمية (العصرية)، وهي المفضلة هنا؛ حيث يتخرج الطالب بشهادة معترف بها من قِبَل الدولة، وقد يتوظف أو يُكْمِل دراسته العليا.
9- رأيت صورةً للبرامج التدريبية التي تُقدِّمونها، فحَمِدتُ الله أن رأيتُ بها سيداتٍ كما بها سادة، فكيف اهتمامكم بالعمل النَّسَوي في تنزانيا، وما رؤيتكم المستقبلية في إنشاء مؤسسات خاصة تهتم بتطوير العمل النسوي؟
حسَب الإحصائيات الأخيرة في تنزانيا عام 2012م، نسبة النساء هي أكثر من 52%، هذا يَعْني أن أكثر مواطني تنزانيا من النساء، فالمرأة المسلمة في تنزانيا تُنافس الرجل في العمل الخيري، فهناك العديد من المؤسسات النسائية الخيرية، وهي أكثر تنظيمًا وتنوعًا، فقط تنقصها جسور التواصل مع أخواتها في الدول الإسلامية.
المشاركة الرابعة.. من: حسين الصيفي؛ ناشط في مجالات الدعوة والإعلام، ومدير مكتب هيئة “الإعجاز العلمي في القرآن والسنة” في البرازيل، سؤال (10):
10ـ لو تفضلتم بتعريف مسلمي تنزانيا كيف استطاعوا الحفاظ على عقيدتهم في عهد الشيوعية؟ وكيف كانت طريقة عودة الذين أُقصوا عن عقيدتهم حينما انهار الاتحاد السوفيتي؟
لم يكن في تنزانيا نظام شيوعي بمفهومه السوفيتي الذي يُعادي الدِّين ويعتبره أفيون الشعوب، بل كان نظامه اشتراكيًّا يهتم بالجانب الاقتصادي أكثر منه عقَديًّا، الخطر الحقيقي لعقيدة المسلمين في تنزانيا كان – ولا يزال – هو التنصير.
المشاركة الخامسة.. من: عطا الله نور الأركاني؛ رئيس وكالة أنباء الروهينجيةـ الرياض/السعودية، وتتضمن ثلاثة أسئلة (أرقام: 11- 13):
11ـ هل هناك تشيُّع بين مسلمي تنزانيا؟
نعم، فقد زادت وتيرة التشيع بين مسلمي تنزانيا خلال العَقْد الأخير، لاسيما بين شباب الجامعات، وذلك انخداعًا بمواقف إيران تجاه الغرب، وشعاراتها البراقة والجذابة عن القدس وفلسطين.
12ـ ما هي أبرز التحديات التي يواجهها مسلمو تنزانيا؟
ثلاثة تحديات رئيسة هي:
التعليم؛ فنسبة المسلمين الذين يتخرجون سنويًّا من الجامعات لا تصل إلى 30% مع أنهم يشكِّلون أكثر من 51% من المواطنين.
الفقر؛ فمعظم مناطق المسلمين في الشرق والجنوب هي فقيرة، وليست لها بِنْية تحتية وخدمات كمثيلاتها في الشمال.
الصحة؛ فحسَب إحصائية وزارة الصحة، فالمناطق التي تكثر فيها أمراض الملاريا وموت الأطفال دون سن الخامسة هي مناطق ذات أغلبية مسلمة.
13ـ ما هي أبرز احتياجات مسلمي تنزانيا؟
تتمثل احتياجات مسلمي تنزانيا في المجالات الثلاثة التالية:
1 ـ التعليم؛ فنحن بحاجة إلى بناء المزيد من المؤسسات التعليمية العليا، والاهتمام بالتعليم المهني ودعمه وتطويره؛ حتى تزيد نسبة المتخرجين من أبناء المسلمين، ومِن ثَم يحْظَون بفرص أكبر في التوظيف، وهو ما ينعكس إيجابيًّا على رفع مستوى المعيشة لأُسَرهم، ثُم مستقبلًا على تعليم أبنائهم، هذه رؤية استراتيجية نحن في حاجة لأن نَخْطُو فيها خطواتٍ جادةً مستمرةً متواصلةً.
2 ـ المشاريع التنموية الإنتاجية للأُسَر المسلمة؛ لتأمين الحياة الكريمة لهم، فمعظمهم يعيشون تحت خط الفقر، ولا توجد مصارف إسلامية تُقدِّم دعمًا أو قروضًا حسنةً لهم.
3 ـ المشاريع الصحية؛ وعلى رأسها بناء وتجهيز المستشفيات والمستوصفات في مناطقهم، وعمل قوافل طبية وتوعوية للمناطق النائية.
المشاركة السادسة.. من: محمد سرحان؛ صحفي مصري، وتتضمن ثلاثة أسئلة (أرقام: 14-16):
14 ـ ما هي نسبة مشاركة مسلمي تنزانيا سياسيًّا واجتماعيًّا؟ وهل لهم دور تجاه حملات الاضطهاد ضد المسلمين في بعض دول إفريقيا أم لهم نصيب أيضًا من ذلك الاضطهاد؟
تتمتع تنزانيا باستقرار شبه كامل مقارنةً بنظيراتها في منطقة شرق ووسط إفريقيا؛ حيث لم تشهد حروبًا ونزاعاتٍ قبَليةً، أو تمردًا مسلَّحًا، أو حروبًا دينيةً، بخلاف معظم دول الجوار في المنطقة؛ مثل: رواندا، وبوروندي، والصومال، والكونغو، وجنوب السودان، والتي خاضت حروبًا قَبَليةً مدمِّرةً أدى بعض منها إلى تطهير عرقي غير مسبوق، وإثيوبيا وأوغندا اللتين ما زالتا تعانيان مِن حُمَّى التمرد المسلَّح، وإفريقيا الوسطى التي شهدت مؤخَّرًا حربًا دينيةً لا هوادة فيها، فيما ظلَّت الحالة التنزانية عكس ذلك تمامًا، مما جعلها نموذجًا للاستقرار السياسي والتعايش الديني في منطقة تُعتبر من أكثر المناطق صراعًا في إفريقيا.
والفضل في كل ذلك يرجع إلى المسلمين، فهم مُهمَّشون تعليميًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا، وكان بإمكانهم أن يكونوا قنبلةً موقوتةً، ولكن وطنيتهم جعلتهم يَغُضُّون الطرْف ويُظْهِرون احتجاجهم بطرق سِلمية، وعبْر قنوات شرعية.
15 ـ ماذا عن المرأة المسلمة في تنزانيا؛ هل تتمتع بكافة حقوقها كالتعليم وغيره أم لا؟ وما هي عادات الزواج بين المسلمين؟
المرأة المسلمة في تنزانيا تتمتع بكافة حقوقها، بل أعطت الحكومة المرأة امتيازاتٍ لم تُعطها الرجل، فاشترطت الحكومة أن تكون نسبة المرأة في التعليم الجامعي والتوظيف والمناصب السياسية هي 40%، من هنا ستلاحظ أن المرأة المسلمة أكثر تعلمًا وتوظيفًا من أخيها المسلم.
عادات الزواج بين المسلمين في تنزانيا تكاد تكون متشابهةً، فهي عبادة، ولها أحكامها المُبَيَّنة في سنة المصطفى – صلى الله عليه وسلم – ولكن هناك بعض العادات والتقاليد تختلف من قبيلة إلى أخرى.
16ـ ما هي احتياجاتكم من المؤسسات الإسلامية الكبرى كالأزهر ومنظمة التعاون الإسلامي؟
يُقدِّم الأزهر المِنَح الدراسية لطلاب من تنزانيا، أنا شخصيًّا تعلمت في الأزهر في المرحلتين الثانوية والجامعية، وتخرجت عام 1993م في قسم الإعلام، فالأزهر يقوم بدور كبير جدًّا.
ولكن إفريقيا تحتاج الآن إلى قادة وأطباء ومهندسين، وفي نفس الوقت دعاة ملتزمين، فالمنح الدراسية التي تُقدَّم لأبناء إفريقيا ينبغي أن تشمل هذه التخصصات الحيوية.
أما منظمة التعاون الإسلامي، فينبغي أن تراجع سياستها؛ فهناك دول أعضاء في هذه المنظمة، ولكنها ذات أغلبية غير مسلمة، انضمت إليها بأهداف اقتصادية ليس غير، وتستفيد هذه الدول بمساعدات وقروض من البنك الإسلامي للتنمية، بينما هناك دول أخرى ذات أغلبية مسلمة لكنها غير عضو بسبب نظام الحكم الموجود فيها، أو نصوص في دساتيرها تمنع ذلك؛ كإثيوبيا وتنزانيا مثلًا.
ويمكن أن توقِّع المنظمة مسوَّدة تفاهم مع المنظمات الخيرية والتعليمية والصحية في هذه الدول، وتكون بذلك قد عالجت مشكلةً، وأنقذت تلك الدول من تُهَم خرْق دستور البلد.