مسلمون حول العالم
نافذتك إلى أخبار الأقليات المسلمة

فؤاد النهدي.. الحضرمي الذي قاد صحافة الجيل الثاني من مسلمي بريطانيا

يعد الصحفي والناشط الإجتماعي فؤاد النهدي أحد الناشطين العظماء الذين أنتجهم الإسلام البريطاني

مسلمون حول العالم ـ متابعات ـ هاني صلاح

فؤاد النهدي.. الحضرمي الذي قاد صحافة الجيل الثاني من مسلمي بريطانيا، يعد أحد الناشطين العظماء الذين أنتجهم الإسلام البريطاني.. فماذا تعرف عنه؟

ناشط عظيم

بقلم/ الدكتور مجدي سعيد ـ كاتب صحفي مقيم في لندن

في تأبينه، كتب عنه الباحث والكاتب البريطاني المسلم يحيى بيرت: كانت “كيو نيوز” Q-News، التي أنشأها فؤاد النهدي أهم مطبوعة إسلامية في المملكة المتحدة في وقتها، ساعدت في تشكيل كيفية رؤية جيل كامل من الشباب المسلمين لهويتهم وإيمانهم. ومن ثم، ينبغي أن نتذكره إلى جانب الشيخ عبد الله كويليام والدكتور كليم صديقي باعتباره من بين الصحفيين والناشطين العظماء الذين أنتجهم الإسلام البريطاني.

النشأة ومؤثرات البيئة

جمع الصحفي والناشط الاجتماعي فؤاد النهدي Fuad Nahdi خليطا عجيبا في عروقه وفي ثقافته، وفي شخصيته، حيث ولد في أروشا، بتنزانيا عام 1957، ونشأ في مومباسا بكينيا، من أسرة تعود إلى أصل يمني إندونيسي، حيث هاجر أجداده من حضرموت، سعيا على أرزاقهم في شرق إفريقيا، تضم عائلة فؤاد الممتدة أغنى أصحاب الأراضي الحضرية في كينيا، وعلى رأسهم الشيخ صوالح النهدي. وكان والد فؤاد نفسه رجل أعمال ناجح في دار السلام (تنزانيا) قبل أن يصاب بمشكلة في القلب، مما أجبره على الانتقال بالقرب من أقربائه المقربين في مومباسا، والاستفادة من المرافق الطبية الأفضل هناك.

تشرب فؤاد عطف على النساء في أسرته، مما انعكس في شخصيته، حيث كانت والدته، هي حبه المطلق التي أعطت أطفالها أفضل تربية، كما كان مقربا إلى شقيقاته الثلاث، فكان صديقهم، ومعلمهم، وفي مقام أبيهم بعد وفاة أبيه، حرص على تزويجهم، والتأكد من أن أزواجهن يعرفون أن لديهم رجلاً خلفهم وأمامهم يدافع عن مصالحهم.

تلقى فؤاد تعليمه وفق التقاليد العلمية والروحية للباعلوية في جنوب اليمن، وهم سلالة من الرجال الأتقياء ينحدرون من نسل النبي، اشتهروا بدورهم التاريخي في نشر الإسلام في العديد من البلدان على مر القرون.

كما درس فؤاد الاقتصاد في جامعة نيروبي، وكان لنشأته في شرق أفريقيا، وخاصة تعليمه في كينيا، دور مهم في تكوينه الفكري والاجتماعي، حيث بدأ ميله للنشاط والحب الدائم للمستضعفين، وخاصة المسلمين المستضعفين، خلال فترة دراسته بالجامعة والتي كانت حينها مكانا فكريا صاخبا ومثيرا.

انغمس فؤاد بشكل كامل في الأنشطة الأكاديمية والسياسية والاجتماعية للجامعة، حيث كان رئيسًا لجمعية الطلاب المسلمين بجامعة نيروبي، وكان ينتمي أيضا إلى المنظمة القبلية الساحلية، ورابطة طلاب الساحل، كما كان نشطًا كعضو في جمعية الشباب المسلم، وهي منظمة إسلامية غير حكومية تقوم بأعمال خيرية نشطة في المقاطعة الشمالية الشرقية، وهي منطقة تشترك في الحدود الكينية مع الصومال وجنوب إثيوبيا. كما أصدر رسالة إخبارية طلابية. وكان يُطلب منه في كثير من الأحيان التحدث في خلوات الندوة العالمية للشباب الإسلامي (WAMY)، وكان آخر عمل حقيقي لفؤاد في كينيا هو فترة قصيرة نسبيًا قضاها مع المؤسسة الإسلامية في نيروبي.

وبعد أن أكمل دراساته الجامعية في الاقتصاد اختار فؤاد أن يصبح صحفيا متمرسا. ومن ثم حصل على فرصة لحضور سلسلة من الدورات الصحفية القصيرة، والتي تخللتها فترة تدريب في المعهد الإسلامي في لندن الذي أسسه الدكتور كليم صديقي والذي كان قد رتب هذا البرنامج التدريبي لإعداد جيل من الصحفيين المسلمين.

وبينما كان البرنامج يوفر الرسوم الدراسية مجانا، كان على الصحفيين الشباب المهتمين والطموحين أن يجدوا وسائل خاصة لإعالة أنفسهم. ومن ثم اتخذ فؤاد القرار وتوجه إلى لندن، وهناك جمع بين العمل قائدا لسيارة أجرة، وبين حضور التدريب، وقد وجد فؤاد في الدكتور كليم أبا ومرشدا تشرب منه أصول المهنة وتعرف على الثقافة الإنجليزية في هذا المجال.

تعزيز مسيرته الصحفية

ولرغبته في تعزيز مسيرته الصحفية، درس في جامعة سيتي التي تأسست مؤخرا، في لندن، وكانت مركزا للتميز في الدراسات الصحفية، وقد ساهمت تلك الفترة التي قضاها هناك في تشكيل نظرته الصحفية بشكل كامل، كما زودته بشبكة واسعة من العلاقات في عالم الصحافة العالمية مكّنته من أن يكون صحفيا مستقلا يعمل مع عدة منافذ إخبارية مرموقة مثل واشنطن بوست، ونيويورك تايمز، والجارديان، والإندبندنت، ورويترز، ووكالة فرانس برس، وأسوشيتد برس، وغيرها من القنوات الأقل شهرة.

وفي الفترة ما بين عامي 1985 و1986 التحق فؤاد بكلية الدراسات الأفريقية والشرقية للحصول على درجة الماجستير في “الإسلام والسياسة”، حيث درس حركة الطلاب المسلمين في جامعة نيروبي.

وقد كان 1988 بداية توجه فؤاد من الاهتمام بالشئون الدولية للمسلمين، إلى الاهتمام بشئون المسلمين في بريطانيا، كانت جمعية النساء An-Nisa Society وهي جمعية للنساء المسلمات في بريطانيا، موجودة قبل ذلك التاريخ، وكانت خالدة خان، مؤسسة الجمعية وصاحبة رؤيتها، تجري معه محادثات لا نهاية لها حول قضايا التمييز ضد المسلمين والإسلام، مما كان حافزا له لتأسيس مجلة “مسلم وايز Muslimwise”، التي كانت المرأة هي العمود الفقري لها.

بعد ذلك جاءت مجلة “كيو نيوز” أهم المجلات الإسلامية على مدى ما يقرب من 15 عاما، والتي يقول عنها يحيى بيرت: بدأت Q-News كمجلة أسبوعية تعتمد على الأخبار مع إصدارها الأول في 3 أبريل 1992، لكنها أصبحت في السنوات اللاحقة مجلة شهرية لامعة ذات ميزات أطول، كان برنامجها يستهدف دائمًا الشباب المسلم، ومن أجل تلبية احتياجاتهم، قام فؤاد بتوجيه فريق من الشباب البريطاني المسلم، ونقل مهاراته الكبيرة في الصحافة والعلاقات العامة وتنظيم المجتمع وإدارة الأحداث. ثم واصلت هذه المجموعة من الصحفيين المسلمين الشباب المساعدة في تحديد وجهة نظر جيلهم الذي بلغ سن الرشد في التسعينيات.

وكما كانت “مسلم وايز”، فقد كانت خليفتها “كيو نيوز” مجلة دورية إسلامية تركز على أصوات النساء المسلمات واهتماماتهن وأفكارهن وأجنداتهن وكانت ثاني مجلة بريطانية إسلامية تعين امرأة مسلمة كرئيسة تحرير وهي شجوفتا يعقوب، في عام 2000؛ حيث سبقتها سارة جوزيف في “تريندز” Trends عام 1994.

وقد امتد عمر كيو نيوز حتى شهر ديسمبر من عام 2005، وهو العام الذي شهد تأسيس فؤاد لمؤسسة “الطريق الوسطي الراديكالي Radical Middle Way”، وهي شركة غير ربحية تهتم بالمجتمع وتهدف إلى السماح للشباب المسلمين – في المملكة المتحدة وحول العالم – بالتواصل مع عقيدتهم واستكشاف ما يعنيه الإيمان في القرن الحادي والعشرين. تأسست في أعقاب هجمات 7 يوليو على مترو الأنفاق في لندن، وتهدف إلى تعزيز الفهم السائد والمعتدل للإسلام الذي يمكن للشباب الارتباط به.

وقد قدمت المؤسسة برامج وفعاليات للترويج لفكرة أن الدين الصالح هو السبيل لمعالجة التطرف، والترويج لإسلام بريطاني إيجابي يتسم بالثقة، ولا يخشى أن يكون صريحا عند الحاجة، لذا كان شعار البرنامج: محاربة الخوف. محاربة الجهل. والتحلي بالإيمان، وقد بلغ عدد تلك البرامج أكثر من 230 برنامجًا وحدثًا في المملكة المتحدة وباكستان والسودان وإندونيسيا ومالي والمغرب. شارك فيها أكثر من 75000 شخص من المملكة المتحدة وحدها، فضلا عن عشرات الآلاف من جميع أنحاء العالم.

ولم يكن تأكيد الهوية بشكل إيجابي سمة جديدة على أفعال فؤاد النهدي، حيث قام لأول مرة في بريطانيا بتنظيم أول احتفال كبير بمولد النبي عام 1995 بعنوان “التوحد من أجل النبي Uniting for the Prophet” الذي جمع التقاليد الصوفية وحتى غير الصوفية المختلفة تحت سقف واحد. وقد كرر هذا في حدث مميز آخر في عام 2005 مع المولد النبوي الذي أقيم في مركز مؤتمرات ويمبلي، ونتيجة لذلك، صار الاحتفال بمولد النبي يُمارس على نطاق واسع في جميع أنحاء البلاد.

وفضلا عن تلك المؤسسات التي أسسها، كان فؤاد النهدي شخصية بارزة في أوساط الحوار بين الأديان، حيث لعب دورًا نشطًا في “المنتدى المسيحي الإسلامي”، الذي تأسس عام 2005، وحصل على الميدالية الذهبية للحوار بين الأديان من منتدى الأديان الثلاثة في عام 2012، وكان أول مسلم على الإطلاق يخاطب المجمع المسيحي العام عام 2014، حيث كان قريبًا بشكل خاص من رئيس الأساقفة روان ويليامز.

وفي عمله بشكل عام، شكل فؤاد شراكات مهمة مع المسلمين البريطانيين من أمثال إبراهيم هيويت، وداود روسر أوين، ويوسف إسلام، وعبد العظيم سوندرز، وعبد اللطيف وايتمان، ومارتن أبو بكر سراج الدين لينغز، وحسن لو جاي إيتون، إضافة إلى الشيخ حمزة يوسف، والشيخ نوح كيلر، والدكتور عمر عبد الله، والإمام زيد شاكر، والشيخة حليمة كروسن، وبشكل أعمق، مع الشيخ عبد الحكيم مراد رئيس الكلية الإسلامية في كمبريدج، فعندما عاد عبد الحكيم من دراسته في العالم العربي، كان هو وفؤاد يدعمان بعضهما البعض في العديد من المشاريع على مدى الثلاثين عاما التالية.

ناشط في الاستشارات العائلية

وعلى الرغم من معاناته من مرض السكر والسرطان على مدار العشر سنوات الأخيرة من عمره والتي جعلته يتردد على المستشفيات بشكل دوري، فقد ظل دائما ناشطا في الاستشارات العائلية والصلح بين الأزواج، فضلا عن قيامه بدور ولي للشابات المسلمات في زواجهن، وضمان حسن معاملة أزواجهن لهن، ومع انتشار جائحة كوفيد-19 أصيب بكورونا على مدى 6 أسابيع حتى أسلم الروح يوم 31 مارس 2020.

كان فؤاد النهدي كما كتب عنه الكثير من أصدقائه شخصية محببة، مرحة، هينة لينة، فضلا عن جرأته في أفكاره الإصلاحية والتي كان يتوجه بها إلى الجمهور والمؤسسات الإسلامية فضلا عن الحكومة والجمهور البريطاني.

ولذلك عبر محبوه عن مشاعرهم بعد وفاته من خلال دعمهم الفائق لمشروع الصدقة الجارية التي قامت أسرته بطلب تمويلها من خلال حملة على موقع “لونش جود”، والتي حصلت على أكثر مما كان مخططا لها من تمويل في فترة وجيزة. كما عبر أصدقاؤه ومحبوه وعارفي فضله عن حبهم له ولمشاريعه وأفكاره من خلال إصدارهم عددا تذكاريا من مجلة “كيو نيوز” في ذكرى وفاته الأولى، وبعد توقف المجلة بـ15 عاما، وقد بلغ عدد صفحات هذا العدد 300 صفحة.

في الختام، وكما قال يحيى بيرت عنه في تأبينه: قبل كل شيء، كان (فؤاد النهدي) صحفيًا وناشطًا، وكان بمثابة الصوت البديل الحقيقي للمسلمين. تناول عمله الحقيقي قضايا مثل قضية (سلمان) رشدي والبوسنة والإسلاموفوبيا والهوية الإسلامية. إن قدرته على العمل مع المجتمع الإسلامي ككل والتعرف عليه جعلته إسلاميا جامعا.

ـ مصدر المقال ومزيد من المعلومات والروابط: ( اضغط هنا ).

 

التخطي إلى شريط الأدوات