مسلمون حول العالم
نافذتك إلى أخبار الأقليات المسلمة

ماذا تعرف عن أبو بكر أفندي.. مبعوث الدولة العثمانية لمسلمي جنوب أفريقيا في قـ19؟

ولد أبو بكر أفندي في عام 1814 في ولاية شهرزور إيالت العثمانية وهو من عائلة تنتسب إلى آل البيت من ناحية زيد بن علي بن الإمام زين العابدين

مسلمون حول العالم ـ متابعات ـ هاني صلاح

كان لأبي بكر أفندي تأثير هائل على الحياة الثقافية لمسلمي رأس الرجاء الصالح حيث كان ضليعاً في الفقه الإسلامي، وكان لديه إلمام شامل ومعرفة عملية بالمذاهب الفقهية السنية الأربعة.. وأرسلته الدولة العثمانية إلى مسلمي جنوب أفريقيا.. فماذا تعرف عنه؟

بقلم/ د.مجدي سعيد ـ صحفي وكاتب مقيم في لندن

في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، كان قد مضى على وفاة توان جورو ــ مؤسس أول مسجد ومدرسة في جنوب أفريقيا ــ نصف قرن، تضخم خلالها عدد سكان الكيب المسلمين في الحجم والذين كانت أغلبيتهم من أصول إندونيسية جلبتهم سلطات الاحتلال الهولندي (ممثلة في شركة الهند الشرقية الهولندية) من بلادهم كعبيد بداية عام 1653، لتستخدمهم كعمال بالسخرة في مستعمرتها في جنوب أفريقيا، لكن هذا المجتمع مع غياب قيادات دينية متعلمة كان ينزلق إلى الانحدار، حيث كان الكثير من الأئمة، يفتقرون إلى التعليم، يتصارعون فيما بينهم على المكاسب التي يحصلونها من مكانتهم الدينية في أوساط ذلك المجتمع، كان الصراع لا ينتهي، حتى وصلت وقائعه المتعددة إلى محكمة كيب العليا.

كان الإنجليز قد استولوا من الهولنديين على مستعمرتهم في جنوب أفريقيا، حين وجه مجموعة من شيوخ المجتمع المعنيين دعوة لإرسال مدرس يقودهم ويعلمهم دينهم إلى كيب من اسطنبول. لا أحد يعرف من هم هؤلاء الأشخاص، لكن تدخلهم هو الذي أدى إرسال الملكة فيكتوريا طلبا إلى السلطان العثماني عبد العزيز لاختيار إمام مبتعث إلى جنوب أفريقيا، وقد وقع اختياره على الشيخ “أبو بكر أفندي”، العالم العثماني، الذي وصل إلى جنوب أفريقيا في أوائل عام 1863، بعد رحلة طويلة من إسطنبول إلى باريس، إلى لندن، ثم إلى ليفربول، حيث أخذ الباخرة في رحلة استمرت 44 يوما إلى رأس الرجاء الصالح، التي وصل إليها في 17 يناير من عام 1863. وكما يقول شفيق مورتون أحد كتاب سيرته “وقد رحب به أولئك الذين يتوقون إلى التعلم، وواجه سوء المعاملة من زمرة من الأئمة الذين شعروا بالتهديد منه. ومن المحزن أن سخطهم هو الذي أفسد قصته لأكثر من 140 عاما”.

النشأة والتعليم

ولد أبو بكر أفندي في عام 1814 في ولاية شهرزور إيالت العثمانية (على الرغم أنه شاع أن سنة ميلاده هي عام 1835)، وهو مع عائلة تنتسب إلى آل البيت من ناحية زيد بن علي بن الإمام زين العابدين، رض الله عنهم، هاجرت الأسرة في القديم من مكة أيام الدولة العباسية، ثم إلى منطقة الأكراد أيام حكم السلاجقة.

درس أبو بكر أفندي في المدرسة التي أنشأها في الأصل جده أبو نصر الأمير سليمان القرشي الأمجدي لمن أراد التعلم، ودرس أيضا في مكة، والتحق بأسرته في أرضروم حيث أجرى المزيد من الدراسات، ثم ذهب إلى إسطنبول عام 1862 لطلب المساعدة لأهل أرضروم الذين كانوا يعانون من آثار المجاعة، إلى أن طلبت منه الحكومة السفر إلى مستعمرة الكيب. حيث صدر عام 1862 مرسوم إمبراطوري عثماني بإرسال أبو بكر أفندي الأمجدي، وعمر لطفي أفندي إلى الكيب.

كان أبو بكر أفندي ضليعاً في الفقه الإسلامي، حيث كان لديه إلمام شامل ومعرفة عملية بالمذاهب الفقهية السنية الأربعة. بينما كان الأئمة الآخرون في الكيب يقومون بتدريس المذهب الشافعي، لكنهم كانوا قد تأثروا بالممارسات الثقافية من أماكنهم الأصلية، كما أن استعبادهم وإبعادهم عن أماكنهم الأصلية لفترة طويلة ومنعهم من ممارسة شعائر دينهم لفترة طويلة من قبل السلطات الهولندية أدى إلى انجرافهم عن معتقداتهم الأصلية.

كان الأئمة في الكيب يتنافسون على منصب الإمام، لما يحققه لهم من مكاسب مادية، حتى صاروا يتداولون المناصب فيما بينهم، وقد أكد أبو بكر أفندي أن هذه التصرفات تخالف الشريعة تماما ولا تستند إلى أي آية من القرآن. ومن الواضح أن تدخل أبي بكر أفندي في بعض عادات المسلمين المحلية أثر على المصالح الشخصية لبعض الأئمة الذين سبق لهم أن رحبوا به عند وصوله إلى الكيب.

في عام 1877 نشر الشيخ أبو بكر أفندي كتابه الأشهر “بيان الدين” باللغة الأفريكانية بالحروف العربية، وهو الكتاب الذي طبعته وزارة التعليم التركية في إسطنبول، ويتمتع الكتاب بأهمية خاصة باعتباره واحدا من أكثر المنشورات انتشارا عندما كانت اللغة الأفريكانية لا تزال في مهدها. تناول “بيان الدين” موضوعات الفقه الإسلامي، بما في ذلك الوضوء والصلاة والحج وأحكام الطعام.

وقد أفتى أبو بكر أفندي في كتابه بأن المحار وخاصة جراد البحر حرام أكله. وأدى ذلك إلى صراع داخل طائفة الكيب ذات الأغلبية الشافعية، وقد رأى بعض أئمة ومشايخ الكيب أنه لا يوجد دليل واضح وقطعي على حرمة جراد البحر. ومن ثم كتبوا عريضة يطالبون فيها بإخراج أبو بكر أفندي من الكيب. ورغم أن علماء الحنفية والشافعية قد اتفقوا على أن جراد البحر حرام أكله، ومن ثم، يبدو أن أبا بكر أفندي كان على حق في بيانه للشريعة الإسلامية في هذه المسألة. رغم ذلك فقد أدت فتاواه، سواء في قضية جراد البحر أو معارضته لتداول منصب الإمامة والإفتاء إلى اهتزاز مكانته في المجتمع.

وإضافة إلى مساهماته القانونية كان لأبي بكر أفندي تأثير هائل على الحياة الثقافية لمسلمي رأس الرجاء الصالح. حيث كان الزي الذي يرتديه مسلمو كيب متأثرا بالمستعمرين الأوروبيين، إلا أنه بعد وصول أبو بكر أفندي مباشرة، أصبح الطربوش التركي غطاء الرأس التقليدي لمسلمي الرأس بسبب نفوذه.

وقد كانت لأبي بكر أفندي مساهماته التربوية والفكرية بعد خمسة عشر يوما فقط من وصوله، حيث افتتح مدرسة دينية للبنين؛ وفي غضون عشرين يوما تم تسجيل أكثر من 300 تلميذ. وبحلول الوقت الذي افتتح فيه مدرسة أخرى للبنات، كانت زوجته هي مديرة تلك المدرسة.

وكان يخطب في أيام الآحاد الجموع، كما كان يعطي دروسا في التفسير، وفي الوقت نفسه، قام بتثقيف نفسه أيضا لكي يفهمه السكان المحليون، حيث تعلم وأتقن اللغتين الأفريكانية والإنجليزية، وفي إطار أنشطته التعليمية زار عدداً من المدن والبلدات ووعظ فيها، كما ذهب إلى موزمبيق المجاورة وجزر موريشيوس.

وإذا كان أبو بكر أفندي قد جاء إلى الكيب كأجنبي، إلا أنه من خلال الزواج، وتكوين عائلة أصبح مرتبطا بالدم بأهل البلاد، حيث تزوج أبو بكر أفندي مرتين خلال إقامته في رأس الرجاء الصالح. تزوج أولا من رقية ميكر يوم الأربعاء 8 أبريل 1863 في كيب تاون، لكن صعوبات التواصل أدت إلى العديد من المشاجرات المنزلية وفي النهاية اضطر إلى طلاقها. وفي 30 ديسمبر 1864، تزوج من طاهرة سابان كوك، وهو الزواج الذي أثبت أنه كان سعيدًا، وأثمر عن خمسة من الأبناء وبنتا واحدة، وقد ساهموا جميعا بأدوار مهمة، سواء في المجتمع المسلم بجنوب أفريقيا، أو في الدولة العثمانية، وقد توفي أبو بكر أفندي في 29 يونيو 1880 في كيب تاون، وتم دفنه في أقدم مقبرة إسلامية موجودة في جنوب أفريقيا.

وقد ظهرت كتابات عدة لإحياء سيرة الشيخ أبو بكر أفندي، منها ما كتبه سليم عرجون عنه في عام 2000 بعنوان “حياة ومساهمة العلامة العثماني أبو بكر أفندي في الفكر والثقافة الإسلامية في جنوب أفريقيا”، ومنها الدراسة التي قدمها سرهات أوراكتشي لنيل درجة الماجستير من جامعة جوهانسبرج عام 2007 بعنوان “تحليل تاريخي للروابط البازغة بين الإمبراطورية العثمانية وجنوب أفريقيا بين 1861 و1923″، وآخرها كتاب شفيق مورتون “الهلال في الكيب: الشيخ أبو بكر أفندي 1814 – 1880” والصادر عام 2022.

ـ مصدر المعلومات والمزيد منها طالع مصدر النشر: ( اضغط هـنـا ).

 

التخطي إلى شريط الأدوات