مسلمون حول العالم
نافذتك إلى أخبار الأقليات المسلمة

الكاتب الصحفي د.مجدي سعيد: هناك أزمة حقيقية في الخطاب الإسلامي في الغرب وتحديدًا في خطب الجمعة!

تعد خطبة الجمعة أحد أهم أدوات الاتصال في أوساط الأمة الإسلامية وأشدها خطورة

مسلمون حول العالم ـ متابعات

بقلم الدكتور مجدي سعيد ـ كاتب صحفي مقيم في لندن

بعد أكثر من 9 سنوات من الإقامة في الغرب، وتحديدا في إنجلترا، تنقلت خلالها في العمل والسكنى بين عدة مناطق في العاصمة البريطانية لندن، فإنني يمكنني القول بضمير مستريح إن هناك أزمة حقيقية في الخطاب الإسلامي في الغرب، وتحديدا في خطب الجمعة.

من المعروف لدى كافة المسلمين أن خطبة الجمعة هي أحد أهم أدوات الاتصال في أوساط الأمة الإسلامية، وربما تكون أشدها خطرا، فلكم أن تتخيلوا كم عدد المساجد التي تتم فيها خطبة الجمعة على امتداد الكرة الأرضية، بين بلدان ذات أغلبية مسلمة، وبلدان ذات أقلية مسلمة، سواء في أوروبا أو الأمريكتين، أو أستراليا أو حتى بعض بلدان آسيا وأفريقيا.

أعلم أنه لا توجد إحصائية بعدد تلك المساجد سواء في بلدان الأغلبية، أو في بلدان الأقلية المسلمة، ولا توجد بالتبعية إحصائية بمتوسط أعداد من يحضرون خطب الجمعة هنا وهناك. ولكن أظن أننا يمكننا تخيل ضخامة أعداد المساجد وضخامة أعداد مرتاديها في صلوات الجمعة.

كما يمكن تخيل “السلطة” الروحية التي تمثلها خطب الجمعة على وجدانات الحاضرين لها، من حيث إنها تنبع من الانقياد الطوعي من قبل المسلمين المؤمنين لكل ما ينبع من مشكاة قال الله، وقال أو فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك على الرغم من أن القائل عن الله أو عن رسوله، خطبة أو درسا أو غير ذلك، بشر يؤخذ من كلامه ويرد.. إلا أننا نستطيع أن نتخيل جلال خطر ارتقاء المنابر هنا وهناك، وثقل مسئولية من يتصدر للخطابة عليها.

ـ طالع في هذا المقال التحليلي سبع محاور:

1 ـ حال المساجد وخطب الجمعة في بلاد الغرب.

2 ـ خطب منفصلة عن الواقع ومشكلاته.

3 ـ الخلط بين خطبة الجمعة والدرس المتخصص.

4 ـ الوعظ العام والتنزيل الخاص له.

5 ـ الواعظ غير الدارس، والدرس نوعان.

6 ـ خطبة الجمعة، ومشكلة اللسان أو اللغة.

7 ـ تصوري لحل المشكلة.

حال المساجد وخطب الجمعة في بلاد الغرب

الجاليات المسلمة في الغرب، وسوف أتحدث هنا عن إنجلترا تحديدا، يغلب عليها أنها تمثل امتدادا لكتل بشرية في بلادنا، والأغلبية هنا تأتي من شبه القارة الهندية بتوزيعاتها وتقسيماتها السياسية، هنود، باكستانيين، بنغاليين، وأقلية من السيرلانكيين، يأتي بعدهم في المقام الثاني من حيث العدد الصوماليون، ثم الأفارقة الكاريبيون، ثم العرب والأتراك، ثم غيرهم.

والمساجد هناك في الأغلب الأعم، هي مؤسسات لتلك الجاليات، تدير كل منها مسجدها كما تدار المساجد في بلادهم، مع بعض المساجد التي تمثل امتدادات لجماعات إسلامية موجودة في بلادها، والأغلبية هنا لمساجد الجماعات، هي لمساجد التبليغ، وهي كثيرة إلى حد ما، والمساجد السلفية ذات التأثيرات الوهابية، وتأتي تالية من حيث العدد، ثم مساجد الإخوان، وهي نادرة هنا.

خطب منفصلة عن الواقع ومشكلاته

كل تلك المساجد، سواء التابعة للجاليات بشكل عام أو التي تحمل توجهات لجماعات منها، كلها تنطبع خطب الجمعة فيها بطابع الثقافة الدينية لمن يديرونها، وللتركيبة الذهنية التي تنبني على تلك الثقافة، وهي تركيبة ثقافية/ دينية منبتة الصلة في الغالب عن الغرب وحياة المسلمين فيه، وكأن من يعتلي منابر تلك المساجد لا زال يعيش في بلاده.

وكأن المسلمين الذين صار الملايين منهم يعيشون في بلاد الغرب، وصار بينهم جيل ثاني وثالث وربما رابع، وصار بينهم مسلمون جدد، وكأن ما يعيشه كل هؤلاء المسلمون من واقع ومكان وزمان وثقافة مختلفين تماما عن بلادنا في الشرق، وكأن هذا الواقع لا صلة له بالخطاب الديني الذي ينبغي أن يتم التوجه به إليهم.

مجتمعات المسلمين في الغرب تعاني من مشكلات اجتماعية، كما أنها تواجه تحديات وتتعرض لفتن شتى، ولا أثر ولا انعكاس لكل ذلك في الخطاب الديني.

وكأننا نمارس العلمانية عمليا، حيث يعيش المسلمون حياتهم هنا بما رشح فيها من بعض خطاب ديني مأزوم، ومن ثقافات منبتة الصلة بواقع المكان والزمان والثقافة والمجتمع المحيط، بينما تسير خطب الجمعة خاصة، والخطاب الديني عامة في مسار آخر غير ذي صلة بإصلاح حياة المسلمين وإصلاح تفكيرهم، وأخلاقهم وسلوكهم بما يناسب ما يواجهونه هنا والآن.

الخلط بين خطبة الجمعة والدرس المتخصص

كثيرا ما يخلط خطباء الجمعة بين ما ينبغي أن يقال في خطبة الجمعة من كلام له صلة بعلاقة كل منا بخالقه وبنبيه، وما ينبغي أن يتحلى به من أخلاق، وما ينبني على تلك الأخلاق من سلوكيات اجتماعية، وبين ما لا يصح أن يكون في خطبة جمعة – من المفترض ألا تطول، نظرا لأحوال المخاطبين، والذين هم في الأغلب في وقت راحة، وسط يوم عمل أو يوم دراسي، وليسوا في يوم عطلة كما هو الحال في بلاد المسلمين – ويمكن أو يصح أن يكون في درس متخصص يمكن أن يطول ليفص في مسائل تحتاج إلى تفصيل.

أضرب مثلا بأحد المساجد التي فتح فيها خطيب الجمعة في موضوع لا يناسب خطبة الجمعة – فضلا أيضا عن أن يناسب مجتمع أو حال المخاطبين – وهو موضوع تعدد الزوجات. هذا موضوع كما هو معلوم له شروطه وهناك تنبيهات حوله واردة في الخطاب القرآني، وهو من الموضوعات التي تثير جدلا لسوء الاستخدام والتطبيق في الواقع العملي، فضلا عن أن هذا الأمر محظور قانونا في بلاد الغرب، ومن ثم فإن موضوعا كهذا لن تستطيع خطبة جمعة أن توفي المستمع بيانا بجميع جوانبه حتى لا تتم فتنة الناس في دينهم، وإنما مكانه درس فقه.

الوعظ العام والتنزيل الخاص له

الوعظ الديني في خطب الجمعة هنا إذا التزم بالموضوعات الروحية والأخلاقية والسلوكية التي تناسبه، كثيرا ما يأتي الحديث فيه عاما، غير ذي صلة بواقع أحوال المخاطبين، ولأضرب مثلا سآخذ موضوعا هو من لب موضوعات خطب الجمعة وهو “التقوى”.

التقوى كما هو معلوم جاءت في منزلة عالية في ثاني سور القرآن “ألم، ذلك الكتاب لا ريب فيه، هدى للمتقين”، ومن ثم فإن التقوى هنا وكأنها شرط قبلي لتلقي هداية القرآن.

لكن الخطاب القرآني، والخطاب النبوي الكريم وتطبيقاته في السيرة النبوية تدخل بالتقوى في كافة مجالات الحياة تقريبا. يعني ذلك أن الحديث عن التقوى يجب أن ينتقل بها في خطب الجمعة من الوعظ العام، إلى الوعظ الخاص وفقا لأحوال المخاطبين.

وإذا كنا نعلم من إحدى الدراسات هنا في بريطانيا مثلا أن نسبة كبيرة من المراهقين الجانحين هم من أبناء المسلمين، وأن ذلك راجع بالأساس إلى وجود مشكلات عميقة في أسر المسلمين سواء في العلاقات بين الزوجين أو في تربية الأبناء، وهي كلها أساس في هذا الجناح، من ثم ينبغي أن يكون أحد أهم القضايا التي ننزل فيها الحديث عن التقوى من العام إلى الخاص، هو الحديث عن التقوى في العلاقات الزوجية، وفي تربية الأبناء، وقاية لهم من الانزلاق في مغريات وفتن كثيرة يموج بها الغرب، ويعرفها الناس كافة.

الواعظ غير الدارس، والدرس نوعان

أظن أن أحد أسباب الأزمة التي نحن فيها هنا في الغرب في خطبة الجمعة تعود إلى غياب الخطيب والواعظ المؤهل، أول على الأقل قلة وندرة الواعظ المؤهل، والتأهل لا يكفي فيه قراءة بعض الكتب، ولا سماع بعض الدروس.

وإنما التأهل الذي أعنيه هنا له ساقان:

– الساق الأولى: التحصيل الأكاديمي للعلم الشرعي والذي تمت دراسته بشكل رسمي في جامعات مؤهلة كالأزهر وكليات الإلهيات في تركيا وغيرها، وهذه ينبغي أن يكون فيها تخصص محدد لإخراج الواعظين المناسبين للغرب، لأن المسألة ليست مسألة معرفة لغة فقط. ولكن المسألة هي “الفقه”، الفقه الذي عناه الحديث “رب حامل فقه ليس بفقيه”، ومن ثم فليس المقصود هنا تحديدا الفقه كدرس تخصصي، وإن كان الفقه كدرس تخصصي، وخاصة فقه الأقليات تحديدا لابد أن يكون من مواد الدرس في هذا المجال، فضلا عن مقاصد الشريعة، وأصول الفقه وغيرها مما يحتاج إلى المؤهل في هذا المجال.

– الساق الثانية: هي ساق العلوم الحديثة، من علوم الاتصال، إلى علوم النفس، وعلوم الاجتماع، إلى فقه واقع المجتمع الذي يعيش فيه بعمومه، وواقع مجتمع المسلمين فيه على وجه الخصوص.

– هذان الساقان يفترض أن يتواجدا في جامعات مخصصة لتخريج وعاظ، فضلا عن تخريج علماء مخصصين للغرب بشكل خاص، يصلح أحدهم للوعظ وخطابة الجمعة، وآخر للفتوى في الغرب، وثالث لمخاطبة غير المسلمين وتعليم المسلمين الجدد، وهكذا.

– وهي جامعات لا أظن أنها موجودة في الغرب حاليا، وإذا وجدت فهي لا تكفي لنلبية حاجة المسلمين والغرب عموما هنا، والله أعلم.

خطبة الجمعة، ومشكلة اللسان أو اللغة

مع أن الله سبحانه وتعالى ما أرسل رسولا إلا بلسان قومه، إلا أن المسلمين هنا لا تزال عندهم مشكلة أزلية، هل يخطبون الجمعة بالعربية، أم بالإنجليزية.

مساجد الجاليات من شبه القارة الهندية تقدم هنا درسا قبل الخطبة باللغة المحلية لمن يديرون المسجد (أوردو أو بنغالي)، وتكون الخطبة باللغة العربية، لكن الطريف أنهم لا يعطون خطبة الجمعة العربية الاهتمام المعطى للدرس أو للوعظ قبلها، وهو ما دفع بعضها إلى قراءة أو قول نفس الخطبة العربية بالنص في كل يوم جمعة.

البعض الآخر ربما لا يقدمون درسا أو وعظا قبل الجمعة، لكنهم يأتون أحيانا بوعاظ لا يحسنون سوى العربية أو لا يجيدون الإنجليزية على الأقل، ومن ثم تكون الخطبة بالعربية، أو بإنجليزية عرجاء، بينما أغلبية الحاضرين (بنسبة 90%) لا يعرفون العربية، وهم أبناء مجتمع إنجليزي، ومن ثم يأتون ويذهبون وما تلقوا شيئا يفهمونه. وكأن صلاة الجمعة بالنسبة لهم وللمسجد هي مجرد إسقاط فريضة، ولا يهم ما يقال.

تصوري لحل المشكلة

الحل المثالي طبعا هو وجود مؤسسات تعليمية تقوم بتأهيل الكوادر الوعظية والفقهية المناسبة للغرب، ولكن هذا الحل ربما تقف في وجهه صعوبات وعوائق وإن كان لا يستحيل تنفيذه.

الحلول المؤقتة والجزئية ربما تتمثل في دعم بعض المؤسسات التي حولت القيام بدور في سد هذه الثغرة، وهي الكلية الإسلامية في فرنسا، والكلية الإسلامية في كمبريدج، وأظنهما لا يكفيان لتغطية قارة كبيرة كأوروبا، تحتاج لعشرات من مثل تلك الكليات.

ربما يناسب وجود كليات مماثلة تستفيد من الزخم المتراكم للتعليم على شبكة الإنترنت، والذي أخذ دفعة قوية بعد تعرض العالم لجائحة كورونا.

ليكن على الأقل هناك كلية لكل بلد من بلاد أوروبا، على أن يجتمع لوضع مناهجها أطراف عدة لديهم الفقه الكامل للواقع والتقدير الواعي لاحتياجات المسلمين في الغرب، ومشكلات الخطاب الإسلامي فيه.

الثغرة في هذا الباب بالغة الاتساع، وأيما جهد صب في سدها فهو جهد مشكور، وطريق الألف ميل، يبدأ بخطوة. والله أعلم.

التخطي إلى شريط الأدوات