مسلمون حول العالم
نافذتك إلى أخبار الأقليات المسلمة

مفتي مدينة الباسان: مدينتنا تعد أهم مراكز الثقافة والتعليم الإسلامي في ألبانيا

تحولت مدينة الباسان نهاية القرن 17 لنموذج فريد بين مدن الامبراطورية العثمانية بأكثر من 45 مسجد بديع لنحو 10 ألاف نسمة

مسلمون حول العالم ـ خاص
حوار: هاني صلاح ـ الباسان ـ البانيا

موقع "مسلمون حول العالم" سافر إلى هذه المدينة التي تقع جنوب العاصمة الألبانية تيرانا وصاحبنا سماحة مفتي المدينة الشيع أجيم دوكا في جولة على أبرز معالمها وأهم جوامعها.
موقع “مسلمون حول العالم” سافر إلى هذه المدينة التي تقع جنوب العاصمة الألبانية تيرانا وصاحبنا سماحة مفتي المدينة الشيع أجيم دوكا في جولة على أبرز معالمها وأهم جوامعها.

تحظى العديد من المدن الألبانية التاريخية بتراث إسلامي عريق يمتد لأكثر من خمسة قرون، وتوصف مدينة الباسان التي تقع في وسط البلاد على مفترق الطرق التي تربط شمالها بجنوبها وشرقها بغربها بأن كانت أحد أبرز مراكز الثقافة الإسلامية في ألبانيا.

وقد فتح هذه المنطقة السلطان محمد الفاتح وأطلق على المدينة هذا الاسم “الباسان”، ويعني باللغة التركية “بسط اليد”، وأعاد بناء قلعتها البيزنطية التاريخية المهدمة ثم واصل تطوير هذه المدينة ابنه السلطان بايزيد الثاني وبنى بها أول مسجد والذي يعد أحد أقدم ثلاث مساجد في البلاد وأطلق عليه اسم “مسجد الملك”.

ثم تطورت المدينة تطور سريع وخلال قرن واحد أصبحت مركز الفنون والحرف اليدوية في وسط البلاد، وتنافس الأمراء والتجار على بناء أجمل مساجدها وبالغوا في زخرفتها حتى أضحت نموذج فريد في مدن الامبراطورية العثمانية لمدينة أصبح بها عدد كبير من المساجد مقارنة بعدد سكانها حيث كان بها في نهارية القرن السابع عشر أكثر من 45 مسجد بديع في طرازه المعماري في وقت كان عدد سكانها نحو عشرة ألاف نسمة.

وخلال الحقبة الشيوعية في ألبانيا (1946-1991م)، تم تدمير الغالبية العظمى من مساجدها الأثرية في سياق تدمير غالبية مساجد ألبانيا وذلك بعد صدور تجريم الأديان في عام 1967م. وبعد سقوط الشيوعية بدأ المسلمون في المدينة في إعادى فتح مساجدها الأثرية من جديد وترميمها كما سعوا إلى إعادى بناء جوامعها التي تهدمت من جديد بطرز معمارية حديثة عصرية.

موقع “مسلمون حول العالم” سافر إلى هذه المدينة التي تقع جنوب العاصمة الألبانية تيرانا وصاحبنا سماحة مفتي المدينة الشيع أجيم دوكا في جولة على أبرز معالمها وأهم جوامعها.

الشيخ أجيم دوكا مفتي محافظة مدينة الباسان في سطور..

الشيخ أجيم دوكا، من سكَّان مدينة الباسان التي تقع في وسط ألبانيا وتبعد عن العاصمة تيرانا في اتجاه الجنوب بنحو 33 كم، وتعدُّ ثالث أكبر مدن البلاد من حيث تعداد السكان بتعداد نحو 120 ألف نسمة.

وينحدر الشيخ أجيم دوكا من أسرة ألبانية مسلمة عريقة تتَّسم بالثقافة الإسلامية، حيث كان والده أحد الأئمة الرئيسيين في المدينة.

بعد سقوط الشيوعية في عام 1991م، سافر مع بعض الشباب من ألبانيا لدراسة العلوم الشرعية في كلية أصول الدين بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية، حيث تخرج فيها عام 2001م.

بعد عودته إلى ألبانيا بدأ العمل بمعهد الهاجري الشرعي في مدينة الباسان أستاذًا للغة العربية والعلوم الدينية.

وفي عام 2004م، عُيِّن مفتيًا لمحافظة الباسان، وهي المسئولية التي ما زال يتولاها حتى اليوم؛ نظرًا للاحترام الذي يحظى به هو وعائلته من قِبل مسلمي المحافظة.

سعى الشيخ أجيم دوكا -على مدار نحو 20 عامًا من تولِّيه مسئولية دار الإفتاء لمحافظة الباسان- لبناء عشرات المساجد في المدينة والقرى التابعة لها، كما كان له دَور نَشِط كبير في الدعوة والتعليم الإسلامي في مساجدها ومدارسها الدينية.

وإلى الحوار..

ـ في بداية حوارنا مع سيادتكم.. نود نبذة تعريفية عن مدينة الباسان.

مدينة الباسان تعدُّ من المدن الألبانية التاريخية القديمة، مثلها مثل مدينة أشكودرا الشمالية ومدينة بيرات الجنوبية. وتقع في وسط البلاد؛ لذا فموقعها الجغرافي استراتيجي للغاية، حيث مثَّلت نقطة عبور مهمة على طرق المواصلات التاريخية؛ فهي تربط البلاد بعضها ببعض، سواء من الشمال إلى الجنوب أو من الغرب إلى الشرق، وهذا ما جعلها على الدوام محطَّ اهتمام الإمبراطوريات التي تسعى للسيطرة على مناطق ألبانيا الوسطى، وأدَّى هذا إلى تحولها لمركز ثقافي وديني وعسكري في المنطقة.

دخول الإسلام لمدينة الباسان

ـ كيف دخل الإسلام إلى هذه المنطقة؟

جاء الإسلام إلى هذه البلاد مع الفتح العثماني بقيادة السلطان محمد الثاني، وذلك في منتصف القرن الخامس عشر، وأطلق عليها هذا الاسم “الباسان” بمعنى “وضعت اليد” باللغة التركية، بينما كان اسمها سابقًا “اسكامبيني ـ SKAMPINI”.

ثم بدأ ببناء قلعتها التاريخية على أطلال القلعة البيزنطية القديمة المهدَّمة. وأكبر ميزة لهذه القلعة أنها الوحيدة في ألبانيا التي بُنيت على السهل، وليس على قمم الجبال كما في جميع قلاع ألبانيا الأخرى؛ لذا يُطلق عليها اسم “القلعة الميدانية”، وظلَّ الجيش العثماني موجودًا في هذه القلعة نحو 30 عامًا في ظلِّ حكم السلطان العثماني بايزيد الثاني.

لاحقًا بنى العثمانيون جامعًا داخل القلعة سمِّي بمسجد الملك، يعدُّ أول وأقدم مسجد في مدينة الباسان. كما يُعرف بمسجد “الجيش”؛ لأنه بُنِيَ خصيصى للجيش العثماني في بداية سيطرته على مدينة الباسان، ولم يكن يوجد مسلمون وقتها في المدينة سوى النصارى وعقائد وثنية.

وقد بَنى العثمانيون مثل هذا المسجد، بنفس الطراز المعماري وبنفس الاسم؛ “مسجد الملك” في المدن التي فُتحت خلال هذه الفترة، مثل مدينة أشكودرا الشمالية ومدينة بيرات الجنوبية؛ وذلك خلال فترة حكم السلطان بايزيد الثاني.

وبمرور الوقت بدأ سكَّان المدينة يتعرَّفون على الإسلام من خلال الجيش العثماني، وبدأ الإسلام في الانتشار تدريجيًّا. وتَواصَل بناء المزيد من الجوامع ذات الطراز المعماري الفريد، حتى وصل عدد الجوامع بعدها بنحو قرن لأكثر من 45 جامعًا. ونظرًا لكونها مدينة صغيرة وبعدد سكان قليل لا يتجاز عشرة الآلاف نسمة؛ اعتُبرت مدينة الباسان نموذجًا فريدًا في كافة المدن داخل الإمبراطورية العثمانية.

وتحولت بمرور الوقت مدينة الباسان لتصبح عاصمة الثقافة والعلوم الإسلامية في البلاد، وتخرج من مساجدها القديمة أجيال متتالية من العلماء والحفَّاظ والشعراء، وتطوَّرت بشكل سريع ولافت للنظر، خاصة في الحِرَف اليدوية والفنون العمرانية حتى خرَّجت أعظم مهندس في الإمبراطورية العثمانية، وهو المهندس الرئيسي للإمبراطورية (صدفتشار مهمت بيتشاكتشيو ـ Sedefqar Mehmet Biçakçiu)، الذي بنى تحفة العصر؛ المسجد الأزرق في إسطنبول، وقد كان من مدينة الباسان.

وكان طريق (إجناتيا ـ Egnatia) يقطع منتصفَ المدينة التي كانت في البداية داخل القلعة، وهو أحد أهم طرق السفر في العصور الوسطى في منطقة البلقان، حيث يربط شواطئ البحر الأدرياتيكي في الغرب بشرق المنطقة حتى بلغاريا، ومنها إلى آسيا. وكان هذا الطريق يشطر المدينة شطرين، فكان الحي الشمالي للنصارى وبه كنائسهم التاريخية، بينما الحي الجنوبي للمسلمين حيث بُنيت الجوامع الأثرية فيه.

وقد سادت لقرون متواصلة أجواء التعايش السلمي والتسامح الديني بين المسلمين والنصارى؛ لذا كانت الباسان ـ مثل جميع المدن الألبانية ـ نموذجًا رائدًا وفريدًا في تعايش المجتمعات الدينية جنبًا إلى جنب منذ دخول الإسلام إلى ألبانيا.

مساجد الباسان التاريخية الأثرية

ـ اشتُهرت مدينة الباسان بكثرة جوامعها الأثرية ذات الطراز المعماري الجميل والفريد من نوعه.. فهل من إطلالة على مساجدها الأثرية؟

مدينة الباسان تحوَّلت إلى مدينة المساجد والمآذن خلال قرن من الزمان، ولعلَّ أهم مسجد تاريخي وأثري ما زال قائمًا بها هو “مسجد الملك”؛ لأنه يمثل تاريخ الإسلام في هذه المنطقة. فهذا أول مسجد بُنِيَ من قِبل العثمانيين بعد فتحهم للمدينة داخل قلعتها التاريخية بالقرب من بوابتها الرئيسية التي تقع في جهتها الجنوبية، وكان يطلق عليه أيضًا مسجد الجيش، أو مسجد “هونكار” باللغة التركية.

وكان هذا المسجد مركزًا للتعليم والثقافة الإسلامية في المنطقة؛ فقد درس به وتخرج فيه الكثير من العلماء والحفَّاظ والشعراء الألبان على مدار قرون. وتتجلى أهمية هذا المسجد بالنسبة إلى مسلمي الباسان في أنه كان أول مسجد فُتِحَ في المدينة بعد سقوط الشيوعية في ألبانيا عام 1991م، والثالث الذي يُفتح على مستوى البلاد بعد فتح المسجد الرصاصي في مدينة أشكودار الشمالية، ثم جامع أدهم بك في قلب العاصمة تيرانا.

وأتذكر أنه عندما قررنا إعادة فتح مسجد الملك في الباسان، اختار الناس أبي، وكان إمامًا، لكي يفتتحه في احتفالية مهيبة كبيرة حضرها حتى الشيوعيون بأنفسهم وكذلك النصارى في المدينة، وأصبح أبي أول إمام لهذا المسجد التاريخي بعد عودة الحريات الدينية وإعادة فتح المساجد في البلاد تدريجيًّا.

وكانت الشيوعية قد حوَّلت هذا المسجد إلى ورشة لصناعة التماثيل، ووضعت في جهة المحراب تمثالًا ضخمًا لأنور هوجا رئيس ألبانيا الذي طبَّق النظام الشيوعي بحسم في البلاد، وصادر الحريات الدينية وهدم المساجد، وبقينا نحو أسبوع ننشر هذا التمثل بمنشار حتى أخرجنا كافة التماثيل من المسجد وقمنا بتنظيفه مع أهل الحي وبعض أقاربنا وإخوتنا.

وقد أُعيد ترميمه بالكامل، كما تم بناء منارة جديدة للمسجد بتبرعات مسلمي الباسان أنفسهم على عكس غالبية المساجد الأخرى التي تتكفل بمصروفات بنائها مؤسسة عربية وتركية، وهذا يعكس مكانة هذا المسجد التاريخي في قلوب مسلمي الباسان، وحرصهم على تجديده وإعادته للحياة من جديد.

ـ شاهد مسجد الملك.. اضغط هنا: (صور) ـ (فيديو).

ثم بمرور الوقت اتَّسعت المدينة وازداد عدد سكانها وخرجت عن حدود القلعة؛ لذا تمَّ بناء العديد من المساجد في الأحياء الجديدة من المدينة التي باتت خارج القلعة، ومن أهم هذه المساجد وأجملها وأكبرها مسجد “بالية” الذي بُنِيَ في وسط المدينة خارج أسوار القلعة مقابل مدخلها الرئيسي من الجهة الجنوبية. وتحوَّل إلى مركز للنشاط الديني والدعوي والثقافي في المدينة وكافة المناطق المجاورة لها في وسط ألبانيا.

ـ شاهد مسجد بالية.. اضغط هنا: (صور) ـ (فيديو).

وتواصل بناء الجوامع ذات الطرز المعمارية الجميلة والفريدة من نوعها، حتى زاد عددها في نهاية القرن السادس عشر على 45 جامعًا داخل مدينة الباسان. وقبل الحقبة الشيوعية في ألبانيا (1946 ـ 1991)، كان يقع نحو 30 مسجدًا أثريًّا قديمًا من أجمل المساجد، بطول يصل إلى نحو 2 كم على جانبي الطريق الرئيسي في وسط مدينة الباسان، حيث كان الحكام والنبلاء يتنافسون فيما بينهم في بناء المساجد وزخرفتها.

وكان يوجد في قلب المدينة فقط خارج أسوار القلعة خمسة مساجد أثرية متقاربة؛ هي: مسجد بالية، ومسجد السوق، الذي أُطلق عليه هذا الاسم لوجوده بجوار سوق المدينة، ثم مسجد أغا الكبير، وكان به مكتب دار الإفتاء لمحافظة الباسان، وكذلك مسجد سنان باشا، ومسجد طباق.

ولكن للأسف، أغلب هذه المساجد الأثرية هدمتها الشوعية في عام 1967 إثر صدور قانون تجريم الأديان الذي بمقتضاه هدمت أكثر من ألف مسجد في عموم ألبانيا، ولم ينجُ من الهدم سوى بضعة مساجد كان قد أُعلن من قبلُ أنها معالم ثقافية وطنية؛ لذا حظيت بحماية الدولة، وبالرغم من ذلك تضررت كثيرًا من سوء رعايتها وتحويلها إلى مخازن وورش لصناعة التماثيل وغيرها.

ومن بين المساجد الأثرية التي نجت من الهدم مسجد أثري هام وقديم جدًّا اسمه “نازيريشه”، يقع في جنوب مدينة الباسان. ومنذ سنوات قامت الحكومة التركية بترميمه وإعادته كما كان في الأصل. ويقال إن من بنى هذا المسجد هي أخت صاحب مسجد “بالية” التاريخي في وسط المدينة.

ـ شاهد مسجد نازيريشه.. اضغط هنا: (صور) ـ (فيديو).

وبعد سقوط الشيوعية في ألبانيا في عام 1991م، بدأنا بترميم المساجد الأثرية التي لم تُهدَّم ولكنها تضررت كثيرًا. فقمنا بترميم مسجد الملك داخل القلعة التاريخية بتبرعات محلية من سكَّان المدينة الذين يكنُّون لهذا المسجد الأقدم في المدينة محبةً كبيرة، وله مكانة عظيمة في قلوبهم. ثم استطعنا إعادة بناء بعض المساجد التي تم هدمها في الحقبة الشيوعية، ولكن استرجعنا الأرض الوقف التي كانت مخصصة لها، ومن بينها مسجد “بالية”، وذلك بمساعدة أهل الخير من دولة الكويت.

ومن الأشياء الجميلة أنَّ مسجد سنان باشا الأثري التاريخي كان يُطلق عليه مسجد الشعراء؛ وذلك لوجوده على طريق سفر بضواحي المدينة؛ فكان الشعراء يمرون بهذا المسجد ويكتبون على جدرانه أشعارهم، حتى وثَّق أحد المؤرخين عدد أبيات الشعر المكتوبة على المسجد فوجدها تملأ نحو 1500 صفحة من أبيات الشعر. ولكن للأسف هدمته الشيوعية ومَحَت كافة آثاره الرائعة.

واقع المساجد الجديدة اليوم

ـ خلال ثلاثة عقود بعد سقوط الشيوعية في البلاد، استطعتم بناء عشرات المساجد الجديدة بجانب ترميم الجوامع الأثرية.. فما هو واقع المساجد عمومًا اليوم في الباسان؟

محافظة الباسان كبيرة وممتدة، وتتبعها ثلاث مدن هي: الباسان العاصمة، وكل من مدينتَي تسوريك وبليش. ونحن في دار الإفتاء نُشرِف على الأمور الدعوية والتعليمية والمساجد في هذه المدن الثلاث، بالإضافة لنحو 120 قرية تتبع المحافظة.

حاليًّا، في محافظة الباسان يوجد 80 مسجدًا، عشرة منها داخل مدينة الباسان، أكبرها جامع بالية الذي يقع في مركز المدينة، وسبعون مسجدًا آخر في المدن والقرى التابعة للمحافظة. وما زلنا نواصل بناء المساجد، سواء في المدن أو القرى حسب احتياجات الناس. ومنذ أن توليت منصب مفتي المحافظة في عام 2004م، قمنا ببناء نحو 55 مسجدًا، أغلبها يقع في القرى المجاورة، خاصة القرى الكبرى الرئيسية.

ومع ذلك، فإننا ما زلنا في حاجة إلى بناء المزيد من المساجد، حيث لا تزال هناك نحو 50 قرية دون مساجد. ونحن نتعاون مع المؤسسات الخيرية حول العالم، وخاصة من دولة الكويت، التي تدعم بناء المساجد في المدن والقرى بمحافظة الباسان.

وعلى الرغم من أنَّ كثيرين في القرى يجهلون الإسلام، فضلًا عن تطبيقه وأداء الصلوات، إلَّا أنهم كانوا يأتون إلينا في دار الإفتاء بالمدينة ويُلِحُّون علينا بإصرار شديد كي نشيِّد مسجدًا في قريتهم.

وبالفعل لاحظنا بركة بناء المسجد في القرى، التي لا يعرف أهلها شيئًا عن الإسلام؛ فقد رأينا كيف أخذ الناس في الذهاب إلى المساجد وتعلُّم أركان الإسلام، وبمرور الوقت بدأت هذه المساجد في الامتلاء بالمصلين، وهذا دليل على رغبة أهلها في الإقبال على الدين الإسلامي، خاصة أن كثيرين منهم حُرم من تعلمه زمن الشيوعية؛ لذا فهم يحاولون الآن تعويض ذلك بالذهاب للمساجد وكذلك بتشجيع أبنائهم على الذهاب للمساجد وتعلم الوضوء والصلاة ومبادئ الدين.

واقع أئمة مساجد الباسان

ـ تطرقنا في حوارنا الهام هذا لواقع الجوامع الأثرية والمساجد الجديدة الحديثة في محافظة الباسان؛ فكيف هو واقع الأئمة هنا؟

أحد التداعيات السلبية التي ما زلت مؤثرة في واقعنا الديني هنا في ألبانيا، تمثَّل في مصادرة النظام الشيوعي السابق في النصف الثاني من القرن العشرين، كافةَ الأوقاف الإسلامية التي كانت تحت رعاية المشيخة الإسلامية الألبانية.

لذلك ضاع الكثير منها، حيث بُنِيَ على أراضي الوقف الكثيرُ من البنايات المختلفة، كالعمارات والمصانع والوزارات وغيرها. وما يمكننا استرجاعه منها لم يرجع بعدُ للمشيخة لأسباب كثيرة. وقد تسبَّب هذا في أزمة مالية خانقة للمشيخة الإسلامية الألبانية، جعلها عاجزةً عن دفع رواتب الأئمة، سواء في مدينة الباسان أو مختلف محافظات ألبانيا.

لذلك نتعاون مع المؤسسات الخيرية في دول الخليج، خاصة في دولة الكويت التي تدعمنا في بناء المساجد ودعم أئمتها، سواء في دفع الرواتب لهم، أو في عملهم الدعوي والتعليمي بالمساجد. وكذلك مع أهل الخير في السعودية وقَطر وغيرها من الدول العربية.

كما أنَّ المؤسسات الهندية في بريطانيا تدعمنا دعمًا كبيرًا؛ فتقريبًا في كلِّ مسجد من مساجدنا توجد دورة لتحفيظ القرآن الكريم. وتتكفَّل هذه المؤسسات الهندية البريطانية بتكلفة هذه الدورات ورواتب الأئمة القائمين والمشرفين عليها.

وأنتهز هذه الفرصة كي أوجِّه لكم الشكر الجزيل على دعمنا هنا في الباسان، ودعم الدعوة الإسلامية في منطقتنا الهامة ذات التاريخ الطويل في نشر الإسلام في الباسان وما حولنا من مناطق أخرى.

الدور النسائي في الباسان

ـ لا يَسعنا إنهاء هذا الحوار مع سيادتكم دون التطرق لدَور المرأة المسلمة في هذه النهضة الإسلامية التي تشهدها مدينة الباسان من جديد بعد انتهاء الحقبة الشيوعية قبل أكثر من ثلاثة عقود.. فماذا عن الدور النسائي في الباسان؟

الدور النسائي في مدينتنا نشط للغاية وكبير جدًّا، سواء في المجال الدعوي والتعليمي للنساء والفتيات، أو المجال الخيري للأيتام والأرامل والمحتاجين، وكذلك في الدعوة العامة بالمدينة التي تتمثَّل في تنظيم معارض إسلامية في المناسبات الدينية للتعريف بالإسلام في أوساط المارة أمام ساحة مسجد بالية الذي يقع في مركز المدينة، وتوزيع الكتب الدينية، والرد على أسئلة الزائرين واستفساراتهم حول الإسلام.

كما أنَّ للنساء الداعيات حضورًا قويًّا في كافَّة المنتديات الثقافية والمؤتمرات العلمية، ولهم برامج تعليمية وندوات في مختلف المساجد، وكذلك مشاركات ثقافية وعلمية في وسائل الإعلام المختلفة. وهذا الدَّور النَّشِط من مسلمات الباسان رأينا ثماره في الْتزام كثير من النساء وإقبالهنَّ على تعلُّم الإسلام، وإرسال أبنائهنَّ إلى المساجد لحفظ القرآن الكريم وتعلُّم مبادئ الإسلام.

الكتب والمصاحف

ـ تطرقت فضيلتكم لمسألة تنظيم معارض ثقافية وتوزيع كتب دينية على زوراها.. فهل تسمح لنا بالسؤال حول المصاحف، وخاصة المترجمة معاني آياتها باللغة الألبانية؟

وُجِدَ على الدوام ومنذ انهيار الشيوعية إقبال كبير متزايد ومستمر على طلب مصاحف منها، خاصة تلك التي تتضمَّن ترجمةً لمعانيها باللغة الألبانية. وفي العام الماضي فقط وزَّعنا نحو 5 آلاف مصحف، بينما هذا العام وزعنا حتى اليوم ألف مصحف، وما زال هناك طلب عليها بشكل كبير.

وفي الحقيقة نحن نحتاج إلى مَن يساعدنا ويمدُّنا بهذه المصاحف، سواء بالعربية فقط أو تلك التي تتضمَّن ترجمة ألبانية لمعاني الآيات القرآنية؛ حتى لا يبقى أي بيت من بيوت المسلمين الألبان إلا وبه مصحف، فهو أساس رسالة الإسلام الصافية الشارحة الوافية الكافية، والمصدر الأول للتشريع الإسلامي المحفوظ من الله تعالى.

مستقبل الإسلام في الباسان

ـ في ختام حوارنا.. كيف ترون المستقبل في منطقة الباسان؟

الثقافة الإسلامية هنا في الباسان بدأت مباشرةً بعد حضور العثمانيين إليها في عام 1420 تقريبًا. ومدينة الباسان مثَّلت مركزًا من مراكز التعليم الإسلامي في ألبانيا، وكان لمساجدها دَور رائد في نشر العلوم الدينية وتخريج الدعاة الذين انتشروا في الباسان ومختلف محافظات البلاد. وكان لمسجد “بالية” دَور مهم كذلك في نشر العلوم الإسلامية في الباسان. وظلَّت مساجد الباسان تؤدي هذا الدَّور حتى هُدِم أغلبها وأُغلق ما تبقَّى منها خلال الحقبة الشيوعية.

بعد سقوط الشيوعية عادت الباسان من جديد تؤدِّي دَورها في نشر العلوم والثقافة الإسلامية، ليس فقط في الباسان، بل في عموم ألبانيا. وعلى سبيل المثال، كان لدينا معهد الهاجري هنا في الباسان، حيث تخرَّج فيه غالبية الأئمة في الباسان وكثير من الأئمة في مختلف محافظات ألبانيا. والآن تحوَّل إلى مدرسة للأطفال في المراحل التعليمية قبل الجامعة، حيث تُدرس العلوم العلمية بجانب العلوم الدينية.

وحاليًّا تصل نسبة المسلمين في الباسان إلى حوالي 75%، وبالرغم من أنَّ غالبيتهم يعتزون بإسلامهم، فإنهم يجهلون الكثيرَ عن الإسلام؛ نظرًا لطول فترة الشيوعية في ألبانيا التي وصلت لنحو نصف قرن، قامت خلالها بتجريم الدين وغلق المساجد وتجفيف منابع التعليم الإسلامي. لذا، فغالبية من يحضر إلى المساجد ويُقبِل على تطبيق مبادئ الإسلام هم من جيل الشباب، الذي نشأ في فترة ما بعد الشيوعية، تلك الفترة التي اتَّسمت بعودة الحريات الدينية من جديد في البلاد. وهذا وحده يؤكِّد أنَّ المستقبل سيكون واعدًا ومبشرًا بشكل كبير وعظيم.

ـ روابط ذات صلة:

ـ مسجد بالية الأثري.. جوهرة ثقافية ودينية بمدينة الباسان في وسط ألبانيا.

ـ مسجد الملك.. أول وأقدم مساجد مدينة الباسان بوسط ألبانيا.

https://www.facebook.com/hany.salah.754365/posts/pfbid0wF3NgeG8HhcPLw5jMR5kfY2p5QdwzNS9RFPTVpz6pwKMonjpQCya5iMLm7mo6YQtl

https://www.facebook.com/hany.salah.754365/posts/pfbid04iPTgpJuei5pifgT38BBMuHo4Y8EtybWJfDwaS3A5aCBD6RgiqNDLQQwrWVWc4z7l

https://www.facebook.com/hany.salah.754365/posts/pfbid02J4uT4uzQDX8cRSbf5QzoFfWjRTNnfg6u6RZLz49es24GPcgduTx6TqTgny1ZMGAhl

 

 

التخطي إلى شريط الأدوات