مسلمون حول العالم ـ خاص ـ هاني صلاح
“مساجد الصين الأثرية تعد بمثابة متاحف مفتوحة تسرد للزائرين صفحات مضيئة من تاريخ مسلمي الصين.. كما حفظت بمتاحف هذه المساجد الأثرية التاريخية كثير من المخطوطات الإسلامية والهدايا والتحف المرسلة من أباطرة الصين لهذه المساجد تقديرًا لدور المسلمين الوطني“..
بهذه الكلمات، ألقى الضوء الدكتور أسامة منصور ـ الأستاذ بجامعة القوميات بشمال الصين، ومؤلف موسوعة: (مساجد الصين.. دراسة تاريخية وجغرافية لأشهر مساجد الصين)، على الدور التوثيقي الهام لمساجد الصين الأثرية ومتاحفها التاريخية الملحقة بها في التعريف بصفحات مضيئة من تاريخ مسلمي الصين.
جاء ذلك في حوار خاص مع “مسلمون حول العالم”، حول متاحف مساجد الصين الأثرية.
والدكتور أسامة يستعد حاليًا لطباعة موسوعته الجديدة (مساجد الصين)، والتي تمثل حصيلة جهد عشر سنوات من البحث والترحال والزيارات المتواصلة إلى العديد من مساجد مسلمي الصين الأثرية وفي أماكن كثيرة متباعدة، والموسوعة تضم حشدًا كبيرًا من المعلومات التاريخية والجغرافية عن مساجد الصين.
وإلى الحوار..
ديوان حياة مسلمي الصين
ـ بدايًة، نود التعرف على أهمية “متاحف” مساجد الصين الأثرية؟
تضم الصين عشرات المساجد الأثرية التي يرجع تاريخها إلى أكثر من ألف عام. ومساجد الصين لها طبيعتها الخاصة؛ فقد كانت ولا تزال ديوان حياة مسلمي الصين، وشهدت أحداثًا كثيرة تتعلق بتاريخ الإسلام في الصين، وجرى تدوين هذه الأحداث وحفظها في المساجد، كما جرت عليها إصلاحات وتجديدات خلال الحقب التاريخية، وسجلت هذه التجديدات والمراسم الخاصة بها على أنصبة صخرية حفظت داخل المساجد.
إضافًة لذلك، فإن بعض الهدايا والتحف التي أهديت للمساجد سواء من أباطرة الصين او من كبار المسؤولين تقديرًا منهم لدور المسلمين وإسهاماتهم ومواقفهم الوطنية، تم حفظه في متاحف هذه المساجد الأثرية التاريخية.
حفظ التراث الإسلامي الديني
أيضًا، كان لهذه المساجد الأثرية دورًا رائدًا في احتضان التعليم الديني والحفاظ على كتب التراث الإسلامي؛ فعندما دعت الحاجة لنسخ الكتب الدينية والمصاحف، جرى نسخ الكثير من مخطوطات القرآن الكريم والكتب الإسلامية على الورق والخشب، وحفظها داخل المساجد.
وبالتالي فإن مساجد الصين الأثرية كانت على الدوام ولا تزال حتى يومنا هذا بمثابة متاحف مفتوحة، تسرد للزائرين صفحات تاريخية مضيئة من تاريخ مسلمي الصين. ويمكن للزائر التجول فيها بحرية تامة، واسترجاع ماضيها العريق والاطلاع على ما تضمه من آثار وتحف ومخطوطات ذات قيمة تاريخية وأثرية كبيرة جدًا.
ومع زيادة عدد المصلين في المناسبات والأعياد، واستخدام ساحات المساجد للصلاة، جرى تخصيص اماكن داخل المساجد لتكون بمثابة متاحف خاصة بغية الحفاظ على التحف النادرة من هدايا ومخطوطات.
ـ قلتم بأن المساجد الأثرية في الصين تعد بمثابة “متاحف مفتوحة”، ماذا تقصدون بذلك؟
كما ذكرت لكم، معظم المساجد التاريخية هي بمثابة متحف مفتوح، وبالتالي فهناك قاعات للمخطوطات والتحف، وهناك قاعة للأنصبة الحجرية الخاصة بتاريخ المسجد، وهناك كذلك قبور وأنصبة حجرية في أفنية المساجد الأثرية التاريخية، أي أن المسجد كله يعد بمثابة متحفًا مفتوحًا للزائرين يسرد لها صفحات مضيئة من تاريخ المجتمع المسلم في الصين.
ـ بشكل عام ما هي أهم محتويات هذه المتاحف بالمساجد الأثرية؟
وبشكل عام تضم “متاحف المساجد” الأثرية في الصين مخطوطات من القرآن الكريم والكتب الإسلامية النادرة التي جرى كتابتها وخطها قبل مئات السنين. كما تضم أنصبة حجرية تضم تاريخ المسجد والتجديدات التي جرت عليه خلال الحقب التاريخية المختلفة. كذلك حفظت فيها التحف والهدايا الإمبراطورية التي أهداها الأباطرة وكبار المسئولين.
ـ هل من أمثلة لبعض هذه التحف والهدايا الإمبراطورية؟
على سبيل المثال لا الحصر، يضم مسجد “نيوجيه” في العاصمة بكين، قدر نحاسي كبير أهداه الإمبراطور “كانشي”، للمسجد مع بعض التحف، والتي مازلت محفوظة داخل متحف المسجد حتى يومنا هذا.
كما يضم مسجد “دونغسي”، في بكين أيضًا، لوحًا إمبراطوريًا كتب عليه الإمبراطور بخط يده كلمة (请真寺 – تشنغ جين سى)، وتعني بالعربية: “مصلى الصفاء والحق”، والتي صارت اسمًا للمسجد، ثم عممت بعد ذلك على كافة مساجد الصين.
مسجد “دونغسي”
ـ هذا الإهداء من امبراطور الصين لمسجد “دونغسي” يعكس أهمية تاريخية لهذا الجامع الأثري؛ فهل من نبذة مختصرة عنه؟
يذكر بأن مسجد “دونغسي” الأثري في العاصمة بكين، يعد أحد أشهر مساجد مسلمي الصين، وقد بدأ بناء المسجد في عهد أسرة يوان (١٢٧١- ١٣٦٨م)، ثم أعيد تجديده بعد مائة عام.
كما تكمن شهرة المسجد في أنه احتضن مدرسة تشنغدا للمعلمين، والتي أرسلت أول دفعة من طلابها للدراسة في جامعة الأزهر الشريف في القاهرة في ثلاثينيات القرن الماضي.
وخلال فترة الثورة الثقافية/الشيوعية في الصين التي تعرضت فيها جميع المساجد لهجمة شرسة فأغلق بعضها وحول البعض الاخر لورش ومخازن ومنعت فيها الصلاة، كان مسجد دونغسي هو الاستثناء الوحيد، فقد ظل مفتوحا تقام فيه الصلاة.
ـ من حديثكم نستشف بأن تاريخ مسلمي الصين متعلق بشكل وثيق بمساجدهم التاريخية، ودراسة هذا التاريخ لا يكتمل دون زيارتها والاطلاع على ما احتضنته متاحفها الأثرية.. لذا سؤالنا: كيف يتم الاستفادة حاليًا من هذه المتاحف الملحقة بالمساجد؟
ـ تؤدي متاحف المساجد الأثرية اليوم أكثر من وظيفة، فهي على المستوى التاريخي بمثابة شاهد على تاريخ وعراقة المسجد ودوره التاريخي والوطني.
وعلى المستوى الاقتصادي فهي أحد مصادر الدخل الخاص بالمسجد، حيث يتم دخولها من خلال تذاكر يشتريها الزوار، كما يباع فيها كتيبات وصور وخرائط تحكي تاريخ المسجد والمراحل التاريخية التي مر بها.
ـ كأكاديمي عربي زائر لجامعات الصين؛ ما تقييمكم لواقع متاحف مساجد الصين الأثرية؟
ـ متاحف مساجد الصين الأثرية، تعد تجربة فريدة من نوعها؛ لكن لمن يحسن استغلالها، ولديه الاستعداد والطموح لبذل الوقت والجهد والمال ليسجلها ويستمتع بها، حقيقة على كل ما بها من قيمة ومميزات في محتوياتها لكنها في حاجة للمزيد من العناية والترويج السياحي لها والدعاية اللائقة بهذه الكنوز التاريخية الإسلامية في الصين.
ـ إذن ما هي نصيحتكم في هذا الصدد؟
ـ نصيحة هي أمنيتي بأن يتم ترجمة قوائم محتويات المتاحف للغة العربية أو حتى للغة الانجليزية، حتى يستطيع زوار المساجد معرفة ما تحتويه هذه المتاحف، خاصة وأن معظم السائحين من زوار هذه المساجد لا يعرفون اللغة الصينية.