مسلمون حول العالم ـ متابعات ـ هاني صلاح
الدكتور أمين القاسم، الباحث في تاريخ المنطقة، يسرد علينا في مقال علمي هام تسلسل تاريخي لترجمات معاني القرآن الكريم للغة البولندية.
بقلم/ الدكتور أمين القاسم ـ الباحث في تاريخ المنطقة
أهمية ترجمة معاني القرآن الكريم للغة البولندية
تأتي أهمية ترجمة معاني القرآن الكريم للغة البولندية أن مسلمي بولندا من التتار لا يتكلمون إلا اللغة البولندية بعد أن فقدوا لغتهم الأم التترية خلال قرون من الزمان، ولكي ليفهموا كتاب الله ويحصلوا على صورة صحيحة عنه لابد من الإطلاع على الترجمات البولندية.
كذلك فإن ترجمة معاني القرآن الكريم مهمة لتعريف الناطقين باللغة البولندية بأصول الإسلام وقواعده.
ونلاحظ أن الكثير من طبعات الترجمات طبعت خارج بولندا، كذلك نجد أن مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف لم يطبع ترجمة معاني القرآن الكريم للغة البولندية حتى الآن.
وهنا نسرد تسلسل تاريخي لترجمات معاني القرآن الكريم للغة البولندية..
البولندية بالأبجدية العربية
بدايةً، للحديث عن ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة البولندية فنحن بحاجة للعودة إلى القرن السادس عشر الميلادي، عندما قام تتار بولندا أو تتار ليبكي Lipka Tatars، ويطلق عليهم أيضا تتار دوقية ليتوانيا الكبرى -والتي حَكَمت من أواسط القرن 13م وحتى 1795م- قام أئمة هؤلاء التتار بخط القرآن باللغة العربية، ثم جاءت ترجمة أو تفسير كلماته ومعانيه إلى اللغة البولندية بين سطور الكتابة، وقد كتبوا البولندية بالأبجدية العربية.
أول ترجمة ـ 1686
وقد أثبت “مركز أبحاث الكتابات” في كلية العلوم الإنسانية بجامعة كوبرنيكوس في مدينة تورون ببولندا، أن النسخة التترية لترجمة معاني القرآن الكريم للغة البولندية المكتوبة عام 1686م والمحفوظة في مدينة مينسك بجمهورية بيلاروسيا، تعد أول ترجمة لمعاني القرآن الكريم إلى اللغة البولندية وثالث ترجمة لمعاني القرآن إلى إحدى اللغات الأوروبية بعد اللاتينية عام 1543م، والإيطالية عام 1547م. وللدقة نلاحظ في هذه الترجمة أن ترجمة أول 18 سورة تمت إلى اللغة العثمانية والباقي إلى البولندية.
وحسب بعض المؤرخين البولنديين في النصف الأول من القرن السابع عشر قام البولندي بيوتر ستاركوفيسكي (توفي عام 1644م)، والذي درس في اسطنبول، وعمل مترجما في بلاط الملك فلاديسلاف الرابع (1595- 1648م)، قام بترجمة القرآن من العثمانية إلى البولندية، ولكن هذا المخطوط فقد ولم ينشر.
“ترجمة بوكزاكسي”
تم نشر أول نص كامل لترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة البولندية عام 1858م في مدينة بوزنان، وقد تمت بواسطة التتري البولندي جان ميرزا تاراك بوكزاكسكي – وما يزال يشار إليها حتى الآن لدى البولنديين ب”ترجمة بوكزاكسي”، وقد أشار المترجم في مقدمته إلى أن والده سليم بوكزاكسي هو صاحب الترجمة، وأن جان شارك في إعداد الترجمة للطباعة فقط، وقد صدرت هذه الترجمة دون النص العربي في مجلدين، المجلد الأول كان عن حياة النبي صلى الله عليه وسلم وعن العقيدة الإسلامية والعلاقات التركية البولندية، فيما جاء نص ترجمة معاني القرآن الكريم في المجلد الثاني من الكتاب، وفي العام 1988م أعيد طباعة هذه النسخة بمدينة وارسو، ثم أعيد طباعته في الولايات المتحدة عام 2014م، وفي بريطانيا عامي 2015م و2017م، مع حذف المجلد الأول التي في الطبعة البولندية الأصلية.
ولكن في العام 1995م أثبت المؤرخ البروفيسور زبيغنيو فوجسك (1922- 2014م) من وارسو أن هذه الترجمة قام بها اثنين من الباحثين الكاثوليك من فيلنيوس بليتوانيا وهما الكاهن ديونيزي شليونسكي (1793- 1870م)، والعالم الجيولوجي إغناسي دوميكو (1802- 1889م)، وقد قام الباحثان بعملية الترجمة في أواخر عشرينيات القرن التاسع عشر الميلادي، ولكن تركوا لنا عدة أسئلة هل تمت الترجمة بتكليف من تتار بولندا قبل ثلاثين عاما من نشرها؟ وهل استخدام اسم جان بوكزاكسي كمترجم كانت لتجاوز الرقابة الحكومية أم هذا أسهل للقبول من جانب الكهنة الكاثوليك والبولنديين؟
وفي العام 1935 أصدر مفتي بولندا د. يعقوب سينكيفيتش (1884- 1966م) كتاب “آيات من القرآن” ترجم فيه لأجزاء من القرآن الكريم، وأعيد طباعته عام 1995م.
وأتت الترجمة التالية الكاملة لمعاني القرآن الكريم عام 1986م للمستعرب البولندي البروفيسور جوزيف بيلاتسكي (1910-1997م)، من اللغة العربية مباشرة، وبمجلد واحد كبير، ولا تحتوي هذه الطبعة على النص العربي، الطبعة الأولى ظهرت في يوغوسلافيا، ثم ظهرت طبعات متلاحقة في أعوام 1997، و2002، و2007م، وعام 2015م أعيد طباعتها في كل من ألمانيا ثم بريطانيا، وفي العام 2017م طبعت في تركيا.
كما توجد ترجمة غير منشورة لميخائيل روزانسكي مطبوعة على الآلة الكاتبة بنسخة وحيدة عام 1986م، و وقد اعتمد المؤلف في ترجمته على الترجمة الألمانية الشهيرة لمعاني القرآن الكريم للمستشرق الألماني ماكس هيننغ (1861- 1927م)، والصادرة في مدينة لييبتسيغ عام 1901م، والتي قام بها الكاتب الألماني من العربية مباشرة.
ثم صدرت في العام 1990م في لندن ترجمة لمعاني القرآن الكريم متضمنة النص العربي، وهي من منشورات مؤسسة في باكستان تابعة للجماعة الأحمدية، ولا توجد معلومات كافية عن المترجم، وهي على الأغلب جاءت من الترجمة الإنكليزية، ثم أعيد طباعتها مرة أخرى عام 1996م.
وفي العام 2011م، تم نشر ترجمة لمعاني القرآن الكريم للغة البولندية متضمنة النص العربي في نيوجرسي بالولايات المتحدة الأمريكية، والناشر هي مؤسسة تركية مرتبطة بحركة فتح الله كولن، وقد تمت الترجمة من اللغة الإنكليزية بواسطة د. ياروسلاف سوردل (والترجمة من العربية إلى الإنكليزية بواسطة علي أونال)، ثم أعيد إصدار هذه الترجمة عامي 2011 و2013م من وارسو.
وفي نوفمبر من عام 2018م صدرت ترجمة لموسى تشاكوروفسكي، والتي اعتمد فيها على الترجمات الروسية والإنكليزية، ثم أعيد طباعتها عام 2020م، ومرة أخرى في العام 2021م مع النص العربي.
وفي مايو من عام 2021م أصدرت إحدى الجمعيات الشيعية ترجمة للشيعي البولندي رافائيل بيرغر اعتمد في ترجمتها على الترجمات الروسية والألمانية.