مسلمون حول العالم
نافذتك إلى أخبار الأقليات المسلمة

“إسماعيل كسبرالي”.. رائد تنويري في القرم “طواه النسيان”!

أدخل إسماعيل كسبرالي تطويرًا على أساليب التدريس التقليدية التي لم تتغير منذ قرون

مسلمون حول العالم ـ متابعات

بقلم/ د. عاطف معتمد، جغرافي وباحث ومترجم.

رجل مهم من القرم !

هذه بضع سطور عن رائد تنويري من القرن التاسع عشر، وقد طواه النسيان.

اسم صاحبنا “إسماعيل كسبرالي“، ويكتب أحيانا على صيغة “غصبرينسكي”.

ولد إسماعيل كسبرالي في عام 1851 قرب “يالطا” على سواحل البحر الأسود بشبه جزيرة القرم، وتلقى تعليمه في القرم حتى سن الخامسة عشرة ثم سافر إلى موسكو ملتحقا بأكاديمية فارونيݮ العسكرية، كما سافر إلى تركيا وفرنسا.

تطوير مناهج التعليم

في القرم، أدخل إسماعيل كسبرالي تطويرا على أساليب التدريس التقليدية التي لم تتغير في مناهجها وموضوعاتها منذ قرون.

شرع كسبرالي يكتب سلسة مقالات نشرت في صحف محلية (في القرم) وموسكوفية، كان عنوانها الكبير “الإسلام الروسي” وفحواها أن النهوض بالهوية القومية والدينية للتتر في روسيا وإتاحة الفرصة لهم للتعلم والترقي والمساواة في الحقوق هو في صالح نهضة الإمبرطورية الروسية ذاتها.

وكان يشاركه الرأي من أعراق أخرى مفكرون رأوا أن مصير الإمبراطورية الروسية إن استمرت في تجاهل شعوبها غير الروسية وإهمال نهضتهم التعليمية والاجتماعية ستواجه لا شك مصيرا صداميا.

الخطوة النوعية لكسبرالي تتمثل في إصدار صحيفة تعرض لأفكاره الإصلاحية متمشيا مع نفس التوجه الذي انتشر بين مثقفي قازان وطشقند وتبليس وباكو.

اختار كسبرالي للصحيفة مسمى “بيريفوتشيك” كعنوان للطبعة الروسية و”ترجمان” كعنوان للطبعة التركية وكلاهما يعني المترجم الذي سيأخذ على عاتقه “نقل الفكر” إلى الطرفين أو “تفسير” ما هو غامض لدى الطرفين، فتحصل ثقافة كل منهما على فرصة للتقارب من الآخر.

صحيفة “الترجمان”

خرج العدد الأول من صحيفة “الترجمان” في 10 إبريل 1883. بعد يومين فقط من مرور 100 عام على ضم روسيا القرم.

كانت الأبواب الثابتة في “الترجمان”: مقال كسبرالي، أخبار البلاد الروسية، أخبار العالم الإسلامي، مقتطفات من الصحف (الروسية، والإسلامية)، تطوير التعليم الديني، تعليم الفتاة وإخراج المرأة من دائرة الظل، وعروض الكتب.

ومنذ تأسيسها، تناولت الصحيفة تطوير الإدارات الدينية، وأكدت عدم التعارض بين “النقل والعقل” والتمييز بين “البدع” و”الإبداع” البشري الحديث. غير أن الوقت كان مبكرا لكي يستطيع المسلمون التتر في روسيا -بالأحرى من تلقى تعليما منهم- أن يميزوا الخيط الرفيع في مشروع كسبرالي الذي يفصل بين تهمة العلمنة وفضيلة التجديد.

في عام 1882 وحينما كان كسبرالي يُعِد مشروعه لإصدار الترجمان اكتشف أن المشكلة الأعمق تكمن في إصلاح التعليم في مهده. وجد كسبرالي أن جل التعليم الأساسي في القرم وكثير من المناطق التترية في روسيا يعتمد على تدريس العلوم الدينية التقليدية دون غيرها من العلوم الدنيوية كالرياضيات والجغرافيا والعلوم والتاريخ.

مدرسة تجريبية

أنشأ كسبرالي مدرسة تجريبية في شبه جزيرة القرم أدخل فيها تعليم اللغة العربية جنبا إلى جنب مع حفظ العلوم الدينية، وفي السنوات التالية أدخل الجغرافيا والتاريخ والحساب.

ورغم الاعتراض الأولي على هذه المدرسة إلا أن النتيجة جاءت سريعة بعد 3 سنوات من البدء، حيث تمكن طلاب مدرسة كسبرالي من التفوق على أقرانهم في المدارس التقليدية. وبالتدريج انتشرت الفكرة وتم إنشاء العديد من المدارس في أنحاء مختلفة من روسيا يقدرها الباحثون بـ 5 آلاف مدرسة.

ومع تخفيف المساحة الممنوحة للقرآن والحديث لصالح علوم دنيوية تلقى كسبرالي نقدا لاذعا من علماء الدين التقليدين الذين وصفوه بالمهرطق.

ومن زاوية أخرى يعتبر البعض أن حركة كسبرالي قد تأخرت كثيرا فلو أن مشروعه ظهر على يد الجيل السابق له (1800 بدلا من 1880) لما كانت حدثت حركة الهجرة الجماعية لتتر القرم إلى تركيا العثمانية، ولما صار تتر القرم أقلية في وطنهم، ولحال ذلك دون عملية النفي التي حدثت لهم في الأربعينيات على يد ستالين لقلة عددهم.

وفي تقييم التجرية سيظل كسبرالي محل نقاش وجدل في هوية مشروعه. ففي الوقت الذي كان يرفض فيه التقليديون مشروعه قام الشيوعيون في السنوات الأولى لحكمهم روسيا بالتأكيد على استنارة المشروع واستناده على أيديولوجية “فوق قومية”، وبالتالي فالرجل بالنسبة لها شيوعي قبل قيام الشيوعية، ومن ثَم تم تحويل بيت كسبرالي في القرم إلى متحف شعبي وصُوّر الرجل في الكتابات الشيوعية لهذه الفترة بطلا قوميا.

وقد أجج ذلك بالطبع من الهجوم على كسبرالي من قبل المدرسة التقليدية الإسلامية. غير أن الصورة سرعان ما تبدلت في ثلاثينيات القرن العشرين، حينما قام جوزيف ستالين بحملته الشهيرة على الأديان والقوميات، وصنف ستالين أفكار كسبرالي محرضة على الروح القومية والدينية.

وهكذا دفن اسم كسبرالي منذ 1944، وهو ذاته تاريخ النفي الكبير لتتر القرم وغيرهم من القوميات الإسلامية في القوقاز. ويحاول بعض المثقفين الروس ذوي الهوية القومية التترية أن يعيدوا الاعتبار إلى مشروع إصلاح التعليم الذي أطلقه كسبرالي أو جسبرنسكي أو غصبرنسكي..أيا كانت طريقة نطق اسمه.

https://www.facebook.com/atef.moatamed/posts/pfbid021BsKrdmRMGgY2jQUQLVLfyAoURNUNkzax65e7DmSxd1XVzNTygxHXk5rDPqxB3HVl

التخطي إلى شريط الأدوات