مسلمون حول العالم
نافذتك إلى أخبار الأقليات المسلمة

يوسف مُتالا.. مؤسس أول مدرسة إسلامية في المملكة المتحدة

كما وصفه الدكتور يحيى بيرت أحد أعلام مسلمي بريطانيا الحاليين بأنه أحد عمالقة الإسلام في بريطانيا

مسلمون حول العالم ـ متابعات ـ هاني صلاح

بقلم/ الدكتور مجدي سعيد ـ كاتب صحفي مقيم في لندن

من أعماق شبه القارة الهندية جاء كما جاء الملايين غيره إلى بريطانيا وهو ابن 22 عاما، ليترك فيها أثرا لا يمحى خلال حياته فيها على مدى أكثر من خمسين عاما، وهو ما جعل الدكتور يحيى بيرت أحد أعلام المسلمين البريطانيين الحاليين يصفه بقوله: كان أحد عمالقة الإسلام في بريطانيا، ومثل زعيم جماعة التبليغ الحافظ محمد باتيل (1926–2016)، كان له تأثير كبير على تطور المجتمعات الإسلامية في بريطانيا في النصف الأخير من القرن العشرين وما بعده. لم تكن مساهمته دائمًا مفهومة من قبل المسلمين البريطانيين الآخرين الذين لم يتحركوا داخل هذه الدوائر، وبالتأكيد ليس من قبل المجتمع الأوسع، باستثناء التسلسل الهرمي لكنيسة إنجلترا (في ظهور علني نادر، حضر الشيخ يوسف تأسيس المنتدى الإسلامي المسيحي عام 2006). ولم يتم الاعتراف بأهميته إلا في عام 2011 في قائمة ذلك العام لأكثر المسلمين تأثيرًا في العالم “The Muslim 500”.

العالم الشيخ يوسف مُتالا Yusuf Motala

إنه العالم الشيخ يوسف مُتالا Yusuf Motala الذي ولد في نوفمبر من عام 1946 في منطقة سورات بولاية جوجارات الهندية، لأسرة تنحدر من خلفية زراعية وكانت ملتزمة جدًا بالتعليم الديني. أكمل يوسف حفظ القرآن الكريم كاملاً في سن مبكرة، والتحق أولاً بالجامعة الحسينية، إحدى المدارس المبكرة في ولاية جوجارات عام 1961، ثم اعتبارًا من عام 1966 قضى عامين من التعلم في مظاهر العلوم سهارانبور الشهيرة في ولاية أوتار براديش في الشمال الهندي، وهي ثاني أكبر المدارس الدينية في الهند لإكمال عالميته، حيث درس على يد الشخصية الرائدة فيها، عالم الحديث الشهير والمرشد الروحي ومؤلف منهج جماعة التبليغ الضخم المؤثر، الشيخ المحدث مولانا محمد زكريا الكندهلوي (1898-1982)، والذي كان الشيخ يوسف مقرباً بشكل خاص منه، فضلا عن العديد من علماء المدرسة.

عند الانتهاء من دراسته، تم ترتيب زواج مولانا يوسف من فتاة من عائلة ليمبادا التي هاجرت إلى المملكة المتحدة من ولاية جوجارات. وفي عام 1968، انتقل يوسف إلى المملكة المتحدة وقبل منصب إمام مسجد زكريا في بولتون. وعلى الرغم من أنه كان يشتاق إلى أن يكون بصحبة شيخه، إلا أنه تلقى تعليمات صريحة بالبقاء في المملكة المتحدة وتركيز جهوده على إنشاء مدرسة لتحفيظ القرآن وتعليم برنامج العالمية هناك، من أجل تدريب جيل من العلماء المسلمين من شأنه تثقيف وتوجيه المجتمع الإسلامي المتنامي.

أول مدرسة دينية إسلامية

كان إنشاء أول مدرسة دينية إسلامية، في هذا الوقت المبكر، مع غياب أي سابقة، مهمة شاقة، ومع ذلك، لم يتزعزع مولانا يوسف أبدًا في التزامه وعمل بجد لجعل حلم معلمه حقيقة. وفي عام 1973 قام بشراء مصحة أيتكين المهجورة في قرية هولكومب، بالقرب من بيري، بمقاطعة لانكشاير، لتصبح أول معاهد التعليم العالي الإسلامية المتكاملة خارج شبه القارة الهندية، حيث يقوم بتدريس المنهج النظامي المعدل.

تُعرف هذه المؤسسة شعبيًا باسم “دار العلوم بيري Dar al-Ulum Burry” أو “بيري” باختصار، وقد تخرج منها مئات من الخريجين الذين استمروا في خدمة المجتمعات المحلية في المملكة المتحدة وأوروبا، وأمريكا الشمالية، وأفريقيا وفي أماكن أخرى. لقد كانت “بيري” المدرسة الأم للعديد من المعاهد الدينية الديوبندية في الغرب.

وكما يقول المفتي عبد الرحمن منجيرا – أحد تلامذة مولانا يوسف متالا – فإنه، وبعد أربعة عقود، أنتجت دار العلوم العربية الإسلامية، إلى جانب العديد من المعاهد الشقيقة، التي أسسها مولانا يوسف أيضا، مثل مدرسة جامعة الإمام محمد زكريا للبنات في برادفورد، ما يزيد عن 2000 من الذكور والإناث المولودين في بريطانيا. يعمل الكثير منهم كعلماء ويخدمون المجتمعات في جميع أنحاء المملكة المتحدة وفرنسا وبلجيكا وهولندا والبرتغال والولايات المتحدة وكندا وبربادوس وترينيداد وبنما والمملكة العربية السعودية والهند ونيوزيلندا.

وإلى جانب هؤلاء الخريجين، قام عدد لا يحصى من الأفراد بحفظ القرآن الكريم في هذه المعاهد. علاوة على ذلك، فقد أنشأ العديد من خريجي دار العلوم والمعاهد الشقيقة معاهدهم الخاصة، مثل جمعية العلم والهدى في بلاكبيرن، وأكاديمية الدعوة الإسلامية في ليستر، وجامعة الكوثر في لانكستر بالمملكة المتحدة، ودار العلوم بالميلا في البرتغال، على سبيل المثال لا الحصر.

رؤية عميقة لاحتياجات المجتمع الغربي المعاصر

ومن المعاني التي تدل على درجة فهم ووعي الرجل ما قاله منجيرا أيضا: كان مولانا يوسف رجلاً يتمتع برؤية عميقة لاحتياجات المجتمع الغربي المعاصر، وهو مجتمع كان مختلفًا تمامًا عن ذلك الذي نشأ وتدرب فيه. وبهدف المساهمة في المجتمع السائد، شجع مولانا يوسف خريجيه على التزود بالمزيد من المعرفة من خلال التعلم من الدورات الإسلامية للدراسات العليا والأوساط الأكاديمية الغربية، وتنويع مجالات تعلمهم في جامعات المملكة المتحدة الرئيسية.

ونتيجة لذلك، تدرب العديد من خريجي معاهده العالمية في جميع التخصصات العلمية السائدة، وحصل العديد منهم على درجة الدكتوراه وصاروا يلقون المحاضرات في الجامعات. وكانت رؤيته تتمثل في تدريب العلماء المسلمين المولودين في بريطانيا (أو غيرها) والذين سيكونون على دراية جيدة بالفكر المعاصر والانضباط إلى جانب تعليمهم الإسلامي المتقدم، وتجهيزهم للمساهمة بشكل أفضل في المجتمع. وخلال حياته، رأى مولانا يوسف مباشرة ثمرة جهوده، حيث شهد كبار طلابه (خريجي معاهد طلابه) يقدمون التعليم والخدمات الدينية للمجتمعات في جميع أنحاء العالم بلغاتهم المحلية.

شديد الخصوصية

وعلى الرغم من التزامه بتحقيق المصلحة والمنفعة العامة، فقد كان الشيخ شخصًا شديد الخصوصية يتجنب السعي للحصول على الأوسمة أو الاهتمام، وقد رفض لعقود عديدة الدعوات لحضور المؤتمرات أو المحاضرات في جميع أنحاء البلاد، واختار التركيز على طلابه وعائلته، وقام بتدريس المنهج الأكاديمي وغرس في قلوب العديد من الطامحين حب الله من خلال تجمعات الذكر المنتظمة، والاعتكاف على طريقة شيخه الصوفية الجشتية.

يقول يحيى بيرت معلقا على حياة مولانا يوسف متالا قائلا: لقد كان من حسن حظي أن التقيت بالشيخ يوسف مرة واحدة فقط في تجمع في كيدرمينستر قبل عقدين من الزمن، وبالتالي لا أستطيع أن أدعي أي معرفة شخصية به، لكنني شعرت بالارتباط به بسبب الإلهام الذي وجدته في كتب المنهج التي كتبها معلمه والتي حفزتني كثيرًا خلال السنوات الثلاث الأولى من عمري كمسلم، لقد كان من حسن حظي أيضًا أن أعرف وأعمل مع عدد من خريجي “بيري” على مر السنين، وإذا كان من الممكن الحكم على الشجرة من ثمارها، فيمكنني القول إن هذه “الثمار” أظهرت التواضع، والمعرفة الإسلامية السليمة، والأخلاق الطيبة الراقية، والشعور بالتضحية والالتزام بالدين وخدمة المجتمع المسلم. إنهم إرثه وقد شكلوا الحياة اليومية للمجتمعات الإسلامية في جميع أنحاء هذا البلد.

ويقول المفتي عبد الرحمن منجيرا: خلال العقد الماضي، كان (مولانا يوسف) قد تقاعد من معظم التزاماته التعليمية (باستثناء صحيح البخاري) وقلل من لقاءاته مع أشخاص آخرين باستثناء تجمعات الذكر الأسبوعية، كان يقضي وقته مع عائلته وأطفاله الصغار ويكتب الكتب. ويشتمل تراثه المكتوب على أكثر من 20 عنوانًا، معظمها باللغة الأردية، ولكن أيضًا تفسير جزئي للقرآن باللغة العربية الفصحى.

وفي يوم 25 أغسطس من عام 2019 أصيب بأزمة قلبية، ما لبث أن فارق الحياة بعدها بأسبوعين وتحديدا يوم 9 سبتمبر وهو في تورونتو بكندا، وحضر جنازته 4 آلاف من المشيعين، حيث ووري الثرى هناك.

ـ مصدر النشر ومزيد من المعلومات والروابط: ( اضغط هنا ).

التخطي إلى شريط الأدوات